تتجه منطقتنا إلى حرب شعواء، حرب إقليمية بمعناها الواسع، لها نفس طائفي مقيت.. حرب قد تكون في ثلاث قارات، الهدف منها إعادة تشكيل هذه القطعة من الجغرافيا، استغلالا لظرف تاريخي معين.
إنه الظرف التاريخي الذي يستغله صانعو الخرائط هو وجود مجموعة كبيرة من الخونة والسفهاء في مقاليد الحكم (في وقت واحد)، بالإضافة إلى عدم الاستقرار الناتج عن تفرّغ الأنظمة الحالية لمقاومة حالة الثورات، وما نتج عن ذلك من حماقات لإعادة هيمنة الأنظمة بتصرفات هي في حقيقتها قضاء على مؤسسات الدولة.
إنه الظرف التاريخي الذي يستغله صانعو الخرائط هو وجود مجموعة كبيرة من الخونة والسفهاء في مقاليد الحكم
التاريخ حافل بالرؤساء والأمراء والملوك الخونة، وهو حافل كذلك بالسفهاء، والمعقدين، والمصابين بجنون العظمة، أو بأي عقد نفسية من أي نوع.. ولكن لم يحدث في التاريخ - أو تاريخ منطقتنا على الأقل - لم يحدث أن اجتمع كل هؤلاء الخونة والسفهاء والمصابين بعقد العظمة في الوقت نفسه. وهذا ظرف لا يمكن تفويته، فنحن أمام قيادات على استعداد لبيع تراب الوطن بأبخس الأسعار، وهي على استعداد لإشعال الحروب لأتفه الأسباب.
سؤال هام: هل الحرب قدر لا يمكن رَدُّه؟
الحرب يمكن إيقافها بوعي الشعوب، والشعوب الواعية تستطيع أن تلجم حكامها.. هذه هي القاعدة الأساسية في الموضوع. والإجابة المنطقية؛ أنه برغم سعي كثير من القوى لإشعال فتيل الحرب - ولكل أسبابه - إلا أن الحرب يمكن إيقافها.
كثير من المحللين - إن كان يمكن تحليل تصرفات هؤلاء الحمقى الذين يقودون المنطقة - يتوقعون أن تبدأ الحرب في لبنان، ولكن مع مرور الوقت يتراجع هذا السيناريو، لا لسبب سوى لوقوف اللبنانيين جميعا ضد سيناريو الحرب.
ما يحدث في لبنان اليوم هو نموذج لما يمكن أن يوقف أو يعطل أو يؤجل الحرب
وقوف اللبنانيين ضد الحرب يعني أن يقف الجميع خلف رئيس الوزراء السيد سعد الحريري (وهو ما حدث بالفعل)، هذا المسؤول الذي اختفى في ظرف غامض في الرياض. ومع مرور الوقت، تتسرب أخبار عن احتجازه، وعن إجباره على الاستقالة من النظام السعودي الذي يقوده شاب أقل ما يقال فيه أنه أرعن.
ما يحدث في لبنان اليوم هو نموذج لما يمكن أن يوقف أو يعطل أو يؤجل الحرب!
من يستطيع أن يوقف الحرب أيضا؟
من خلال دراسة وضع المنطقة، لا شك أن الكابح الثاني من كوابح اشتعال هذه الحرب سيكون الشعب الفلسطيني! ولكن.. في هذه الحالة لا بد أن يتوافق طرفا المعادلة (فتح وحماس) على أن أي اعتداء عسكري على غزة سيواجه برد ساسي.
لا بد أن يصرّح السيد محمود عباس، بشكل واضح لا لبس فيه، بأن قصف غزة (بعد المصالحة) يختلف عن قصفها قبل المصالحة، ولا بد أن يقف الفلسطينيون صفا واحدا أمام أي اعتداء على غزة. ولا بد للقيادة الجديدة في حماس أن تدرك أن قصف غزة بعد كل هذه المواءمات، أو التنازلات التي قدمتها الحركة، ليس له إلا معنى واحد، وهو أن هذا الاتفاق ليس إلا مقدمة للقضاء على حماس، وليس له أي سبب آخر.
إذا افترضنا أن هذه الحرب - لا قدّر الله - قد بدأت.. فمن سينتصر؟
هذه الحرب إذا اندلعت ستكون علامة فارقة في تاريخ هذه البقعة من الأرض، وهي الفترة من التاريخ، ستنهي ما قبلها من أحداث، وتبدأ لما بعدها من فصول
الحقيقة المرة أن هذه الحرب (على المدى القصير) لن ينتصر فيها إلا أعداء الأمة العربية والإسلامية.. ستنتصر إسرائيل بزيادة نفوذها، وبتدمير دولنا.. وستنتصر مصانع الأسلحة التي ورّدت وستورّد لنا بمليارات الدولارات سلاحا لا نستخدمه إلا لقتل أنفسنا وأهلينا.. سينتصر التطرف على الاعتدال، وسينتصر الاستبداد على كل صوت يدعو إلى الديمقراطية.. فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، كما قال كبير سدنة الاستبداد.
هذه الحرب إذا اندلعت ستكون علامة فارقة في تاريخ هذه البقعة من الأرض، وهي الفترة من التاريخ، ستنهي ما قبلها من أحداث، وتبدأ لما بعدها من فصول.. وستكون حافز تغيير في صالح الشعوب، وقد تكون هي الصفحة الأخيرة في فصل نهاية حقبة الحكم العسكري في منطقتنا، هذا الفصل الذي بدأ بالربيع العربي، وربما يختتم بحرب كحرب داحس والغبراء.
في النهاية.. لن يوقف هذه الحرب إلا الشعوب، ولن تتقدم هذه الشعوب إلا بالقضاء على تلك الأنظمة التي أكلت خيرات الأمة حتى أفنتها، وها هي بعد أن أفنتها لم تجد ما تأكله.. فأكلت نفسها!
أضف تعليقك