يتعرض المواطن المصرى، لشتى صنوف الإهانة والتعذيب والتنكيل وانتهاك حقوق الإنسان، ويحلم بإيجاد فرصة للهجرة أو العمل خارج البلاد، في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية التى تعيشها البلاد منذ الانقلاب العسكر على الرئيس المنتخب، ويحاول الشباب ركوب البحر، فى مراكب متهالكة، للوصول إلى دول غرب أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا.
لذا فقد أثار الانتباه قيام مجموعة من السياح السويسريين، بتوكيل مكتب قانونى من أجل تحريك دعوى قضائية ضد مالك حمار رأوه يعذب حماره, أثناء زيارتهم لمنطقة سقارة الأثرية, القريبة من القاهرة, واتخاذ الإجراءات القانونية ضده، والسعى لتسفير الحمار المحظوظ إلى سويسرا، على نفقة السياح، بعد أن راعهم ماشاهدوه، من ضرب وتنكيل بالحمار فتدخلوا لانقاذه وتخليصه من التعذيب، وعرضوا على صاحبه شراء الحمار، وقدموا له مبلغاً يصل إلى ثمانمائة يورو، أى مايعادل 17 ألف جنيه مصري تقريباً, كما دفعوا ثمانمائة يورو أخرى لأحد الأشخاص، ساعدهم على تسلّم الحمار بعد تباطؤ مالكه في تسليمه.
ومما لاشك فيه أن ذلك سيضمن للحمار المحظوظ، ألا يتم تعذيبه مرة أخرى بعد مغادرة مصر ووصوله إلى سويسرا التى تحترم حقوق الحيوان، وهو حلْم الكثير من الشباب المصري ألا يتعرض للتعذيب والتنكيل ويعيش إنسانًا فى بلده ، كما أن الحمار المحظوظ ، سيعيش في مكان يحلم الكثير من المصريين بالوصول إليه نظرا لوضعه الاقتصادى المتميز!
وكون هؤلاء السياح يشفقون على حمار أعجم شيء طيب، ولكن أين الشفقة على الانسان، فى فلسطين ومصر وسوريا والعراق واليمن وافغانستان وميانمار ومايقع فيها من تعذيب وقتل واغتصاب؟
وتم نقل الحمار المحظوظ إلى مستشفى “العباسية” للطب البيطري؛ لعلاجه من آثار الضرب والتعذيب، كما أكدت إدارة الحجر البيطري بمطار القاهرة، أنه في حال سفر الحمار لخارج البلاد لتلقي العلاج، لابد من حصول مالك الحمار على موافقة هيئة الخدمات البيطرية، والحصول على شهادة صحية عن حالة الحمار، والتطعيمات التى حصل عليها قبل السفر!
وقد ذكرتنى واقعة الحمار المحظوظ، بقصة جده المحظوظ عندما قامت الأميرة ماري؛ ابنة ملك بريطانيا سنة 1919، بزيارة لمصر وسافرت الى الصعيد، لزيارة مدينة الأقصر، وهناك شاهدت حماراً أعجبت به أعجاباً شديداً، فاشترت الحمار هدية لأبنائها، وبالفعل تم نقل الحمار من مصر إلى قصر باكنجهام فى لندن ليلعب معه أبناء الأميرة!
لكن لابد أن نعلم أن الإسلام سبق ماتقوم به بعض الأفراد ومنظمات الرفق بالحيوان فى بلاد الغرب، إذ حَرِّم المكْث طويلاً على ظهر الدواب وهي واقفة؛ فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: (لا تَتَّخِذوا ظهور دوابكم كراسي).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى رفيق يحب الرفق، ويرضى به، ويعين عليه ما لا يعين على العنف، فإذا ركبتم هذه الدواب العجم (لا تتكلم) فأنزلوها منازلها (أريحوها في المواضع التي اعتدتم الاستراحة فيها أثناء السفر)
وحرم إجاعة الحيوان وتعريضه للضَّعف والهُزَال؛ فقد مرَّ النبى صلى الله عليه وسلم بِبَعِيرٍ قد لصق ظهره ببطنه، فقال: (اتَّقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة).
ونهى عنِ التَّحريش بين الحيوانات، فى الوقت الذى تقتل فيه الثيران بطريقة وحشية، فى بلاد أوربا باسم رياضة مصارعة الثيران، كما نهى عن وسم البهائم في وجوهها بالكَي بالنار، أي: (كيِّها لتعلم من بين الحيوانات الأخرى؛ فقد مرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على حمار قد وُسِم في وجهه، فقال: “لَعَنَ الله الذي وسمه).
وكما يقول الدكتور مصطفى السباعى فى كتاب “من روائع حضارتنا”: هذه هي مبادئ الرِّفق بالحيوان في حَضَارتنا وتشريعنا، فكيف كان الواقع التطبيقي لها؟
مرَّ عمرُ برجل يسحَب شاةً برجلها ليذبحها، فقال له: “ويلك، قُدْها إلى الموت قودًا جميلاً”.
وهكذا كان طابَع حَضَارتنا؛ رفقًا بالحيوان، وعناية به من قبل الدولة والمؤسسات الاجتماعية.
أما عناية الدولة، فليس أدلُّ على ذلك من أن خلفاءها كانوا يُذيعون البلاغات العامة على الشَّعب يُوصونهم فيها بالرِّفق بالحيوان، ومنع الأذى عنه، أو الإضرار به؛ فقد أذاع عمَر بن عبدالعزيز في إحدى رسائله إلى الولاة أن ينهوا الناس عن ركض الفرس في غير حقٍّ، وكتب إلى صاحب السكك وهي وظيفة تشبه مصلحة السير ألاَّ يسمحوا لأحدٍ بإلجام دابَّته بلجام ثقيل، أو أن ينخسَها بمقرعة في أسفلها حديدة.
وكان مِن وظيفة المحتسِب؛ وهي وظيفة تشبه في بعض صلاحياتها وظيفةَ الشرطي في عصرنا الحاضر, أن يمنعَ الناس من تحميل الدوابِّ فوق ما تطيق، أو تعذيبها وضَرْبها أثناء السَّيْر، فمَن رآه يفعل ذلك أدَّبه وعاقَبه.
وأما المؤسسات الإجتماعية، فقد كانت هناك مؤسسة لعلاج الحيوانات المريضة، أو إطعامها، أو رعايتها حين عجزها، كما هو شأن المرج الأخضر في دمشق، الذي يُقام عليه الملعب البلدي الآن، فقد كان وقفًا للخيول والحيوانات العاجزة المسِنَّة ترعى منه حتى تلاقي حتْفها.
وعلى ضوء هذه التعاليم يُقَرِّر الفقهاء المسلمون من أحكام الرحمة بالحيوان ما لا يخطر على البال؛ فهم يُقَرِّرون أن النفقة على الحيوان واجبةٌ على مالكه، فإنِ امتنع أُجبِر على بيعه أو الإنفاق عليه، أو تسيِيبه إلى مكانٍ يجِد فيه رزقه ومأمَنه، أو ذبحه إذا كان مما يُؤكَل.
أضف تعليقك