• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

ما زلنا مع الرسائل والأسئلة التي طرحتها وبعثتها إلينا جريمة الواحات التي وقعت في مصر منذ أسبوعين، وهو ما بدأته الأسبوع الماضي واستعرضت فيه ما تعكسه الظلال القاتمة لعُمر المنفذين وطبيعة ردود الفعل العامة بين أوساط الناس ومحاولة تفسير حالة الشماتة أو عدم الاكتراث عند فئة منهم، وفي هذا الأسبوع سأتوقف عند دور الإعلام المصري وتعامله مع الجريمة وما استجد من أحداث أخرى عليها سواء تتعلق بعودة الظابط محمد الحايس الذي قيل إنه كان مختطفا من قبل منفذي العملية، فضلا عن قرارات الإقالات لعدد من القيادات الأمنية في جهاز الشرطة بقطاع ومحافظة الجيزة التي وقعت العملية فيها.

وهي مستجدات تزامنت مع جريمة أخرى حدثت هنا في الولايات المتحدة الأمريكية هي بنيويورك والتي أودت بحياة 8 من المارة والمتريضين حينما دهسهم بشاحنة شاب يبلغ من العمر 29 عاما، قادما من أوزباكستان، الأمر الذي يفتح باب المقارنة على محاور عدة تمس فكرة الشفافية والإفصاح وتقديم المعلومة وغيرها من الأمور التي محور أي دور إعلامي.

(1)

حينما تبادر إلى ذهني وقع المقارنة بين ردود الفعل الرسمية والإعلام المتابع لها، كانت فكرة الغموض في جريمة الواحات هي الشاغل الرئيسي، فحالة التخبط التي نعيشها حتى الآن وعدم وجود أي معلومات رسمية طوال ما يزيد عن 18 ساعة بعد وصول خبر استهداف مجموعة الضباط والجنود المرافقين لهم، لم أر لها مثيلا هنا، فعلى سبيل المقارنة في هذا المحور، قدم حاكم ولاية نيويورك وعمدة مدينة نيويورك (المدينة لها نفس اسم الولاية). بالإضافة إلى رئيس الشرطة؛ مؤتمر فوريا عقب ساعتين أو أو ثلاثة فقط، شمل كل المعلومات الأولية وأجابوا فيها بوضوح عن كل أسئلة الصحفيين مستعرضين كل ما وقع، رافضين الإجابة فقط عما لم يحدث التأكد منه، موضحين أن عدم اليقين في المعلومة هو المانع فقط من الإجابة، لم يكن هناك شجب أو رفض لأي سؤال حتى لو بدا محرجا، حتى التوصفيات وربط الشاب بأي تنظيم خارجي لم يتم الإجابة عليه لأنهم ببساطة حتى الآن مضى فقط ساعتين ولا يمكن الجزم.

لم يكن هناك مجال للغموض ولا توجيه نحو أسئلة أو إجابات بعينها، ولم يتبرع أي مذيع في وسائل الإعلام القومية مثل الراديو الوطني (NPR) أو شبكة تلفزيون (PBS) أو وسائل الإعلام الكبرى والأكثر مشاهدة ليفرض على الناس تحليله الشخصي ما لم يتوافر معلومات، وهو أمر قياسا على جريمة الواحات وغيرها من أحداث إرهابية أو أحداث عنف تقع داخل مصر يجعل حجم الظلال القاتمة التي يظلنا بها الإعلام بعد كل واقعة أمرا محزنا.

المحور الثاني عند المقارنة كان هو حجم المعلومات ودقتها عن الشخص منفذ العملية، وما يتشعب عن هذه المعلومات الخاصة به، فعلى سبيل المثال سمعت بأحد البرامج عن سرد لتاريخ الرجل المتوفر ثم بعد ذلك شرح للدولة التي جاء منها وتاريخها وما يجري بها أمنيا وتاريخ علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وحجم الوافدين منها، لم يكن ذكر هذه المعلومات قائمة على فكرة الترفيه ولا على فكرة الذم، كان استعراضا محايدا يسعى للإجابة عن كل الأسئلة التي قد تطرأ في رأسك ويجعلك متسلحا بكافة المعلومات حينما تدخل في نقاش حول الموضوع وخلفياته.

هذا في حين نرى كيف أننا لا نعرف من قتل ومن هذه العناصر المقتولة أو التي تم تصفيتها من قبل رجال الأمن في مصر سواء في عملية الواحات أو غيرها، فقط نرى جثث لقتلى نكتشف بعد حين أن بعض منهم تمت تصفيته خارج إطار القانون أو قبض عليه حيا ثم قتل بعد اختفاء قسري طويل.

