• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

«من فضلكم، هذا الأمر يجب أن يتوقف، ولا بد أن نحترم مشاعر المسلمين تجاه مُقدساتهم، المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين أمر مقدس جدا، فمن المهم ألا نستدعي موضوعات وتجاوزات وإجراءات تستفز المسلمين».
كلمة إنصاف بحق القدس والمسلمين، ولمسة إنسانية رائعة، حملتْ توقيع وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان. ماذا لو حذفنا توقيع وزير الدفاع الإسرائيلي، ووضعنا مكانه توقيع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الذي هو صاحبها الحقيقي؟
أعد قراءتها من جديد لتدرك قيمة القدس لدى حكام العرب، وأنّ قُصارَى ما يقدمونه كلمة استجداء للكيان المُحتل، لكي يترفّق بالمسلمين ولا يجرح مشاعرهم تجاه المقدسات، ولا عجب، فنخوة العروبة تحت الرُّكام، ولم يعُد للقوم من ميراث العرب سوى النسب.
فأنت أيها الكريم، في مكان آخر ولستَ في أرض العرب.
دخلتْ قضية القدس في هذا المُعترك الأخير، ولكن إيّاك أن تفْغُر فاكَ، فإذا كنتَ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صعد الإمام المنبر وعلى مقربةٍ منه مثوى النبي الكريم، وفاجأك بخُطبةٍ عن تعاقُب فصول السنة، في الوقت الذي يُباع فيه مَسْرى رسول الله في سوق النِّخَاسة، وأبناء القدس يواجهون رصاصات الاحتلال بصدور عارية، فاعلم أنك لستَ في أرض العرب. إذا كنت ممن أثلَجَتْ صدورَهم القمةُ الإسلامية الأمريكية بالرياض، بحضور 37 من قادة الدول العربية والإسلامية، وخمسة رؤساء حكومات وأولياء عهود، فلا تكترث لحضور 16 رئيسا – فقط – القمة الإسلامية الأخيرة في اسطنبول التي انعقدت من أجل القدس، قالها أحد المغردين: «حضروا لإيفانكا ولم يحضروا للقدس» وصدَقَ الرجل، فإن الأولوية لدى القادة أصبحت ترسيخ العلاقات مع الكيان الصهيوني.
 لا تبتئس يا ابن الدين، فلست في أرض العرب.
 
