• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لن تتوقف حمامات الدم في مصر طالما بقي هذا النظام الغاصب للسلطة.. لسبب بسيط، هو أنه يعتاش على هذه الدماء، ويحسن توظيفها لصالح بقائه، وتشويه خصومه السياسيين، والتخلص منهم بتصفيتهم جسديا، حتى لو كانوا محتجزين في معسكراته الأمنية؛ كما فعل بالأمس مع عدد من الشباب الذين كان بعضهم معتقلا لدى الشرطة بالفعل، ومنهم الشاب الطبيب عز الدين مصطفى، المقبوض عليه منذ 73 يوما، بعد أسابيع قليلة من زواجه، والذي لم تترك أسرته بابا إلا طرقته لمحاولة التعرف على مكان احتجازه قبل أن تسمع خبر مقتله في اشتباكات مزعومة مع الشرطة في إحدى المزارع.. وهو أسلوب اعتادت عليه الداخلية لتغطية فشلها الأمني، والذي كان أحدث مظاهره جريمة الاعتداء على كنيسة حلوان التي قتل فيها 10 من رجال الشرطة والمواطنين، ومع ذلك كرم وزير الداخلية رجال الشرطة على ما وصفه بنجاحهم في مواجهة الإرهابيين، ثم لم تمر 24 ساعة حتى ثأر لفشله بطريقته الخاصة؛ من أولئك العزل المحتجزين لديه.

فشل.. فإحباط.. فتصفيات!!

أصبح واضحا للجميع الآن أن الجهاز الأمني المصري يمر من فشل إلى فشل في مواجهة العمليات الإرهابية، وهذا الفشل ينعكس إحباطا على الروح المعنوية لمنتسبي جهاز الشرطة والعمليات الخاصة.. لخ، فيقود إلى مزيد من العجز والفشل. ولمواجهة هذا الإحباط المتزايد، تقوم وزارة الداخلية بتصفية بعض من تحتجزهم لديها دون أن تعترف بوجودهم، والذين يطلق عليهم قانونا "المختفون قسريا"، والذين تتقدم أسرهم ببلاغات للنيابة والجهات المختصة، وتفعل الشيء ذاته المنظمات الحقوقية والمحامون، للكشف عن أماكن احتجازهم، دون جدوى.. ليس ذلك فحسب، بل يقوم النظام بتنفيذ أحكام إعدام صورية صدرت عن محاكمات هزلية لم تتوفر فيها أدنى درجات النزاهة والعدالة. وتتعامل السلطة مع المحكومين بالإعدام كرهائن سياسيين لديها؛ تقوم بتنفيذ الحكم في مجموعة منهم انتقاما لبعض العمليات الإرهابية التي تفشل في مواجهتها، وكانت أبرز مظاهر ذلك؛ تنفيذ حكم الإعدام بحق 15 معارضا سياسيا قبل أيام، ردا على العملية المسلحة التي استهدفت وزيري الدفاع والداخلية في مطار العريش، وأسفرت عن مقتل مدير مكتب وزير الدفاع وقائد طائرته، وتفجير تلك الطائرة التي كانت ستقل الوزيرين. كما سبق للسلطة أن نفذت الإعدام بحق ستة شباب ضمن ما عرف بخلية عرب شركس، يوم 17 أيار/ مايو 2015، رغم أن ثلاثة من المتهمين سبق القبض عليهم قبل وقوع الجرائم المنسوبة إليهم بمدد تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر، كما كان أحدهم دون سن الثامنة عشر، وهو ما يمنع تنفيذ الحكم عليه قانونا.

