• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

ثمة ملفات متعددة  يُمكن أن تُعد سببا في التوتر أو عدم الاستقرار في العلاقات المصرية السودانية، إلا أن منطقة مثلث حلايب الواقعة أقصى الجنوب الشرقي المصري وأقصى الشمال الشرقي السوداني تعد القضية المحورية، ذلك أن جميع القضايا الأخرى هي قضايا متغيرة ومستجدة وبها كثير من الأخذ والرد بين البلدين، في حين أن قضية حلايب يمتد الخلاف رسميا عليها إلى عام  1958 عبر شكوى تقدمت بها السودان للأمم المتحدة، وقد أخذ الخلاف شكلا تصعيديا عام 1995 حينما سيطرت مصر تماما على المنطقة بالقوة العسكرية بعد اتهام مصر للسودان بالتورط في مسألة محاولة اغتيال الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في أديس أبابا من نفس العام.

ومنذ ذلك الحين وكانت القضية خامدة على المستويات التصعيدية على الرغم من عدم موافقة السودان على هذا الوضع، لكن في السنوات الأخيرة بدأت نبرة الشكوى تتصاعد إعلاميا من السودان مع تقدمها بشكاوى متتالية لمجلس الأمن لاسيما في عام 2015 حينما أجرت مصر انتخابات مجلس النواب وضمت حلايب كمنطقة تصويت بشكل رسمي، إضافة إلى تجديد الشكوى هذا العام ومطالبة السودان لمصر إما بالدخول في مفاوضات رسمية مباشرة أو القبول بالتحكيم الدولي وهو ما رفضته مصر. ويعد هذا التجدد الأخير والنشط حول هذه البقعة المليئة بالمعادن والمطلة على مساحة تقرب من 200 كليو متر من ساحل البحر الأحمر، تعود لأسباب تتعلق باستخدامها كورقة سياسية للضغط حول قضايا الخلافية الأخرى كسد النهضة الأثيوبي أو الرد على انتقاد بالتقارب مع دولة عربية بعينها.

لكن على الرغم من هذا كله فإن شيئا غير عاديا لم يلوح في الأفق وكل ما يتداوله الإعلام ربما يكون معروفا للمراقبين، إلا أن ثمة أشياء جديدة لم تكن مطروحة في خلفية النقاشات الدائمة حول هذه القضية كشفها وسلط الضوء عليها تحقيقا تلفزيونيا أجراه برنامج "من المسافة صفر" الذي تقدمه الإعلامية سلام هنداوي على شاشة الجزيرة في الثالث من (ديسمبر/كانون الأول) الجاري حول هذه الأزمة تكشف سلوك النظام المصري حيال قضية "أرض الوطن" مقارنة بمسألة جزيرتي تيران وصنافير اللذان فرط فيهما النظام المصري لصالح إسرائيل عبر وساطة سعودية.

يأتي على رأس هذه الأشياء مسألة التنقيب عن الذهب والذي يعد أحد أهم المعادن التي تمتلئ بها هذه المنطقة بجانب معادن أخرى هامة، فبحسب أهالي هذه المنطقة ممن يعملون في التنقيب فإن القوات المسلحة المصرية هي الشريك الرئيسي لشركات التنقيب عن الذهب حيث أسس عام 2012 شركة شلاتين بالشراكة مع هيئة الثروة المعدنية مستحوذين على 15 منجم ذهب في منطقة تقدر بمساحة 14 ألف كيلو متر مربع، بدعوى تقنين البحث العشوائي عن الذهب من قبل أهالي المنطقة، وهو الأمر الذي يراه الأهالي غير منصف لهم لصعوبة وكثرة القيود المفروضة والنسب العالية المأخوذة منهم من قبل تلك الشركة والشركات الأخرى التي يتم التعاون معها من الباطن.

