(الفشل في التنمية وفي تحفيز الاقتصاد يدمر المستقبل)
القائد التنموي العظيم الذي يرفو إلى المستقبل ويرسي لمصر دعائم مشروع تنموي غير مسبوق!!
بهذه العبارات الجوفاء روّج دعاة ورعاة الانقلاب الدموي في مصر لقائد الانقلاب؛ الجنرال الذي خان قائده الرئيس الشرعي للبلاد.. وها هي السنوات تتوالي وها نحن نقف الآن على أطلال السنة الخامسة الكبيسة من عمر الوطن المنكوب، فماذا كانت النتيجة؟!
لقد تم تدمير الحاضر، ومصادرة المستقبل، والتغول على حق الأجيال القادمة، وحرق الأرض تحت أقدام أي قيادة مستقبلية تأتي لمحاولة إنقاذ الوطن الجريح مما ألحقه به قائد الانقلاب وطغمته من تخريب وإهدار للمقدرات.
آلاف المصانع أغلقت أبوابها وسرحت عمالها فتشردت أسرهم، ومئات الآلاف من فلاحي مصر وملح أرضها يعانون شح مياه الري بعد أن شرعت إثيوبيا في ملء خزانات مياهها خلف سد النهضة بما يؤدي إلى الجفاف والتصحر وتغيير التركيبة الزراعية، والقادم - إن لم يتغمدنا الله برحمته- سيكون أسوأ!!
وعشرات الآلاف من العاملين في قطاع السياحة يكادون يفقدون وظائفهم بالكلية بعد الشلل التام في قطاع السياحة، نتيجة الإخفاق في تحقيق منظومة الأمن التي يتغنى بها الانقلاب ليل نهار كي يتحقق الأمن في ظل دولة الخوف والقمع والتسلط وحكم الفرد!!
وأما التفريعة الجديدة لقناة السويس التي امتصت أموال المصريين، وبعد اكتملت 35 كيلو مترا إذ بإيرادات القناة تتراجع تراجعا ملحوظا مقارنة بالأعوام السابقة (وبغير وجود التفريعة الجديدة التي طنطنت لها أبواق الانقلاب ودعاية جوفاء وأبهة مصنوعة ويخت "المحروسة" ليعيد إلى الأذهان الخديوي إسماعيل. ولعل قائد الانقلاب لم يدرك نهاية إسماعيل المأساوية التي أعقبت الحفل الأسطوري لافتتاح القناة بأعوام قليلة!!
وما هذه الخيبة؟ وما ذاك الفشل إلا لأن الديكتاتور لا يعرف أن هناك شيء يسمى دراسة جدوى، وأن مشروعا كهذا لابد أن تسبقه دراسة علمية معمقة ليس على مستوى القناة ومصر والمنطقة فقط وإنما لمتغيرات الاقتصاد العالمي وحركة التجارة البينية على مستوى قارات ودول العالم أجمع!!
وأما مشروع العاصمة الجديدة فهو إخفاق ومحاولة للهروب إلى الإمام من دون دراسة أو تفكير في العواقب، ويُسلم المشروع العقاري إلى الهيئة الهندسية بالجيش (الذي يُراد له أن يتحول عن دوره كدرع وسيف للوطن إلى مقاول عقارات وإنشاءات وطرق وكباري!! وحتى إنشاؤه مصنع لألبان الأطفال.
وأما محطات الكهرباء الجديدة فالبرغم من كونها موجودة في الخطط السابقة على الانقلاب، إلا أن اتفاقاتها المجحفة بحق مصر أرهقت المواطن بفواتير باهظة لا تتحملها الطبقات المتوسطة والفقيرة وأغرقت البلاد في ديون لا تنتهي لتعاني منها الأجيال القادمة كما يعانيها المواطنون اليوم!!
وبعد مرور تلك السنوات من عمر الانقلاب يتبقى التساؤل الملح: ماذا بقى من هذه الدعاية الفارغة ومن تلك الطنطنة العابثة إلا الفشل الذريع؟! .. لندع المؤشرات تتحدث ولندع الأرقام تكشف الحقائق وتدحض الأكاذيب والترهات ولنركز على أهم المؤشرات:
أولا: التفاقم الشديد في الدين العام، والذي يلتهم أكثر من نصف الناتج القومي العام، حيث بلغت جملة الدين الخارجي في 30 يونيو 2017 79 مليار دولار بما يمثل 42% تقريبا من الناتج القومي، بينما وصلت جملة الدين الداخلي إلى 3.125 تريليون جنيه.
ثانيا: تجاوز بند خدمة الدين في موازنة 2017/2018 أكثر من ثلث الموازنة العامة للدولة، والتي بلغت 1.2 تريليون جنيه، فتجاوزت خدمة الدين 400 مليار جنيه مع تقديرات جادة تؤكد تجاوز هذا الرقم – الذي يمثل 30% من إجمالي الموازنة – عند الحساب الختامي، وبالتالي لابد من وجود ضغط رهيب على باقي بنود الموازنة سواء الأجور أو الدعم (الذي تبخر)، وحتى الاستثمار (الذي توقف).