«إدفع ريالا تنقذ عربيا» الله الله، ما أجمله من عنوان لحملة التبرعات التي أُطلقت في السعودية بدعم رسمي نصرة للقدس والفلسطينيين، لا ليست في هذه الآونة وإنما حدث ذلك عام 1968، فتلك هي السعودية التي ناضل أبناؤها في حرب 48 في فلسطين ضد الصهاينة. تسألني ماذا عن الوضع الحالي؟ لا فرق يُذكر غير أن المملكة تُصنّف حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس كجماعة إرهابية، وينشط إعلاميوها ضد الفلسطينيين، ويحْفِدون باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولا تكاد تلحظ في صُحفها انتقادات للانتهاكات الإسرائيلية.
 لا عليك، لا تحزن، فلستَ في أرض العرب
ولا أنصحك بقراءة مقال على صحيفة إيلاف بعنوان «حماس ثلاثون عاما»، هو مقال مشترك كتبه الكردي العراقي مهدي مجيد عبد الله، ومعه ذلك الرجل الذي يظهر كثيرا على الفضائيات مرتديا عويناته، ويضع قبعته العسكرية على كتفه، وعلى صدره علم الكيان الإسرائيلي، نعم إنه المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي. بالتأكيد المقال لا يناصر القضية الفلسطينية أو القدس الشريف، فقط هو يسلط الضوء على الحركة الفلسطينية (الإرهابية) حماس التي «منذ نشأتها لم تُرَاعِ مصالح الفلسطينيين، وكانت بندقية إيرانية، وأنها ليست خطرا على إسرائيل فحسب، بل على كل دول الجوار أيضا» بحسب ما قاله الضيف الكريم على الصحيفة السعودية ابن العم والدم السيد أدرعي، أعْلَى الله كعْبَه وبيّض وجهه هو وشريكه في المقال والقائمين على الصحيفة وكل مؤيديها، على طريقة فتى الحجّاج بن يوسف الثقفي.
ألم أقل لك يا صديقي أنك لستَ في أرض العرب؟
دعك من الحُكّام والمؤسسات، وعرِّج على الشعوب، وانظر إلى الحشود التي خرجت في جميع أنحاء الوطن الإسلامي والعربي تُندد بقرار ترامب، وتغضب من أجل القدس، وانظر إلى حجم تفاعل الجماهير العربية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ستدرك أن الأمة لا تزال بخير، وأن الأقصى لا يزال في القلب.
ولكن بالله عليك، لا تفقد الأمل إذا رأيت في خِضمِّ هذه الأحداث ترَاشُقَ الأشقاء في وصْلات من الردْح لا تنتهي. كلٌ منهم – إلا من رحم الله – يُعيّر الآخر بأن بلاده خذلت القضية الفلسطينية معايرة على طريقة (لستُ وحدي من فعل).
 لا عليك من بذاءة القول، فلست في أرض العرب.
«أدعو السعودية إلى إنهاء الحرب في اليمن والبحرين وسوريا فورا، وتوجيه التحالف الإسلامي الذي تقوده نحو القدس لتحريرها، وإلا فإنه الذل والعار لنا ولها إذا لم تقُم بذلك»، بهذه العبارة ردّ زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، على غطرسة ترامب، نعم يدعو التحالف الإسلامي للتوجه نحو القدس، وحقٌ والله ما قال وواجب، لكن لا أدري هل كان قاسم سليماني وحشده وفيلق القدس في إجازة موسمية إلى أحد كواكب المجموعة؟ لماذا لم يتفضّل الصدر بدعوة سليماني لسحب قواته من العراق وسوريا والتوجه بها نحو القدس؟ وبالمناسبة فيلق القدس له أنشطة في عدد كبير من الدول العربية عدا فلسطين.
 دعك من ثرثرتي، فلست في أرض العرب.
غير أني لا أضمن لك ألا تبكي من فرط الضحك، وأنت تنصت إلى قائد فذّ من محور المقاومة وهو يرد على قرار ترامب المُتعلق بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية، ونقْل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، نعم إنه الرجل ذو العمامة السوداء صاحب لُثغة الراء، الذي طالما علّقت الشعوب صوره باعتباره مناضل الأمة ضد الصهاينة في حرب 2006، حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، الذي لم يتردد في إرسال قواته إلى سوريا دفاعا عن نظام الأسد، ودعم الحوثيين في اليمن، ها هو يفجر مفاجأة مدويَة ردا على قرار ترامب. فقد أعلن أن محور المقاومة سيُعطي الأولوية لقضية القدس، ودعا إلى أن يكون هذا القرار الأمريكي الأحمق الغاشم بداية النهاية لهذا الكيان الغاصب على…. لا ليس على أرض المعارك، إنما يقول: على مواقع التواصل الاجتماعي، نعم سيعيد القدس بالهاشتاغ والتغريدات واللايكات.
 لا تستغرق في الضحك، فلست في أرض العرب.
صلاح الدين حمَل همّ القدس طيلة عمره، فقال عنه القاضي شداد بعد موته: «وكان يوماً لم يُصَبْ الإسلام والمسلمون بمثله منذ فقدوا الخلفاء الراشدين، وغشى القلعةَ والبلد والدنيا من الوحشة ما لا يعلمه إلا الله تعالى. وبالله لقد كنت أسمع من بعض الناس أنهم يتمنون فداءه بنفوسهم، وما سمعت هذا الحديث إلا على ضرب من التجوّز والترخّص إلا في ذلك اليوم، فإني علمت من نفسي ومن غيري أنه لو قُبِل الفداء لفُدِيَ بالنفس». فماذا سوف يكتب التاريخ عنا والقدس؟ فهل ما نعيشه اليوم هو كابوس مزعج؟ أم أن هذه الأرض ليست أرضا للعرب؟

أضف تعليقك