• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

ردود الفعل العربية والإسلامية على قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بنقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة والاعتراف بالمدينة كعاصة لدولة إسرائيل، كانت قوية ومؤثرة، وعبرت عن مواقف عربية وإسلامية أصيلة؛ لا تفرط بالمدينة المقدسة ولا تخذل الشعب الفلسطيني في مواجهته الشرسة مع الاحتلال.

ولم يكن ذلك بعيدا عن المواقف التاريخية لهذه الشعوب، وأعادت الاعتبار للمواقف الشعبية؛ بعدما اعتراها الضعف والهزال إثر توقف موجات الربيع العربي بتآمر من الثورات المضادة. وقد انتشرت ردود الفعل الغاضبة من إندونيسيا إلى طنجة، لتشمل المنطقة العربية والإسلامية، فضلا عن ما شهدته أوروبا وأمريكا اللاتينية، وأمريكا نفسها ضمن الوجود الفلسطيني والعربي الناشط هناك.

مرحلة فاصلة

غير أن ذلك، مع أهميته، لم يكن كافيا أمام قرار كبير وخطير من هذا النوع، فالمطلوب هو الانتقال من مرحلة التنديد والخروج إلى الشارع للتظاهر إلى محاولة فرض الأمر الواقع، عبر الفعل المنظم داخل البلدان العربية؛ التي وإن أدانت القرار، إلا أن بعضها على الأقل كان متواطئا معه ومهد له الأرضية؛ بمحاولة فرض ثقافة التطبيع والاعتراف بإسرائيل، وإدانة الشعب الفلسطيني وتصويره بأنه باع أرضه لليهود!

ويجب أن تنتظم حركة الجماهير باتجاه إنهاء كل اتفاقات السلام مع إسرائيل، بدءا بأوسلو وإحلال ثقافة المواجهة مع العدو، بدل المهادنة، وأن تسمح الأنظمة العربية بهذا التحول. وإذا وقفت هذه بوجه هذا التحرك، فيجب تحويله ضدها، إلى أن تدرك أن عروشها وأنظمتها هي النقيض للعلاقة مع العدو، وأنه لم يعد مقبولا من هذه الأنظمة أن تستمر في علاقاتها مع إسرائيل كما في السابق.

وبمعنى آخر، فإن الشعوب يجب أن تتوقف عن السعي لحماية رأسها من بطش الأنظمة، بل هي التي يجب أن تضغط على الأنظمة لتحقيق مطالبها، وتنفذ سلسلة من التحركات لتحقيق ذلك، بما يجعل الأرضية خصبة لثورات عربية جديدة.

متضررون

في هذا السياق، يكتسب التصعيد الشعبي زخمه، في ظل خلافات عربية على خطة جعلت النظام المصري شريكا في التنديد الشعبي بها، بسبب عدم وفاقه مع السعودية التي اعتبر أنها حاولت تضييع دوره الذي أنعشه مؤخرا برعاية المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس، فضلا عن دخول سلمان وابنه على محاولات تطويع الرئيس الفلسطيني؛ من خلال فرض شروط في المصالحة الفلسطينية.

كما أن النظام الأردني شعر أنه تم التآمر على دوره في رعاية المقدسات الإسلامية في القدس، والذي وقع عليه في اتفاقية وادي عربة عام 1994، كما أن الأردن يرى أن توطين اللاجئين سيُفرض عليه دون حصوله على تعويضات تتعلق به وبنظامه. لذلك، كان موقف الأردن المعارض لقرار ترامب أكثر عنفا وقوة، ولكن موقفا الأردن ومصر كانا دون التوقعات حتى الآن، رغم أن اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل عصف بدورهما في المنطقة لصالح السعودية التي كانت في تفاصيل القرار.

من المفترض أن يسمح النظامان بالمعارضة الشعبية، والسقف الأعلى لهما يجب أن يكون إلغاء اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة. ولكن ذلك لن يحصل بتقديرنا؛ نظرا لاندماج النظامين بعملية التسوية وحصولهما على مساعدات أمريكية لاستمرار حكمهما. ومن هنا، فلا بد من تصعيد المعارضة الشعبية لقرار ترامب وموقف بلادهما الضعيف منه.

الموقف الفلسطيني

إلا أن الموقف الفلسطيني المقاوم سيظل هو الفارق في التصدي للقرار، والمطالبة بإلغاء اتفاق أوسلو وعودة السلطة لبرنامج المقاومة وتوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال. والاختبار الأول للسلطة وحركة فتح هو إنجاح الحوار الفلسطيني، ودمج حماس والجهاد في مؤسسات المنظمة، وإجراء الانتخابات الفلسطينية وإعادة الاعتبار للمجلس التشريعي الفلسطيني.

وبعد ذلك من الضروري الاتفاق على برنامج مقاومة الاحتلال، بالتوافق بين جميع الفصائل، وذلك بما يشكل نقلة نوعية للمقاومة الفلسطينية التي ستتمكن في الضفة بالإضافة لغزة؛ من تحقيق إنجازات تعيد المشروع الإسرائيلي خطوات إلى الوراء، كما حصل في انتفاضة 2000 وما بعدها.

ومن الأهمية بمكان حصول هذا البرنامج على الدعم العربي والإسلامي، فضلا عن إمكانية انطلاق مقاومة من الأردن ولبنان وسوريا، بعد تجاوز الصعاب التي قد تواجهها في هذه الدول.

قد يقول البعض إن هذا الكلام حالم وغير موضوعي، ولكننا نحيله هنا إلى انتفاضة 1987 التي جاءت بعد أن أحاطت بالقضية ظروف التجاهل من الأنظمة، وخنوع كبير للشعوب، وانطلاق انتفاضة 2000 وسط عملية سلام كان يعول عليها الشيء الكثير، وبروز ثورات في العالم العربي ونجاحها في أكثر من بقعة، لدرجة أنها أوشكت على تغيير وجه العالم العربي لولا التآمر عليها وإفشالها في مهدها من دول مشروع الثورة المضادة.

تطور فارق

وفي هذا السياق، نلحظ أن أي تطور فارق بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان؛ سيكون مرتبطا بالفعل الجماهيري والحراك الشعبي، وخصوصا في الداخل المحتل ودول الطوق. وبالقدر الذي ينجح فيه هذا الحراك في المنطقة بالقدر الذي يكون فيه التغيير الدراماتيكي فيها، فيتحول الفعل الجماهيري من مجرد حراك شعبي يتوقف عند الحدث ويتلاشى تدريجيا، إلى حركة منظمة تتصدى للموقف الأمريكي وتعمل على إفشاله على الأرض، وتعمل على التأثير في مواقف الأنظمة لتغيير مواقفها من واشنطن، وإلا فتغييرها هي نفسها.

وإن نجح الحراك الشعبي المنظم، فقد تكون له تأثيرات مهمة، ليست سياسية فقط، وإنما في بنية الأنظمة، كمقدمة لتغيير شامل يستعيد الثورات التي وقعت في 2011، مع الاستفادة من أخطائها ومحاولة تصحيحها وتجاوزها.

أضف تعليقك