ومن المثير أن مصر قد باتت مهددة بفقدان قدرتها على الاقتراض الخارجي، كما نضبت قدرة السوق المحلية على الوفاء بالاقتراض الداخلي – فهل هناك من يدفع الأوضاع في مصر/ الانقلاب إلى أن تكون تحت رقابة دولية من الدائنين، كما كانت مصر / إسماعيل في القرن 19؟ ! نسأل الله أن تخيب هذه الظنون، وأن يحفظ مصر من كل سوء.
يراهنون على الدعم الغربي الذي منح الانقلاب غطاء شرعيا، ويصوت له في مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، وهو رهان خاسر
ثالثا: بلغ التضخم معدلات غير مسبوقة على مدى تاريخ مصر الحديث منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تشير التقديرات الرسمية إلى نسبة 34.2% في يوليو 2017 (بينما يجزم مراقبون أن نسبة التضخم تجاوزت نسبة 40%)، مما أضعف القدرة الشرائية للمواطنين مع تسجيل العملة المصرية لثاني أسوأ على مستوى العالم خلال 2016، حيث فقدت 58% من قيمتها، وبالتالي تراجعت معدلات الادخار المحلي إلى ما دون الـ 6% سنويا مع ما يترتب على ذلك من آثار ضاغطة على معدلات الاستثمار.
رابعا: بلغ عجز الحساب الجاري بميزان المدفوعات (وهو أهم بند في ميزان المدفوعات) 13.2 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي 2016/ 2017 (وهو ثلاثة أضعاف في فترة حكم الرئيس محمد مرسي 2012/ 2013)، وهو ما يترجم القصور الشديد الحادث في قطاعات التصدير والخدمات مثل السياحة، وعائدات قناة السويس، وتحويلات المصريين في الخارج.
خامسا: انهيار قطاع السياحة في مصر على مدار عامين متتاليين ليسجل ميزان السياحة - لأول مرة - عجزا، حيث بلغ دخل السياحة في مصر 2.8 مليار دولار في مقابل سياحة المصريين خارج مصر، والتي بلغت 4.1 مليار دولار (بعدما كانت السياحة في فترة حكم الرئيس محمد مرسي قد بدأت تتعافى مما أصابها خلال عام الثورة).
سادسا: التراجع الشديد لتحويلات المصريين بالخارج، والتي وصلت لأعلى معدلاتها في عهد الرئيس محمد مرسي، فتجاوزت 20 مليار دولار (بما لذلك من دلالة سياسية وشعبية تشير إلى أمل المصريين في عهد الحرية فضلا عن دلالته الاقتصادية)، لتتراجع على مدى سنوات الانقلاب الأربع لأقل من 10 مليار دولار (على الرغم من المحفزات والمغريات الكبيرة التي طرحها الانقلاب من رفع نسبة الفائدة في البنوك وطرح آلاف قطع الأرض حصرا على المقيمين في الخارج، فضلا عما يمثله تراجع قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الصعبة التي يحولونها من إغراء لهم!)
يا أيها المصريون أنقذوا مستقبل أولادكم من ذل الانقلاب وضياع الأمن والاستقرار وفقدان الأمان.. أنقذوا وطنكم قبل فوات الأوان
هذا غيض من فيض في حديث المؤشرات العامة التي تتبعها المحللون والخبراء الاقتصاديون والمؤسسات الاقتصادية، فخرجوا بنتيجة مؤسفة، وهو أنه لا مجال للاستثمار في مصر (مثل مؤسسة بلومبرج)، بينما بدأت تظهر آراء وتحليلات أكثر تشاؤما تؤكد عدم القدرة على السداد بما قد يؤدي – لا قدر الله – إلى إعلان الإفلاس والحجر على وطن (كريم) يقوده الانقلاب الدموي المجرم ليتحول إلى دولة فاشلة، وتخنق الحريات وتحويل المواطنين إلى عبيد يستهلكون لا ينتجون ولا يحاربون.
علام يراهن قائد الانقلاب ورجاله؟! راهنوا على الدعم الذي لا يتوقف من الأنظمة الخليجية، وعدم توقفه وهم كبير، فإذا كان بعضهم قد أنفق بسخاء على الانقلاب إلا أنه يبق بالنسبة له فروعا (استثماريا) إذا فشل أو استنفذ أغراضه فسينفض يديه منه على الفور ويتركه لمصيره المحتوم يواجه غضبة الشعب، وحكم التاريخ، وفوق ذلك عقاب المنتقم الجبار سبحانه وتعالى.