 تلجأ أحيانا بعض الأنظمة الديكتاتورية إلى تصفية خصومها المسالمين حين تعجز عن مواجهة خصومها المسلحين، في محاولة منها لتحسين الثقة لدى ضباطها وجنودها، وكذا عموم الفئات الشعبية المتعلقة بها، وفي نفس الوقت لمحاولة التأثير على الحركات المسلحة لوقف عملياتها؛ حفاظا على أرواح أولئك المسالمين العزل، وهو مالا تلقي له تلك الحركات المسلحة بالا أصلا، بل إن الكثير من تلك الحركات يسوي بين القتلة من رجال الشرطة والمقتولين من المعارضين السياسيين السلميين، والذين تعتبرهم عوائق في طريقها لتحقيق مشروعها عبر العمل المسلح.

سبق لنظام جزار إسبانيا، الجنرال فرانكو، أن استخدم هذا الأسلوب لتصفية معارضيه من حركة إيتا الانفصالية؛ التي نفذت العديد من العمليات المسلحة ضد حكم فرانكو أثناء معركتها ضده. وقد أنشأ نظام فرانكو قوة سرية خاصة هي منظمة الغال، وكانت مهمتها هي تصفية القيادات السياسية لحركة إيتا ردا على أي عمليات مسلحة لها تقتل خلالها بعض رموز النظام أو رجال الشرطة. لكن نظام فرانكو لم يكن بالفجر والفجاجة التي تتعامل بها وزارة الداخلية المصرية؛ التي لم تلجأ لمجموعة عمليات سرية، بل تقوم بتصفية المعارضين علنا في الطريق العام، أو تقتل الأسرى المختفين قسريا المحتجزين لديها، والذين تبقيهم كرهائن لتصفيتهم عند اللزوم، ردا على أي عملية مسلحة. وللعلم فإن  أسلوب التصفيات الذي استعارته سلطة السيسي من نظام الجنرال فرانكو قد فشل في إسبانيا، حيث تضاعفت العمليات المسلحة منذ منتصف الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات تقريبا خلال الفترة التي نشأت ونشطت فيها منظمة "الغال" الحكومية السرية، ولم تتوقف العمليات المسلحة لحركة إيتا إلا في العام 2011، بعد تسوية سياسية بين السلطة والحركة، كما أن الكثير من السياسيين الذين تورطوا في تأسيس تلك المنظمة الانتقامية، أو حتى كانوا يعرفون بوجودها دون أن يحاولوا منعها، تعرضوا لمحاكمات وعقوبات جنائية بعد ذلك.

كيف الخروج؟

حين يتعامل أي نظام بعيدا عن القانون فإنه يفتح الباب واسعا لخصومه ومنتقديه ومناهضيه أن يسلكوا الطريق ذاته، ولا يجدوا أي غضاضة في ذلك، بل يجدون حواضن شعبية لهم، وبداية الطريق الصحيح لمواجهة الإرهاب ووقف نزيف الدماء هو تطبيق العدل بين الجميع، وإعادة الحقوق المغتصبة لأصحابها، واحترام إرادة المصريين، وحقهم في العيش الكريم، وفي الحرية والكرامة والعدالة، وهي المبادئ التي رفعوها في ثورتهم في يناير 2011، وقد استكثر الجنرالات الطغاة بقيادة السيسي على الشعب المصري أن يحكم نفسه بنفسه، واستكثروا عليه ثورته ضد حكمهم العسكري، فنزعوا كل عناصر الحرية والكرامة والعدالة منه؛ لأنهم لا يقبلونه سيدا بل مجرد عبيد تابعين. ورغم إدانتي الكاملة للإرهاب وقتل المصريين إلا أن الواقع يقول إن هذا الحكم العسكري الغاشم، وممارساته اللإنسانية ضد المصريين ،هي التي توسع دوائر الإرهاب وتعقد مهمة مواجهته. وخبرة الحكم المدني القصيرة في مصر بعد ثورة يناير؛ تؤكد أن الإرهاب ينحسر كثيرا في ظل الحرية التي تسمح لكل صاحب رأي أن يعبر عن رأيه بحرية بكل السبل القانونية المتاحة، وبالتالي لا يحتاج إلى استخدام العنف والإرهاب.

 

 

أضف تعليقك