أما المحور الثالث فيمكن أن نلاحظه في هذا السياق أيضا، فليست كل هذه المعلومات مفروضة من قبل إدارة الشرطة أو الأمن الداخلي فقط، لكن كثير من هذه المعلومات يقدمها خبراء وباحثون في المجال ربما تسمع من أحدهم رأيا مخالفا عما تقدمه الجهات الرسمية من تحليلات ومعلومات دون أن يصفه أحد بالخيانة وهو أمر يقودنا إلى فكرة محاولة طرح أسئلة

تشكك من الرواية الرسمية وذلك دون تخوين صاحبها أو الزج به في أتون التكفير السياسي أو إسقاط الجنسية عنه، وهو أمر تجده في كل الأحداث على اختلاف درجته بدءا من حادثة الدهس، وحتى تفجير برج التجارة العالمية في 11 سبتمبر، والذي يتشكك في طبيعة تنفيذه حتى الآن أمريكيون.

أطرح هذه النقطة وأشدد عليها نظرا لحالة الهستيريا التي تصيب كافة أرجاء الإعلام المصري، حينما يطرح أي فرد أسئلة عن طبيعة عودة الضابط محمد الحايس، وهي أسئلة كلها لها منطقها حتى لو كان طارحها لا يرغب في التشكك، فالرجل في البداية قيل عنه إنه قتل ثم مرة أخرى تأكد اختفاؤه ثم ظهر دون إصابات جسيمة.

فقط رواية واحدة معممة على الجميع وهي أن "فريق إنزال قام بتحرريه وقتل الإرهابيين ومنفذي العملية"، لا أحد يعلم من هؤلاء ولا أحد يعلم لماذا تظهر فقط علامات الإجهاد على الرجل دون إصابات طالما أن المسألة تمت بقتل الجميع وماذا عن احتمالية وجود تفاوض عودته عبر تفاوض مع خاطفيه مجهولي الهوية (داعش أم هشام العشماوي أم مهربون) كل هذه الأطرحة حتى لو أفضت إلى الإجابة بالنفي أو أظهر الحقيقة والمعلومات اليقينة أنها رواية الدولة كلها صحيحة، كل هذه الأسئلة غير مسموح بها أصلا وربما تدفع ثمنا سياسيا أو اجتماعيا فقط لمجرد طرحها.

المحور الثالث يقودنا إلى ردود فعل النظام ورأسه، فصمت مطبق على السيسي وكبار رجال دولته خيم على المشهد، بل تعامل السيسي ببرود عجيب مع الجريمة وذهب صبيحة اليوم التالي للاحتفال بذكرى معركة العلمين في الحرب العالمية الثانية والتي خلفت حقول ألغام دمرت فكرة التنمية حتى الآن في مساحة تتسع لآلاف الأفدنة بشمال مصر، هذا فضلا عن وزير الداخلية الذي لم تتم إقالته في على خلفية الجريمة، وسمعنا وقرأنا فقط عن إقالات لقيادات أمنية كبيرة، وهو أمر محمود بالطبع أن يكون هناك مسؤول يدفع الثمن، لكن ماذا عن وزير الداخلية، ولماذا لا يقال ولماذا غير مسموح بطرح هذا السؤال أصلا في وسائل الإعلام داخل مصر.

عند المقارنة ستجد أن الرئاسة الأمريكية سواء في العهد القريب أو البعيد دائما ما يكون حادثا كهذا على صدر ومحور المؤتمرات الإعلامية والصحفية للبيت الأبيض، وربما يهاجم الرئيس فيها عبر الأسئلة اللاذعة والمشككة في جدوى أفكاره، لكن المقارنة المحزنة حقا هي بسلوك أوباما حينما قطع زيارته إلى أوروبا حينما وقعت حوادث القنص في دالاس في يوليو عام 2016، ليتابع المشهد عن كثب فضلا عن زيارته للمدينة.

هذه جميعها مجموعة مقارنات سريعة بين تعامل الإعلام مع تلك الجرائم وحجم الشفافية والإفصاح بين مجتمعات لا تتنازل عن السؤال لمعرفة الحقيقة وتلزم السلطة بذلك ومجتمعات ترغمها السلطة على تبني حقيقة واحدة وترغب فيها السلطة أن تقود الناس بوصفهم عديمي الأهلية.

أضف تعليقك