يكشف واقع الاقتصاد المصري مزيدا من الكوارث المتوالية، والتي لا تنتهي. ففي الوقت الذي تم الإعلان عن صدور اللائحة التفيذية لقانون الاستثمار، ودق الطبول لانتهاء منتدى شباب العالم، جاءت تصريحات المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري، حسام الإمام، الذي قال إن وزارته أوقفت كل المباحثات حول سد النهضة الإثيوبي، بعد أن تعثرت على المستوى الفني، مضيفا أن القرار بشأن المفاوضات الآن في يد مجلس الوزراء. وقد رفع وزير الموارد المائية والري، محمد عبد العاطي، تقريرا مفصلا إلى رئيس مجلس الوزراء حول نتائج الجولة السابعة عشرة من المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، والتي انتهت دون التوصل إلى أي توافق حول النقاط العالقة الخاصة بالأساليب العلمية والنماذج الاسترشادية لعمل الاستشاري الفرنسي، ودون الاتفاق على موعد لعقد جولة جديدة من المفاوضات، بما يؤكد تعثر المسار الفني، حيث رفضت كل من السودان وإثيوبيا اعتماد التقرير الاستهلالي الذي أعدته الشركة الاستشارية الفرنسية؛ المنوط بها إجراء الدراسات الخاصة بآثار سد النهضة على دولتي المصب: مصر والسودان.
وقد جاء رد السيسي على تلك القضية الخطيرة التي تمس حياة كل مصري؛ باهتا، لا يتوافق مع عظم المشكلة التي أوقع مصر فيها بيده؛ من أجل البحث عن شرعية زائفة لحكمه، من خلال توقيعه على اتفاقية المبادئ التي أضاعت حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، بل حمّل غيره تبعات تلك المشكلة. فقد صرح السيسي بأن " المياه المصرية موضوع مافيهوش كلام. محدش يقدر يمس مياه مصر".
وتابع: "المياه تساوي حياة أو موت للشعب، والمياه خلقها الله". وأضاف: "المياه ليست مياهي، بل مياه الشعب". ووجه حديثه إلى رئيس البرلمان علي عبد العال؛ قائلا إنه "صوت الشعب"، كما توجه لرئيس الحكومة شريف إسماعيل؛ واصفا إياه بالمسؤول، محملا إياهما مسئولية الأزمة بقوله: "هم موجودين معايا ويشوفوا يعملوا إيه".
قضية مياه النيل هي قضية حياة أو موت للمصريين، ولكنها تحتاج إلى خطوات عملية للحفاظ على حياة المصريين
وفي هذا الإطار أيضا، خرجت الأبواق الإعلامية لتضليل الرأي العام وتوجيه وجهته بعيدا عن القضية الأساسية؛ من خلال تزيين العمل على إنشاء محطات تحلية المياه، وتلميع دور العسكر في ذلك، وتضخيم تصريحات سابقة للمغنية شيرين في إحدى حفلاتها، ردا على معجبة طلبت منها أغنية "ماشربتش من نيلها"، قائلة: "ها يجيلك بلهاريسيا، اشربي إفيان أحسن". بل حملت تلك الأبواق الإعلامية الشعب المسؤولية متهمه إياه بالإفراط في استهلاكالمياه، ووجهت سهام نقدها للمزارعين لزراعتهم للأرز، وطالبتبوقف زراعة الأرز، واستيراده من الخارج.
إن قضية مياه النيل هي فعلا قضية حياة أو موت للمصريين، ولكنها تحتاج إلى خطوات عملية للحفاظ على حياة المصريين؛ تلك الحياة التي ارتبطت بالنيل، حتى وصف المؤرخ اليوناني هيرودوت مصر بأنها هبة النيل. والشعارات الرنانة والكلمات الفضفاضة لن تجدي نفعا في هذا الزمان، ما لم يصاحبها عمل جدي وصريح. وقد كان الراحل المفكر جمال حمدان محقا حينما قال في مذكراته في العام 1990م: "كانت مصر سيدة النيل بل مالكة النيل الوحيدة، الآن انتهى هذا وأصبحت شريكة محسودة ومحاسبة، ورصيدها المائي محدودا وثابتا وغير قابل للزيادة، إن لم يكن للنقص، والمستقبل أسود.. ولت أيام الغرق، وبدأت أيام الشرق، وعرف الجفاف، لا كخطر طارئ، ولكن دائم الجفاف المستديم، بعد الري المستديم".
كشفت الأيام القليلة الماضية عن الاستمرار في سياسة الحكومة المدمرة القائمة على ترقيع الديون بمزيد من الاقتراض.
كما كشفت الأيام القليلة الماضية عن الاستمرار في سياسة الحكومة المدمرة القائمة على ترقيع الديون بمزيد من الاقتراض. ففي تصريحات لمحافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، لوكالة "بلومبرج"، ذكر أن مصر وقعت اتفاقية تمويل موسعة بـ3.2 مليار دولار مع مصارف أجنبية لدعم الاحتياطي الأجنبي، والاستعداد لسداد قرابة 14 مليار دولار من الديون الخارجية المستحقة عام 2018.
وهذا يعكس طبيعة هذا الاحتياطي التجميلي، والدخول في لولب الديون الذي لا مفر من انفجار فقاعتها يوما ما، لا سيما وقد ذكرت وكالة "بلومبرج" ذاتها أن السندات المصرية ضمن الديون السيادية "الخطرة" بالأسواق الناشئة التي يراقبها المستثمرون عن كثب، بعد تخلف فنزويلا عن سداد ديونها، وتصاعد الأزمة السياسية في لبنان، ووصول عقود مبادلة مخاطر الائتمان المصرية إلى أعلى مستوياتها منذ سبتمبر. وأضافت الوكالة أن ديون مصر الخارجية ارتفعت إلى 79 مليار دولار، من 55.8 مليار دولار في العام السابق.
رغم ما تعانيه مصر من تنامي الديون الخارجية والداخلية بصورة مخيفة، من المرتقب أن توقع مصر على اتفاقا لشراء 12 طائرة مقاتلة جديدة من طراز رافال.
ورغم ما تعانيه مصر من تنامي الديون الخارجية والداخلية بصورة مخيفة، فإن صحيفة "لا تريبيون" الفرنسية ذكرت أنه من المرتقب أن توقع مصر على اتفاق لشراء 12 طائرة مقاتلة جديدة من طراز رافال مع فرنسا، خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وقد بدأت المحادثات الخاصة بهذه الصفقة العام الماضي، ولكنها توقفت بسبب مشاكل تتعلق بشروط الدفع والتمويل، ثم استؤنفت مرة أخرى خلال زيارة السيسي لفرنسا؛ ولقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تدخل نيابة عن الحكومة المصرية لاستئناف الصفقة، إذ طلب من وزارة الاقتصاد والمالية الفرنسية أن تكون أكثر تساهلا مع مصر.
وكل هذا يعكس مزيدا من الأوضاع الكارثية في الاقتصاد المصري، وحرص الغرب على توريط مصر في ديون لا قبل لها بها، ولا أمل في سدادها، ولا عائد اقتصاديا أو اجتماعيا حقيقيا من ورائها، فليس من ورائها زيادة في الإنتاج أو تدعيم بنيان الاقتصاد المتردي، أو تشغيل عمالة تقي شباب مصر شر البطالة. وبات الثلاثي المدمر: البطالة والتضخم والديون، يحيط بالاقتصاد المصري من كل جوانبه، ويأكل ما تبقي من أصوله وموارده.
أضف تعليقك