الصواريخ التي يطلقها الحوثيون على السعودية, تطور جديد في المواجهات التي تشهدها المنطقة، ورغم أن السلطات في المملكة أعلنت اعتراض الصاروخين اللذين أطلقا على الرياض فإن خبراء الصواريخ الأمريكيين الذين درسوا صور الأقمار الاصطناعية وتسجيلات الفيديو والمعلومات التي وفرتها أجهزة المخابرات أعلنوا أن الصاروخين أفلتا من منظومة باتريوت وسقطا على الأرض.
التقييم الأمريكي الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” حول استهداف مطار الملك خالد وقصر اليمامة أكد فشل باتريوت في اعتراض الصواريخ التي أصبحت سلاحا خطيرا، خاصة مع اتساع دائرة الحروب في المنطقة العربية وتعدد القوى المنخرطة فيها، ما بين جيوش نظامية ومليشيات ومجموعات عرقية وطائفية.
لقد أصبحت الصواريخ سلاحا تخشاه دول العالم خاصة بعد الحروب الأخيرة التي أكدت عدم وجود سلاح مضاد يعترض هذه القذائف التي تسير مئات الكيلومترات في دقائق قليلة، حاملة مئات الكيلوجرامات من المتفجرات إلى أهدافها العسكرية والمدنية.
لقد حولت عمليات التطوير المستمرة للصواريخ ذاتية الدفع (الباليستية) لزيادة المدى وحجم الرأس المتفجر، ودقة التوجيه نحو الأهداف، ومضاعفة سرعتها، إلى سلاح ردع مخيف نظرا لإمكانية حملها رؤوسا تحوي مواد كيماوية وبيولوجية ونووية.
ظهر خطر الصواريخ في حرب الخليج عام 1991 عندما استطاع الرئيس العراقي صدام حسين تطوير برنامجه الصاروخي وأطلق العشرات من صواريخ سكود على القوات الأمريكية شمالي السعودية، وأكثر من ثلاثين صاروخا على المدن الإسرائيلية.
تسببت الصواريخ العراقية في مقتل 28 جنديا أمريكيا في الظهران وإصابة العشرات، ونشرت الفزع بين جنود التحالف الدولي، وسقطت الصواريخ فوق رؤوس الإسرائيليين ولم يكن من طريقة للهروب منها غير الاختباء في الملاجيء تحت الأرض.
فشل باتريوت
فشل نظام باتريوت الذي حظي بحملة دعاية واسعة في وسائل الإعلام في صد صواريخ صدام، وأجمعت تقارير الخبراء العسكريين الأمريكيين بعد انتهاء الحرب على إخفاق منظومة باتريوت في اعتراض صواريخ سكود.
وأكدت تقارير البنتاجون أن النسبة الأقرب إلى الصواب هي أن منظومة باتريوت نجحت في إسقاط 80 % من الصواريخ التي أطلقت على السعودية في نطاق المظلة التي كانت تغطيها وفشلت في إسقاط الصواريخ التي سقطت في المناطق غير الخاضعة لمجال تغطيتها.
وأكدت تقارير تقييم المنظومة فشل باتريوت في اعتراض 50 % من الصواريخ التي أطلقت على المدن الإسرائيلية والتي توجد في مجال انتشاره.
ملخص التقارير أن باتريوت لم يكن فعالا في مواجهة صواريخ سكود، وهذا الفشل جعل وزير الدفاع الأمريكي الأسبق؛ ديك تشيني بعد أن وضعت الحرب أوزارها يطالب الكونجرس برصد ملايين الدولارات لتطوير باتريوت وتمويل مشروعات جديدة مضادة للصواريخ.
صعوبة الرصد
فور انتهاء حرب الخليج, زعم القادة الكبار للتحالف سواء كانوا من العسكريين أو السياسيين، مثل الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش, ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق جون ميجور, أن قوات التحالف استطاعت تدمير بطاريات صواريخ سكود المتحركة، وتم تقديم إحصاءات بذلك أعدها الطيارون البريطانيون والأمريكيون الذين شاركوا في القصف، وأكدوا ذلك بإعداد رسوم توضيحية بعدد منصات الصواريخ المتحركة التي تم تدميرها وأماكنها، لكن المفاجأة كانت بعد عام واحد من انتهاء الحرب عندما صرح متحدث باسم البنتاجون بأنه لا يوجد حصر دقيق لعدد المنصات المتحركة التي تم تدميرها!
لقد بدا واضحا أن طائرات التحالف دمرت العديد من الشراك الخداعية وشاحنات ليس لها علاقة بصواريخ سكود، وقد وضح هذا الأمر بجلاء أثناء شرح الجنرال شوارتسكوف؛ القائد العسكري لحرب الخليج لشريط فيديو، إذ تبين أن منصات الصواريخ التي قال إنها دمرت ما هي إلا شاحنات لنقل الوقود.
