• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

شهداء العهد السيسي كُثر، منهم المدني ومنهم العسكري ومنهم رجال ومنهم نساء ومنهم أطفال، كل هذه الفئات من الضحايا تدخل في حيز المنطق من زاوية أن الشهادة لا تُمنح إلا للبشر، إلا أن عهد السيسي تميز بما هو خارج المنطق فعرف العالم لأول مرة الوطن الجريح والأرض الأسيرة والنيل الشهيد. رفض اتفاق المبادئ

في عام 2009 أعلن «محمد نصر علام» وزير الري آنذاك رفض مصر التوقيع على الاتفاقية الإطارية للتعاون بين دول حوض النيل في المؤتمر الذي عُقد في كينشاسا عاصمة الكونغو لعدم وجود بند صريح يضمن الحفاظ على الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل.

وفي عام 2015 أعلن عبد الفتاح السيسي مهللا مكبرا نجاحه في توقيع وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة مع إثيوبيا والسودان، وهي تحمل نفس بنود الاتفاقية الإطارية التي رفض النظام المصري توقيعها عام 2009، أي أنها لا تحمل أي بند صريح يضمن الحفاظ على الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل.

ربما يتصور قارئ الفقرات السابقة أن هذه المقارنة تصب في صالح النظام عام 2009 باعتباره نظاماً وطنياً رفض التفريط في الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل، ولكن الحقيقة كان النظام في ذلك الوقت متورطا ويحمل مسؤولية كبيرة في تمكين أصحاب المصلحة من الصهاينة وغيرهم من التغلغل واختراق دول حوض النيل، وإضعاف قوة مصر للحد التي فقدت سيطرتها تماما على منطقة الجنوب بل إن مقدراتها الداخلية نفسها أصبحت تحت تحكم الهيمنة الاستعمارية الجديدة وأقصد الحلف الغربي الصهيوني، ولكن رفض مصر كان بسبب فجاجة الاتفاقية فقد كان النظام يسير في طريق التفريط ولكنه كان في نفس الوقت متمسكاً بصيغ وأشكال تستر هذا السقوط، على عكس النظام الحالي الذي جاء تتويجاً لكل المؤامرات المستهدفة للوطن ليجهز على ما تبقى بوضوح وسفور وتبجح غير مهتم بأيشكل أو أي صيغة يستر وراءها تبعيته. المؤامرة والفوبيا

ربما يرى البعض أن الحديث عن المؤامرة هو نوع من الفوبيا التي تصيب البعض ويجعلهم يفسرون كل الأحداث بمنطق المؤامرة، ولكنها يا سادة مؤامرة، بل إن النظم المتآمرة نفسها ترسخ فكرة المؤامرة الوهمية على الوطن لتمرر مؤامرة حقيقية تنسج أطرافها منذ مئات السنين وشارك فيها العديد من الأنظمة الحاكم المختلفة ليتوجها بكل تبجح وفجور النظام الحالي.

السائد أن المخاطر على أمن مصر تأتي من الحدود الشرقية وتجسدها الصهيونية العالمية الممثلة في عصابة إسرائيل، وهذا معتقد غير دقيق، الجزء المتعلق بأن الصهيونية تمثل خطرا شديدا هذا جزء اتفق معه تماما، ولكني أختلف مع معتقد أن هذا الخطر ينحصر عند الحدود الشرقية، وهو المعتقد الذي تم فرضه على الوجدان المصري بعد عام 1956. والحقيقة أن الحدود الجنوبية هي أكثر الأماكن التي يمكن أن تعرض مصر للمخاطر باعتبارها الممر الوحيد لحوض النيل الذي هو شريان الحياة لمصر، مصر هي دولة المصب التي تنتهي عندها رحلة النيل وهو يحمل هداياه من طمي وماء ليصبها في أرضها، ومع المناخ المصري المعتدل تصبح البيئة المصرية أفضل بيئة زراعية في العالم من حيث التربة والمناخ. •    العبث الصهيوني

لهذا لم تقف جهود الصهاينة على الأعمال العسكرية في الدول المحيطة بالحدود الشرقية في مصر بل إنها حولت المنطقة كلها لرقعة شطرنج تجول وتصول وتبحر بين حدودها لتهيئة المناخ لتحقيق هدفهم الأسمى «إسرائيل من النيل للفرات».

سنوات طويلة تعبث إسرائيل بكل بلدان المنطقة بمعاونة دول استعمارية كبرى على رأسها الولايات المتحدة.

