سبحانه رب قوي ، حاشاه أن يترك عباده لعباده ، حاشاه أن ينصر ظالمًا مهما استقوي وظهر ، حاشاه أن ينصر باطلًا مهما علا وتجبر ، فهو يدبر الأمر كيف يشاء ، لحكمة لا يعلمها غيره سبحانه ، فمهما اختلفت النواميس ، وظهر للجميع أن الباطل قد علا ، والحق قد ضاع بين ضعف الورى ؛ فحتمًا سنتلوا يومًا عند مجيء الحق جميعًا " قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا " هي سنن الله يسيرها علينا ، وسنن الله لا تجامل أحدًا ولا تُحابيه ، فإن ألزمنا أنفسنا بالسير معها وموافقتها ، فلن يتأخر علينا ما نريده وما نصبوا إليه ، وإن خالفناها ، فسيظل الأمر مُعوجًا وقنواتنا قاسية علينا ولا تلين لنا حتى نوافق سنن الله في الكون.
فالله تعالي لا يفعل حين يفعل إلا لحكمة ، ولا يترك حين يترك إلا لحكمة ، حتى وإن عجزنا عن فهمها ، وعجزنا عن تفسيرها ، إلا أن بقاء حكمته ثابت ، وعجزنا وقِصر فهمنا لحكمته تعالي ثابت أيضًا.
وقد تقتضي حكمة الله أن يؤخر النصر ، فتعجز النفوس عن فهم الأسباب فتتضيق علي أصحابها ويأخذهم اليأس والقنوط كل مأخذ ، ولكن سبحانه من ينزل الغيث من بعد ما قنطوا .
قال موسي لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.. فرعون بغي وتجبر علي موسي ومن معه ، آذاهم بكل طريقة ، وابتكر أنواعًا من الإيذاء ، حتى ضجر أصحاب موسي منه وقالوا له.. أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا... فكان رده عليهم.. عسي ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون.. وقد حدد موسي لقومه أن سنن الله قبل الاستخلاف تقتضي أمرين الاستعانة بالله وحده فقط ثم الصبر علي كل ابتلاء يحدث لهم في سبيل تلك الدعوة... استعينوا بالله واصبروا.. جاء بعدها.. إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده... ثم ينتهي كل ظالم ولا تكون العاقبة إلا للمتقين.
موسي يسير بقومه ، وفرعون بجحافله يتبعهم ، وانتهي الأمر ، فسوف يدركهم فرعون ويخلص الأرض من موسي وممن معه ، ويعود منتصرًا ، بل سيعود إلهًا بحق (كما يزعم) ، فها هو قد قضي علي موسي ، ولكن هناك من.. يدبر الأمر.. قال أصحاب موسى إنا لمدركون ، فلم يخف ولم يقفز أمامهم متنصلًا من مسئوليته ، ولم يخدعهم ، بل قال بلغة الواثق من أن هناك من يدبر الأمر.. كلا إن معي ربي سيهدين.. "أي هداية تلك التي وعد موسي قومه بها" ، والبحر أمامهم وجحافل الطغاة الظالمين من خلفهم ، أي "هراء" يتحدث به موسي ، "أمجنون هو" ، "أم لم يُقدر الموقف كما ينبغي ، نحن من فعلنا هذا بأنفسنا ، كيف نتبعه ، ونصدقه ، ونسير معه كل هذا العمر وكل هذه السنيين ، يا لفحش أتيناه ، ويا فعالٍ وبيلة" ، "أينتهي المطاف بنا غرقًا ، أو نجبن أن نُلقي بأنفسنا في اليم ، فيدركنا فرعون وهامان وجنودهما ، فيمزقونا كل ممزق؟" .
كلا إن معي ربي سيهدين فقلنا اضرب بعصاك البحر ، فنجا موسي ومن معه ، فأتبعه فرعون الغبي بجنوده ، فغشيهم من اليم ما غشيهم ، طال الصراع وكثرت الابتلاءات ولكن لمن كان النصر ولمن كانت العاقبة.. للمؤمنين.. فسبحانه من يدبر الأمر.
فاطمئن ، فليس غير الله يدبر الأمر ، فلا تحزن ولا تجزع ولا تخاف ، واعلم أن كل الحوادث وكل الشواهد تُقر إقرار المتيقن بأنه لن يكون في ملكوت الله إلا ما أراد الله ، ولن يحدث شيء لم يقدره الله ، ولن يقدر الله شيئًا ولا يحدث ، فالأجل محتوم ومكتوب والرزق مقسوم ومضمون ، وأمرك كله بيد الله ، فاعبده وتوكل عليه ، وإن كثُرت عليك الابتلاءات فلا تجزع واصبر الصبر الجميل ، فالله يريد أن يطهرك ، وأن يصطفيك ، حتى ترضي وتصبر فينعم الله عليك برضاه ، وليجعلك ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه فتنال برضا الله أكثر مما كنت تتمني ، وامضي في طريقك ولا تلتفت فهناك من يدبر الأمر..
(يُدَبِّرُ الأَمْرَ)
فقط تأملها!
تدبرها!
هل هناك مجالٌ للقلقِ والخوفِ من المستقبل بعدها!
ثق بربك وثق أن كل ما خلا الله باطل ، فيستريح قلبك وتهدأ نفسك ، ولا تخاف من أحد..
أضف تعليقك