قدرى أنى ألتقيه كثيرًا؛ إذ هو قريب لى؛ فما من لقاء إلا ويثير قضايا الشأن العام، ورأيه -دائمًا- فيه حدة وشطط، وفيه يأس وقنوط، وتلك صفات لا أحبذها فى الحوار؛ لأنى على اعتقاد بأن العاطفة وحدها لا تحل أزمة، إنما تحتاج إلى عقل يضبطها، ويحدد مجراها، ويستخدمها ساعة وساعة؛ من أجل ذلك أرى أن على الدعاة والسياسيين الشرعيين دور ترشيد هذه العاطفة عند هؤلاء الفضلاء المخلصين، وتوعيتهم بالصفات المطلوبة للخروج من الأزمات، خصوصًا أزمة المحروسة المستعصية..
يعتقد قريبى -اعتقادًا جازمًا- بأن ما تمر به مصر والمنطقة هو نهايتها، وأنه إذا أردنا إنـقاذ البلاد والـعبـاد فلا بد من بذل أنهار الدماء فى مواجهة الخونة -على حد قوله- ويؤكد أن أى حلول أخرى هى بمثابة شرعنة لهؤلاء المجرمين الذين يجرون البلد إلى الخراب؛ من ثم الضياع..
وإذا كان قريبى محقًا فى وصف الحالة وتصوير الواقع الأليم؛ فإنه أخطأ فى وصف العلاج، وتعجل فى حل الأزمة؛ انسياقًا وراء عاطفته كما ذكرت، وجهلا كذلك بالتاريخ وبناموس السماء فى نشوء الأمم وزوالها؛ فهو لا يقدِّر آثار ونتائج المواجهة التى يتحدث عنها، بل إنه يعطى الفرصة لهؤلاء الذين وصفهم بـ(الخونة) لتنفيذ مخططهم بجر البلاد إلى التهلكة، ولا يدرى كذلك أن الكلام سهل إنما الفعل صعب؛ فالقتال إن لم يتم الإعداد له، وموازنة الخصم فإن الخسارة ستكون فادحة، والمصيبة ستكون أفظع، ناهيك عما يستجد من أمور لصالح الجانب الآخر، خصوصًا أنك لا تحارب هؤلاء وحدهم، بل من ورائهم الدنيا كلها -ولست مبالغًا فى ذلك. فإذا فرغت من كل هذا؛ فهل لديك المسوغ الفقهى الذى على أساسه يجوز لك حربهم واستئصال شأفتهم، وهم من يجهرون بـ لا إله إلا الله؟
أما مسألة الضياع التى يثيرها قريبى دائمًا؛ فإنى لا أراه -كذلك- محقًا فيها؛ لأسباب منها؛ أن عوامل بقاء هذه الأمة مغروسة فيها منذ أوحى الله إلى نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فهى خير أمة أخرجت للناس؛ أى الخير فى بنيها إلى يوم القيامة كما أخبر المعصوم فى حديث مشهور، وهذا مُشاهد فى أعداد الأحرار التى لا تحصى، وهم -رغم كل ما جرى- لا يخافون فى الله لومة لائم، ولا ييأسون، ولا تغيرهم أزمنة ولا أمكنة، يعتقدون ما اعتقد نبيهم، ويحبون ما أحب، ويكرهون ما يكره... وهؤلاء فى الحقيقة هم من يحرسون الدين، ويحمون الأوطان، ويحفظون الشريعة، ويصونون الأموال والأعراض، وهم من يواجهون هؤلاء الأصنام بكل جرأة وثبات، ولولاهم لاختفت مصر من الخريطة كما يتوقع قريبى..
وأملنا فى الله، ثم فى هؤلاء، حرّاس الدين؛ فهم من يزهقون الباطل، ويدمغونه، وهم من ستقوم على أكتافهم دولة الحق والقوة والحرية، قد يقول قائل إن هذه أحلام، وأنا أؤكد أنها حقائق، وقد وقعت من قبل وهى تكرر الآن؛ ففى غزوة الأحزاب قال المنافقون: {مَّا $ّعّدّنّا پلَّهٍ $ّرّسٍولٍهٍ إلاَّ غٍرٍورْا} [الأحزاب: 12]، التبس عليهم الأمر، وغرتهم مشاهد وقتية، ونسوا أن يد الله تعمل فى الخفاء، وأنه -سبحانه- لا يضيع أولياءه، ولكن كان فى المشهد نفسه رجال؛ صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا؛ فكانت الغلبة لهم، وقد تبعها تمكين أمة ساح رجالها فى أرجاء المعمورة، وتبعها نشر رسالة الإسلام على العالمين. إذًا لا يأس مع التقوى والصبر، ولا قنوط مع التوكل على الله بعد الأخذ بالأسباب، ولا هزيمة مع العزيمة والثبات على المبدأ والمعتقد وحسن الظن بالله..
والله يا قريبى إنى أرى هذه العصابة التى أرهقت البلاد والعباد، أصغر وأحقر من المواجهة، وإن فى سلوكهم عوامل فنائهم؛ فتلك فئة لا دين تعمل له، ولا وطنية تحميها، ولا هدف لها سوى اكتناز الأموال للأبناء والأحفاد وحوز المناصب والتسلط على الناس، وهى أخلاق عصابات، وهل سمعت عن عصابة عمرت الأرض، أو أقامت ملكًا، أو نشرت السلام والاستقرار بين الناس؟ اطمئن يا قريبى؛ فهؤلاء -والله- إلى زوال، إنما هى الأىام ليرى الله ماذا قدمنا لأنفسنا.. لا تكف عن تخذيلهم، وكشف سوءاتهم، وفضحهم؛ ليتركوها صاغرين خائبين.
أضف تعليقك