الغرض هو كسر الوحدة العربية وتفتيت عنصر وحدة المصير ليصبح لكل دولة عربية مصيرها المختلف مع أي دولة عربية أخرى والأفضل أن يكون متعارضاً معها، واستخدم الغرب والصهاينة كل الوسائل من مفاوضات وتدخلات وهيمنة وكان أكثرها وضوحا اتفاقية السلام مع إسرائيل التي بدأتها مصر وأصبحت أكبر ثغرة مرت من خلالها إسرائيل، واخترقت المنطقة بقوة أتاحت لها فرصة التحكم والتلاعب في مقدرات البلدان العربية، ونشرت الصهيونية وحلفاؤها في الغرب عملاءهم في كل مناحي الحياة اليومية في هذه البلدان واستطاعوا استقطاب الأنظمة الحاكمة من ناحية وبث الفرقة بينها من ناحية أخرى، وبعدها شهدت المنطقة حروبا عربية عربية ومنازعات حدودية وتناقضا في المصالح قضى على كل مقومات القومية العربية التي كانت تمثل الخطر الرئيسي في مواجهة الأهداف الصهيونية، ولهذا عملت إسرائيل على محاور تجاوزت الحدود الشرقية لمصر ومنها تخريب المجتمع المصري عن طريق الإفساد سواء المجتمعي أو الاقتصادي وهو ما ظهرت ملامحه في قضية وكيل وزارة الزراعة يوسف عبد الرحمن الذي أدانته محكمة جنايات القاهرة في تهمة استيراد مبيدات مسرطنة عبر تل أبيب، واستطاع الهرب إلى لندن وأكدت كل المعلومات أنه هرب عن طريق إسرائيل التي وصل إليها بواسطة يخت من أحد مواني البحر الأحمر. •    مؤامرة القطن

ولم تكن هذه هي المؤامرة الوحيدة على الزراعة المصرية فقد استجاب وزير الزراعة الأسبق يوسف والي للمطلب الأمريكي الإسرائيلي برفع الدعم عن مزارعي القطن أسوة بكل البلاد التي تزرع القطن وعلى رأسها الولايات المتحدة بدعوى تحرير زراعة القطن مما انتهى إلى تقليل المساحة المنزرعة، كما أدى استيراد السلالات الصهيونية من القطن إلى تدهور إنتاجية الفدان وقد أشار الدكتور جمال أبو المكارم الرئيس السابق لجامعة المنيا في حديث صحفي إلى أن وزير الزراعة التالي ليوسف والي أمين أباظة دمر القطن المصري تدميرا شبه كامل، بل إنه دعا بشكل مباشر إلى عدم زراعة القطن طويل التيلية صنف جيزة 70. حتى أن مصر استوردت القطن من إسرائيل كل ذلك أدى إلى عمليات المحو الوراثي لسلالات الأقطان المصرية طويلة التيلة والنتيجة خروج مصر من الأسواق العالمية للقطن بعد أن كانت الدولة الأولى، واستطاعت أمريكا أن تستنبط من القطن المصري «ميت عفيفي» سلالة تسمى «البيما» وأنتجوا أقطانا شبيهة بالمصرية وغزوا بها الأسواق العالمية التي انسحبت منها مصر.

المخططات الصهيونية كانت تدار في كل دولة عربية بأسلوب ومحددات مختلفة عن الأخرى، وكان الهدف في مصر إحداث فساد سياسي وهو ما نجحت فيه إلى حد كبير بعد أن نجحت في زرع عناصر فاسدة في دوائر الحكم تحكمت في صناعة القرار للحد الذي أدى إلى انهيار منظومات التعليم والصحة والثقافة انهياراً تاماً، ومن ناحية أخرى إحداث انهيار اقتصادي بضرب الصناعة المحلية وهو ما يفسر اتجاهات بيع المصانع الكبرى بلا أى ضمانات وفي ملابسات فاسدة تحت دعاوى الخصخصة، وفي نفس الوقت تدمير الزراعة المصرية التي كانت أجود الزراعات في العالم ولهذا كانت مؤامرة القطن التي تحدثنا عن ملامحها في هذا المقال •    النيل الشهيد

وكان لا بد للصهيونية من القضاء على آخر ضمان لاستقلال مصر ونهوضها وشلها تماما وتحويلها إلى دولة على مجرى النيل وليس دولة المصب بكل امتيازات هذا الوضع الذي جعل من النيل شريان الحياة في مصر.