يراهنون على الدعم الغربي الذي منح الانقلاب غطاء شرعيا، ويصوت له في مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، وهو رهان خاسر كذلك، لأن الغرب لا يدعم دون شروط، ويمارس سياسة استعمارية (بقفازات حريرية ناعمة) يريد بها استنزاف موارد البلاد لمصلحته ولتحقيق شروط سياسية تتعلق بالأمن القومي لمصر والعالم العربي، وإذا ما سلّم له نظام الانقلاب بذلك فلن يُسلم له أحرار هذا الوطن أبدا.
يراهنون على الاقتراض من صندوق النقد الدولي بما يمثله له ذلك من شهادة صلاحية تمكنه من الاقتراض من البنوك وبيوت المال والدول العربية. وهنا نتوقف قليلا: فتجارب كل البلاد التي تعاملت مع الصندوق تجارب أليمة أدت جميعها إلى ازدياد الفقر وانهيار الطبقة المتوسطة، كما أدت إلى ثورات الجياع والاضطرابات الاجتماعية الخطيرة التي غالبا ما أعجزت قدرة الأمن والجيوش عن السيطرة عليها، إذ أنها تطال أفراد الجيش والشرطة أنفسهم وعائلاتهم!!
وللتاريخ، فقد زارت بعثة الصندوق مصر في عام حكم الرئيس مرسي ببرلماناتها المنتجة التي تجسد الإساءة الشعبية وتمثل قوى الشعب الحية، وقد التقيت بهذه البعثة عدّة مرات بحكم رئاستي للجنة العلاقات الخارجية ثم رئاسية للهيئة البرلمانية لحزب الأغلبية (حزب الحرية والعدالة، لم تتغير قناعتي في الصندوق عما سطرته في هذا المقال على الرغم من أنهم استمعوا جيدا، وأظهروا تفهما لظروف البلاد في أعقاب ثورة يناير، وأبدوا مرونة ظاهرة، وحففوا من شروطهم، وكاد الأمر ينتهي إلى اتفاق على قرض بقيمة 4.5 مليار دولار لولا وقوع الانقلاب الذي بدأ مفاوضاته معه ويرضخ منذ البداية صاغرا لشروط تعجيزية جديدة، وانقلبت الآية فأرسل الانقلاب وفوده لمقر الصندوق في حين لم تقم بعثة الصندوق بأي زيارة معتبرة لمصر في ظل الانقلاب. ولم تلتقي أحدا سوى الرسميين في نظام الانقلاب: محافظ البنك المركزي ووزراء المجموعة الاقتصادية، فقد أدركوا منذ البداية أن الانقلاب يملك السلاح وبطش الأمن فما حاجتهم لقوى سياسية مغيبة خلف الأسوار: إما أسوا السجون (وهي القوى الشرعية المنقلب عليها)، وإما أسوار الخوف والفزع (وهي أغلب القوى المتبقية بما فيها من هللوا للانقلاب في بداياته) إلا من رحم الله (وقليل ما هم!!).
راهنوا على تغيير العقيدة العسكرية للقوات المسلحة وتبديل دورها في البلاد!! فالجيش الذي هو درع وسيف حدد الدستور مهمته بوضوح في حراسة البلاد وحماية حدودها والدفاع عنها يُراد له أن يتحول إلى مؤسسة اقتصادية تنافس الشركات الوطنية وقطاع الأعمال وتحتكر اليوم أكثر من 60% من قطاعات الإنتاج والاستثمار حتى وصل الأمر إلى إنتاج ألبان الأطفال وصناعة الدواء (قبل الانقلاب كانت أكثر التقديرات تشير إلى 35% فقط ومعظمها يتعلق بالتسليح والإنتاج الحربي).
ناهيك عن تغيير العقيدة العسكرية، بحيث تعتبر أعداء الوطن والأمة: الصهاينة أصدقاء اليوم، بينما تتجه فوهة الأسلحة إلى صدور أبناء الوطن تحت مسمى خادع ماكر وهو الحرب على الإرهاب.
فإلى متى تستمر غفلة بعض قادة القوات المسلحة الذين دعموا الانقلاب عن الدور الرئيس للقوات المسلحة إزاء ما يتهدد الوطن من أخطار حقيقية على أمنه القومي من كل جانب؟!
رهانات خاسرة تبديها الحقائق على الأرض فماذا ينتظر المصريون الشرفاء بعد ذلك وحتى يصمت الشعب الصابر. لقد تم تجريف الحاضر وتدمير المستقبل أمام الأجيال القادمة، كل مولود يولد بمصر وفي رقبته نصيب من الدين العام الخارجي بـ (1000 دولار)، فضلا عن الدين الداخلي والمستقبل في مهب الريح.
يا أيها المصريون.. أنقذوا مستقبل أولادكم من ذل الانقلاب وضياع الأمن والاستقرار وفقدان الأمان.. انقذوا وطنكم قبل فوات الأوان .. والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
--------
نقلاً عن موقع عربى 21
أضف تعليقك