الإسلام دين الوسطية والاعتدال، والوسطية إحدى الخصائص العامة للإسلام، وهي إحدى المعالم الأساسية التي ميز الله بها الأمة المحمدية عن غيرها من الأمم، وبهذه الميزة استحقت أمة الإسلام أن تكون شهيدة على الناس من حيث لا تشهد عليها أمة أخرى، كما قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
فالإسلام توجه وسطي بين المادة والروح، حيث لا يغلب أحدهما على الآخر، والوسطية وسطية بين القوة واللين، قوة تستخدم لتحقيق العدل ولين ليس معه ميوعة، لكن مصطلح الإسلام الوسطى مصطلح دخيل وليس له أى أصل شرعى، وأنه من اختراع علماء السلطة وعملاء الشرطة، الذين يسعون إلى تمييع الدين لإرضاء الحكام الطواغيت العملاء.
فالإسلام هو الإسلام.. ليس هناك وسطي أو متشدد، فالإسلام هو منهج رباني كامل، أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وأمره بتبليغه، أما أتباع الإسلام الوسطى ويروجون له لتقديم نموذجا جديد يرتدي لباس الإسلام باطل، وينادي بكونه الوسطية التي أمر بها الله في مواجهة التشدد، وبذلك يتم إباحة العديد من المحرمات باسم البعد عن التزمت والتشدد، وتقييد العديد من الأوامر الإلهية باسم المصلحة، حتى صار مصطلح الإسلام الوسطى يعنى إباحة الاختلاط والعري والرقص واللهو والغناء!!
وأخيراً ظهر مصطلح الإسلام الوسطى فى المملكة العربية السعودية على يد محمد بن سلمان، ولى العهد، الذى اعتقل العلماء وزج بهم فى السجون والمعتقلات، وزار دولة الكيان الصهيونى، ويسعى إلى القيام بحملة تغييرات واسعة في المملكة على المستوى الاجتماعي، كان من أبرزها السماح للمرأة بقيادة السيارة بعد أن كان ممنوعًا، وإنشاء هيئة الترفيه، إضافة إلى تهميش دور "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، كما صرح أخيراً في منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، بأن السعودية ستعيش حياة طبيعية، وأنه لن يسمح بأن تضيع 30 سنة مقبلة من حياة الشعب بسبب الأفكار المتطرفة، وأن 70% من الشعب السعودي هو أقل من 30 سنة وبكل صراحة، لن نضيع 30 سنة أخرى من حياتنا في التعامل مع أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم وفورا، وسننشر الإسلام الوسطي المنفتح على العالم وجميع الأديان، وأننا نسعى إلى مكافحة الأفكار المتشددة، ونريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة.
وقال: إن الأفكار المدمرة بدأت تدخل السعودية في عام 1979، في إطار مشروع صحوة دينية تزامنا مع قيام الثورة الإسلامية في إيران 1979، الذى اعتبره عامًا مرجعيًا بالنسبة للسعودية، بعد وصول الخميني إلى الحكم، وهو أيضًا عام حادث الحرم المكي في 20 نوفمبر 1979، حينما سيطرت مجموعة من المتطرفين على الحرم المكي بقيادة "جهيمان العتيبي"، الذى كان يعمل موظفًا فى الحرس الوطنى السعودى، ومحمد بن عبدالله القحطاني، أحد تلامذة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وشقيق زوجة جهيمان العتيبي، حيث أعلن أمام المصلين خروج المهدى المنتظر ومجدد هذا الدين، قام جهيمان وأتباعه بمبايعة "المهدي المنتظر" محمد بن عبدالله القحطاني، وطلب من جموع المصلين مبايعته، وأوصد أبواب المسجد الحرام، ووجد المصلّون أنفسهم محاصرين داخل المسجد الحرام، واستطاعت بعدها القوات دخول الحرم المكي وتخليصه من جماعة جهيمان، وسقط على إثر ذلك الكثير من القتلى ومن بينهم محمد القحطاني نفسه.
وهو العام نفسه الذى شهد بداية الحرب الأفغانية السوفياتية، التي مثلت ذروة دعم السعودية للمجاهدين الأفغان والمجاهدين العرب، بتوجيهات صريحة من الولايات المتحدة الأمريكية، للسعى لتفتيت الاتحاد السوفيتى.
فهل يعلم ابن سلمان أن تاريخ المملكة، والتراث العقدى والفكرى قبل 1979 -كما فى الأجوبة النجدية- ليس إلا تاريخ من السلب والنهب والقتل، ولا يمت للاعتدال والوسطية بأى صلة!!
والتشدد الوهابى هو الذى جاء بآل سعود إلى سدة الحكم، بناء على التحالف الذى نشأ بين محمد بن سعود حاكم الدرعية وبين الشيخ محمد بن عبدالوهاب، هذا الاتفاق الذى لا يزال ساريا حتى اليوم، والذى نص على أن يقترن مشروع ابن سعود التوسعي في الجزيرة العربية والشام والعراق بنشر الفكر الوهابى السلفى.
وهذا يعني ببساطة شديدة أن نشأة الدولة السعودية ارتبط منذ ولادتها بالفكر الوهابى السلفى المتشدد، والذى يزعم ابن سلمان اليوم أنه يحاربه والعودة للإسلام الوسطى، بالحفلات المختلطة، ومشروع نيوم، والترفيه والسياحة والحفلات الغنائية!!
وقد تلقف اليبراليون خطاب ابن سلمان، وطيروه كل مطار، فقال قائلهم: سوف ندمر كل الأفكار المتطرفة، خطاب مهم وصريح، وفي توقيته المناسب. وقال آخر انتهت ما تسمى الصحوة، التي لم تعمل من أجل الوطن، بل لأغراض حزبية أجندتها الظلام، نحن شعب يرمي خلفه التشدد والتطرف، ويرسخ قيم التسامح والتحضر. وقالت ثالثة هل تعلمون ما أكبر سرقة تاريخية مررنا بها؟ إنها سرقة عقولنا "بالصحوة" غير المباركة، واعتبره أحدهم حديثا قويا ورسالة سياسية وصريحة، واعتبر أن مواكبة التنمية توجب عدم مداهنة التطرف، سندمر التطرف بالعلم والاقتصاد والتنمية، لا يمكن مداهنة التطرف واللحاق بركب التنمية، إما هذا أو ذاك، وقال آخر: على الصحويين بعد انهيار أحلامهم، الرحيل إلى تورابورا عند طالبان، أو إلى قطر عند التفخ وولده، فلم يعد لهم فى بلادنا مكان.. ولا قيمة ولا مستقبل!!
لذلك يمكننا القول بأن الإسلام الوسطى هو العلمانية التى بشر بها العتيبة قبل شهر، والتطبيع مع الصهاينة واستبعاد أكثر من ألفى إمام وخطيب، والتنكيل كل من لم يبارك الإسلام الوسطى الجميل!!
أضف تعليقك