لا توجد أمة على الأرض تسخر من علمائها مثل أمة العرب.. العلماء الذين استعار لهم الإعلام تسمية أوروبية؛ هي رجال الدين. جميع الحكومات والشعوب تحترم رجال الدين: النصارى يقدسون البابا، وعملوا له دولة هي واحدة من أغنى دول الأرض، واجتمع ملوك أوروبا، وأخذوا معه صورة تذكارية؛ كان بابا الفاتيكان في وسطها. وأزياء رهبان النصارى مذهبة فاخرة، ومعقدة، ولهم تيجان وصولجانات ومباخر، ومثلهم اليهود، والهنود، والسيخ، والبوذيون، وعباد الشمس، وعبّاد الحيوانات العادية والمنوية، إلا المسلمون العلمانيون الذين احترفوا السخرية من علمائهم.
بدأت السخرية مع الدول الوطنية العربية بعد الاستقلال، ودخول السينما البلاد العربية. المأذون أو رجل الدين؛ كومبارس في الأفلام العربية، وغالباً يقتصر عمله على عقد قران البطل على البطلة.. وعقد القران هو عقد مدني في الإسلام، لا علاقة للفاتحة بعقده، فيمكن عقده من غير فاتحة.. هو شخصية مضحكة في الأفلام المصرية، فهو مجرد مهرج، زيه بات هزوا. وقد بلغت السخرية ذروتها، مع ثورة حزيران/ يونيو المصرية الانقلابية، وبزوغ نجم النبي والفيلسوف الفكة عبد الفتاح السيسي وحوارييه، بئس للظالمين بدلا، مدعوماً برزّ الإمارات والسعودية، فعلا نجم المفتي المهرج، وصار ضيفاً يومياًعلى الفضائيات، يُفتي، ويحرر نصوص البخاري ومسلم، بدلاً من تحرير الشعب، أو الأرض السليبة. ولم يكن ينقص المشهد سوى عبد الفتاح مورو ليؤدي دورا كوميديا رديئا، في مسرحية أبطالها جميعا من الأزهر. كان تهريجا صافيا، وندم عليه حيث لا ينفع الندم.
ويختلف مفتي الجمهورية السورية عن مفتي مصر، فمفتي سوريا مشغول بدرّ دموع التماسيح، والإشراف على مسابقات ملكات الجمال، والقضايا الكبرى، مثل الهجمات الانتحارية، واقتطاع مقاطع من السيرة بعد إخراجها وتلبيسها تلبيس إبليس. وأمس شاهدت له لقاءً بمناسبة المولد النبوي، على قناة الميادين، وليس على السورية، قال فيه: إن الرسول إنما أرسل من أجل العدل والمساواة والإخاء.. فوجدت نفسي أمام مبادئ الثورة الفرنسية الدامية يا مولانا الخواجة! طبعا تابعت فرنسا الاستعمار بعد الثورة الفرنسية.
أما فتاوى مفتي الديار المصرية، علي جمعة، الظريفة، فهي كثيرة، مثل قوله: إن أبا الهول هو النبي إدريس، من غير شهود أودمغة مختار الحارة، والحشيش لا ينقض الوضوء، مع أنه ينقض العقل، والنبي من مواليد برج الحمل، مع أن تاريخ نبوته تنقصه الدقة، وملكة بريطانيا من آل البيت، وهي من نسل جورج السادس عليه السلام، وعبد الحليم غنى "أبو عيون جريئة" للنبي، وليس لشادية، وأرواح الموتى لها غوغل إرث، وسكايب، وواتس آب، وماسنجر.
أما فتاوى هيئة كبار العلماء السعوديين، فهي في منتهى الجدّ، ولذلك هي مضحكة وتراجيدية.. فالأرض ليست كروية، وإنما على شكل عصا، والموسيقا حرام، والمولد النبوي حرام، والبيت الحرام حرام إلا على الأغنياء وبطاقات الطيارات، وعندما أسمع المفتي آل الشيخ، وهو يتلو القرآن، أسمع سجعاً لا أفهم منه شيئاً.
منذ سبع سنوات، لم نرَ فيلماً كوميدياً لنجوم الكوميديا الذين خبا ذكرهم.. عادل إمام شاخ يا رجالة، أحمد حلمي عمل فيلماً رديئاً، محمود سعد قدم بطولة فيلما تدور أحداثه في العصر الجاهلي، ومحمد هنيدي عنترة ابن ابن ابن ابن شداد، وسكوته وسكوت الآخرين من ذهب، ولا مسرحيات، فالبرامج المصرية والعربية تغني عن الكوميديا، وبطلها هذه المرة، ليس المأذون، وإنما هو المفتي، هو الموقع عن الله.
والفتاوى المصرية المضحكة كثيرة، بل إن أزهرياً لقبه ميزو ادعى النبوة.. السيسي لم يدعها، لكنها نسبت إليه ولم ينفها، المهم هو إشغال الرأي العام بحلو الكلام والدماء سجام. وأكاد أحتار بين العروض الكوميدية الدينية، وأضيع بين علي جمعة، وهو مفتي صفحة عمرو خالد المفضل، وبين مبروك عطية، الذي يذهل المرضعة عما أرضعت؛ وهو يقدم برامجه عادة مسلحاً بباقة ورد، والغريب أن صحفياً فلسطينياً، منتفخ الأوداج، يحب فن الكهانة.. كان يرأس صحيفة عربية مشهورة، كلما ذكر القرضاوي وصفه بأنه مثير للجدل، تقرباً لإيران، التي يتودد إليها بالنوافل والفرائض.
فجأة صار جمعيهم مضحكين، ويمكن للباحثين وضع معاجم وقواميس وصحف منشرة، وتصانيف للفتاوى المضحكة، أما الذين لم يستطع الملوك العرب تحويلهم إلى مهرجين، فاتهموهم بالإرهاب، ووضعوهم على القوائم السوداء، وهكذا حكم خادم الحرمين وثلاث من دول الحصار على حوالي 100 ألف عالم من علماء المسلمين بالإرهاب، ولو قامت دول أوروبية بفعل ذلك، لجنّ جنون العرب والمسلمين غيرة.
في الأفلام الكلاسيكية الهندية والعربية، البطل معه مساعد كوميدي دوماً، وهو من الأقليات عادة، في الأفلام الهندية مساعد البطل اسمه محمود غالباً، جذباً للجالية المسلمة، أو ترضيةً لهم.
وهو تقليد قديم في السير الشعبية، فعنترة كان معه أخوه الظريف شيبوب، ودون كيشوت معه سانشو، والملك العربي معه المفتي لتدمير الدين بيد رجاله، وكلاهما مضحكان.. الرئيس والمفتي، غير أن الرئيس دموي قليلا، والدم يعطل الضحك. وقد أدرك الفاتيكان أن الساحة خالية، فبادر إلى زيارة ميانمار، لكنه لم يجرؤ على ذكر الروهينغيا، مع أنه تجسيد المسيح على الأرض، وكان المسيح شجاعا، لم يقل كلمة حق عند ميانمار جائر، ولو قالها لكان أحسن له، ولذكرها له التاريخ، وأفخاي أدرعي صار داعية، ويدعونا لأن نتّقي الله في رمضان، ويبارك بالمولد النبوي، الذي لا تعترف به السعودية، والأزهر احتله السفهاء بدلا من العلماء.
ربنا يعمل لكم "delete" من وجه الدنيا، و"Recycle" في قعر جهنم يا تراش، يا سبام، يا فيروسات بروكسي.
أضف تعليقك