ككل إنسان يعيش نكبة أمته فكرت في طريق الخلاص فرأيته فسيحًا، معبدًا، واضح المعالم، كتب عليه بيد الخالق المبدع الذي أحسن كل شيء خلقه:
"وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله...."
نعم، هذا هو الطريق طريق السلامة الحقة والنصر الأكيد.
هذا هو الطريق الذي ترتاح إليه النفس في المنشط والمكره " قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين..."
هو الطريق الذي يعرفنا من نحن؟ ولماذا وجدنا؟ وإلى أين نسير.
الطريق التي بدلت غشاوة عين الخنساء بصيرة، فإذا هي تحمد الله الذي شرفها باستشهاد أولادها الأربعة وهي التي -قبل معرفتها الطريق- بكت أخاها حتى فقدت بصرها !
الطريق التي جعلت الجرحى الثلاثة "عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام" في معركة اليرموك يتدافعون الماء وهم في النزع، وكل منهم يريد إيثار أخيه على نفسه حتى ماتوا جميعا ولم يشربوه.
الطريق التي جعلت عروة ابن الزبير وهو في جملة من المصائب يقول وهو ثابت الجأش، مطمئن القلب:
"اللهم إن أخذت لي ولدا فقد تركت لي أولادا، وإن أخذت مني عضوا فقد تركت لي أعضاء، وإن أخذت لي مالا فقد أبقيت لي أموالا، اللهم لك الحمد على ماأخذت ولك الحمد على ماأبقيت"
الطريق التي جعلت الصحابة الأول يتسابقون في الإنفاق والبذل حتى إذا جاء عمر بنصف ماله، وجد أبابكر قد أتى بماله كله، فيقول: " رحم الله أبابكر ماسابقته إلى أمر إلا وسبقني إليه"
الطريق التي جعلت جبار الجاهلية ينام تحت شجرة في ظاهر المدينة متوسدا نعله وهو أمير المؤمنين.
الطريق التي جعلت خالدًا القائد المظفر لايجد في نفسه حرجًا في أن يصبح جنديًا يأتمر بأمر من كان يأتمر بأمره.
الطريق التي جعلت المعتصم يلبي نداء المرأة الأسيرة كأحسن ماتكون التلبية !
الطريق التي جعلت سعيد بن المسيب يمتنع عن تزويج ابنته من ابن الخليفة، ويزوجها برجل فقير.
الطريق الذي جعل العالم الجليل "العز بن عبد السلام" يبيع الحكام المماليك في سوق العبيد.
الطريق التي نجت عالمًا جليلًا من فتك الأسد في عهد ابن طولون.
إن تأمل هذه الكلمات لتلك الأمثلة الرفيعة تجعلنا نعيش مافيها من سمو إيماني وروحي من تبين لمعاني الإخلاص العميق في إصلاح النفس والسريرة، وأداء حقوق الله، والعمل للآخرة الباقية الدائمة، كذلك فإن العيش في معاني ودلالات تلك الأمثلة يجعلنا في ترفع عن مطامح ومطامع الدنيا الهزيلة الفانية، ليس بمعنى عدم السعي لكسب الرزق والرفاه والثراء لتقوية ذاتنا وذوينا ولمواجهة من يجابه الضعفاء، ولكن بعدم التمسك بها.
وهذا التصور يعد ضرورة ملحة في واقعنا المعاصر، نتيجة مابلينا به من أحداث جسام، وملمات عظام فيما يعيشه المسلمون اليوم في مختلف أصقاعهم وبقاعهم من مصائب وآلالام وضعف وفرض الإستضعاف، وبالرغم من كونه واقعا مؤلما مشينا، إلا أن الأمة الإسلامية لاتعدم من إيجابيات وتحديات هنا وهناك في مواجهة هذا الكم من الظلم المطبق والتفكك المفجع !
إن المخرج من أزمة العالم االعربي والإسلامي اليوم، سواء أكنا أممًا أو أفرادًا، هو صدق التوجه إلى الله عزوجل، ورجاء الفرج منه، وذلك بمواجهة الأحداث بوعي وإدراك وفهم دقيق وعدم الركون للظالم المتجبر وعدم الخوف من مجابهته ولكن التحلي بالصبر والحكمة والحنكة، والجدية في العمل وطلب الإستعانة من الله وحده، وعدم الإنشغال بالترهات والأقاويل المحبطة المثبطة للهمم !
فقد كان شأن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- هو الصبر والعمل إلى أن يأتي فرج الله وتمكينه.
إن الفقيه الحكيم الفطن والرشيد الواعي هو من لايغالب الأحداث ويصادمها بدون روية، وأنه يلزم لمجابهة الطغاة الجبابرة حكمة وحنكة وثبات غالب لايزعزعه مشكك، ولابد من اليقين أن العاقبة للمتقين.
أضف تعليقك