استغلت إسرائيل انشغال النظم المصرية المتعاقبة بمعارك وهمية ومشروعات الإفساد التي فرضها الصهاينة والغرب عليها، وبعد أن كانت أفريقيا سوقا للمنتجات المصرية، انسحبت مصر من السوق الأفريقي تماما، وبعد أن كانت العلاقات المصرية الأفريقية علاقة قوية في مجالات التعليم والثقافة وغيرها حتى إن جمال عبد الناصر أنشأ مدينة البعوث الإسلامية لاستيعاب الطلاب الأفارقة في الجامعات المصرية، انهار كل ذلك وانسحبت مصر تماما من أفريقيا التي خرجت من دائرة اهتمامها الدبلوماسي والسياسي وهو ما ترك فراغاً أسرعت إسرائيل إلى سده وأصبحت إسرائيل هي المهيمنة على الأسواق ومعظم المجتمع الأفريقي وخاصة دول حوض النيل وبخاصة أكثر دولة المنبع إثيوبيا.

وبدأت إسرائيل التحريض على إعادة الحديث عن حصة النيل الممنوحة لمصر منذ بداية القرن العشرين باعتبارها أكبر حصة، وهو التقسيم المنطقي الذي وضع في الاعتبار عدة عناصر جغرافية مثل مدى احتياج كل دولة من دول الحوض لمياه النيل في ظل وقوع عدد منها في دائرة مناخية تعوضها بمياه الأمطار الغزيرة. •    الالتفاف الصهيوني

وفى طريق مواز بدأت إسرائيل إطلاق الإشارات لمشروع توصيل مياه النيل إليها عبر سيناء لتصبح هي دولة المصب بدلا من مصر وهو ما سيمنحها امتيازا اقتصاديا قويا خاصة في ظل تقدمها التقني في مجال الزراعة والتكنولوجيا الزراعية، وبالطبع لاقت هذه الإشارات اعتراضات وعقبات في مصر بسبب تصدي الوجدان الشعبي الذي لم يستوعب أبدا تحول إسرائيل من عدو لصديق، لتعود إسرائيل لإثيوبيا تدعمها في بناء سد كبير يتجاوز القدرات الإثيوبية في هذا المجال وتظهر فيه المساعدات الإسرائيلية بشكل واضح، هذا السد سيقلل من كمية المياه التي تصل لمصر مما يهدد بجفاف الأراضي الزراعية، وحاولت إثيوبيا جر مصر لمعاهدات إقرار بتغيير حصة مصر من مياه النيل حتى تتجنب التحكيم الدولي فرفضت كل الأنظمة بما فيه نظام حسني مبارك لخطورة الأمر. •    المؤامرة الكبرى

وكان لا بد للوصول لهيمنة صهيونية كاملة على المنطقة من نظام حاكم يسلم تسليماً كاملاً للمخططات الصهيونية سواء عند الحدود الشمالية الشرقية أو عند الحدود الجنوبية، فدبرت المؤامرات بعد 2011 ونشرت الوقيعة بين القوى المدنية ونتيجة قلة الخبرة وقعت القوى المدنية في الشرك وساد الاحتراب بينها، وتم نشر الفوضى والإرهاب والعنف داخل المجتمع بالشكل الذي مكن من صعود نظام جديد من داخل الجيش يدين بالولاء الكامل للهيمنة الخارجية ويسعى بشكل سريع إلى إنجاز كل المخططات الاستعمارية، ففى عام واحد قام هذا النظام بالتنازل على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية وهما الجزيرتان اللتان كانتا تمثلان خطورة عسكرية شديدة عند أي مواجهة بين مصر وإسرائيل، وبعدها يظهر حلف سعودي إسرائيلي، وأحداث في لبنان وارتباكات في المنطقة تظهر فيها ملامح إسرائيل واتجاهات حرب إيرانية سعودية لن تستفيد منها سوى إسرائيل التي ستصبح الدولة الأقوى في المنطقة، وفي نفس العام يستمر النظام في تصدير الغاز المصري لإسرائيل، وفي مبادرة خارج أي سياق منطقي يقوم عبد الفتاح السيسي بتوقيع وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة مع إثيوبيا والسودان عام 2015 دون وضع أي ضمانات للحفاظ على حق المياه، وبذلك قطع الفرصة الأخيرة على مصر للجوء إلى التحكيم الدولي للحفاظ على حق مصر وحمايتها من مصير محتوم لا يحتمل إلا أمرين الجفاف أو توصيل مياه النيل لإسرائيل لتصبح دولة المصب والدولة الأقوى اقتصادياً في المنطقة ولا عزاء للأوطان.

أضف تعليقك