إلا أن الملفت في الفيلم هو طرح أحد الأهالي المنقبين مسألة أن شركة من دبي تعرض عليهم شراء ما يستخرجونه من ذهب، فيما يذهب معدو الفيلم من خلال بحثهم عن الشركة إلى أنها شركة ثان دبي للموارد الطبيعية والتعدين استنادا لإعلانها التنقيب عن الذهب في مصر منذ عدة أعوام، وتحديدا في حلايب منذ عام 2014، لكن هذا الوجود الإماراتي لم يقف عند هذا الحد؛ فشركة أبو ظبي لطاقة المستقبل أعلنت أنها سلمت القاهرة 4 مشاريع للطاقة الشمسية في (إبريل/نيسان) 2016 من بينها منطقة حلايب وهو ما تزامن مع نفس الشهر الذي فرط فيه النظام في تيران وصنافير وقام ببيعهما.

النقاط السابقة جميعها يكشف الوجه الرأسمالي الاستغلالي النفعي في منطق تعامل النظام المصري، ففي حين أن تيران وصنافير أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية والعسكرية وللأمن القومي إلا أن النظام المصري الحالي فرط فيهما وباعهما مقابل حفنة مليارات ومساعدات بترولية محدودة، من أجل الانتفاع الاقتصادي والحصول على مساندة إسرائيل "القوية" عند الجانب الأمريكي، في حين أنه يتمسك بمصرية حلايب، وهذا لا غضاضة فيه بالنسبة لأي مصري، ولا غضاضة على أي سوداني يرى أحقية السودان فيهما، في حين أنه يبدوا متمسكا بالأراضي الجنوبية لمصالح اقتصادية وشركات عربية بأكثر من كونها أرض مصرية، وهنا لا أفتش عن النوايا ولكن عن المقارنة من المسافة صفر بين الموقعين ستعرف أي البقعتين أحق في "الاستماتة" للدفاع عنها.

الشيء الجديد الآخر الملفت في هذا التحقيق هو إعلان وزير الخارجية السوداني فيه أن السودان لديه تخوفات وشبه يقين بأن اتفاقية ترسيم نقاط الأساس البحرية بين مصر والسعودية التي تم بموجبها التنازل عن الجزيرتين قد شملت أجزاء من المياه الإقليمية القريبة من ساحل منطقة حلايب وشلاتين، ذلك أن ساحل حلايب وشلاتين قريب من ميناء جدة بنحو 250 كيلو متر فقط، في حين يمتد طوليا لنحو 200 كيلو متر وهو الأمر الذي يعد غريبا ذلك أن في خريطة مصاحبة لاتفاق عقد بين السعودية والسودان عام 1974، فإن ظهرت حلايب ضمن الحدود السودانية الأمر الذي قد يعني تغير في المواقف الرسمية للسعودية ويضمها للإمارات في كونهما منحازتين لمصر في تلك القضية أو يرونها الطرف الأقوى، بما قد يؤثر مستقبلا في حالة الجد على العلاقات السودانية الخليجية، لاسيما مع تقديم النظام المصري منطق "إعادة الأرض" إلى السودان على طبق من ذهب، فالسودانيون اليوم يرون أن من باب أولى الدخول في تفاوض حول حلايب التي يمتد الخلاف عليها لنحو 59 عام تقريبا بينما تنازلت بكل سهولة للسعودية عن أرض مقطوع بمصريتها مائة بالمائة لمصر.

ربما كان هذا أنجح ما قدمه الفيلم كشيء جديد غير متداول فيما بقيت بقية العناصر ربما معروفة للمتابع، وإن كان ثمة بُعدا إنسانيا كان يحتاج للرد من طرف مصري رسمي حول عدم وجود منافذ برية للسودانيين لمنطقة حلايب أو من منطقة أوسيم لمنطقة حلايب الأمر الذي يُعد تمصيرا للمنطقة بالقوة، إلا أن الممثلين الرسميين في مصر رفضوا الظهور لكن كان على فريق البرنامج بذل مجهود أكبر في البحث عن باحثين مختصين في مصر أو خارجها للتعبير عن وجهة النظر الأخرى بشكل أوضح أو أعمق، ويبقى في النهاية التأكيد على أنه رغم الخلاف على حلايب وشلاتين فإن السودان تبقى جارة وشقيقة لمصر وبوابة هامة لأمنها القومي الجنوبي ولا يجب أن يتورط الشعبين في أية كراهية بسبب تصعيد محسوب أو منافع مرتجاه من تلك القضية يستثمر فيها النظامان غير الديمقراطيان اللذان يحكمان كلا الدولتين.

أضف تعليقك