وأكدت وثائق تقييم الحرب أن المفتشين الذين زاروا غرب العراق لم يجدوا أثرا لمنصات سكود المدمرة في المواقع التي أشارت إليها مخابرات التحالف، بل إن 28 منصة ثابتة في مواقع بغرب العراق لم يدمر منها سوى 14 منصة فقط!
تفكيك صواريخ صدام
الدراسات العسكرية عن حرب الخليج أشارت الى أن قوات التحالف لم تكن على استعداد للتعامل مع التهديد الذي تشكله المنصات المتحركة للصواريخ، فقبل الحرب لم يدرس القادة العسكريون للتحالف ابتداءً من الجنرال تشوارتسكوف ومن هم دونه هذا التهديد بشكل كاف.
لقد انصب القليل من الجهد على ضربات جوية لمحطات الإنذار الأرضية, وأحجم التحالف عن إرسال قواته الخاصة داخل العراق للعثور على منصات سكود، واعتمدوا على أجهزة المراقبة المتقدمة مثل الأقمار الصناعية وصور طائرات الاستطلاع، وهذه تستطيع أن تحدد مواقع منصات الصواريخ الثابتة ومنشآت تصنيع الصواريخ، ولكنها لا تستطيع تحديد أماكن منصات الصواريخ المتحركة المختبأة في دشم الطائرات الحصينة وجراجات السيارات تحت الأرض وفي مجمعات المصانع.
صواريخ غزة
الحروب الثلاث للكيان الصهيوني مع غزة أكدت أهمية الصواريخ كسلاح ردع، ورغم ما تملكه “إسرائيل” من أسلحة متطورة إلا أنها فشلت في حروبها مع الفلسطينيين وعجزت عن تحقيق أهدافها، وخسرت أمام الصواريخ الفلسطينية، واضطرت لوقف العدوان من جانب واحد لتجنب الضغط الشعبي وعدم تحمل الإسرائيليين للحياة في الملاجيء والمخابيء فترة طويلة.
في عام 2005 أجبرت الصواريخ شارون على الانسحاب من غزة وإعلان الهروب، تحت القصف المستمر على المعسكرات والمستوطنات داخل القطاع، ورغم المدى القصير للصواريخ وضعف القوة التدميرية فإنها مثلت تهديدا لم يتحمله جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وواصلت حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية تطوير صواريخها لتحقيق التوازن مع المحتل، واستطاعت مع الوقت أن تفرض معادلة جديدة استطاعت أن تقلب الموازين العسكرية وتحقق الردع اللازم لوقف العدوان الذي كان يجري بشكل متكرر بدون تكلفة عالية.
لقد كشفت الحروب في غزة عدم قدرة الكيان الصهيوني على مواصلة القتال في ظل تساقط الصواريخ الفلسطينية كالمطر فوق المستوطنات والمعسكرات الإسرائيلية، وبلغت الثقة لدى قادة المقاومة في الحرب الأخيرة على غزة عام 2014 أنهم كانوا يعلنون مقدما عن موعد قصف تل أبيب والقدس وكانت الصورايخ تصل إلى أهدافها أمام أعين سكان فلسطين الذين كانوا يقفون على أسطح المنازل، والعالم أمام الشاشات لرؤية هذا المشهد الجديد الغريب!
صواريخ قطر
هذه الأهمية للصواريخ دفعت كل دول العالم لتطوير هذا السلاح إلا العرب الذين فرضت عليهم الولايات المتحدة حظرا لصالح الكيان الصهيوني، وطاردت الإدارة الأمريكية البرامج الصاروخية في بلاد العرب، وفرضت حصارا عليهم ومنعتهم من التعامل مع كوريا الشمالية حتى لا يأخذوا منها تقنية الصواريخ، لكن الصراعات المستحدثة في المنطقة دفعت البعض لشراء هذا السلاح للدفاع ومواجهة العدوان.
ومع الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات على قطر واستعداداتهما للعدوان العسكري قامت الدوحة مضطرة بشراء الصواريخ للدفاع عن وجودها ضد هذا الخطر الذي لم يكن في الحسبان من دول شقيقة, لكن رب ضارة نافعة، ورب مصيبة تأتي من ورائها مكاسب استراتيجية.
لقد نشر الإعلام الأمريكي عن مفاجأة في الاحتفال باليوم الوطني لقطر وهي ظهور الصواريخ الصينية الباليستية SY-400 قصيرة المدى والتي اشترتها قطر من الصين لتحقيق الردع ضد أي عدوان من الذين تركوا المواجهة مع الأعداء الحقيقيين ويبحثون عن معارك حرام مع الأشقاء وتنفيذ الأجندة الإسرائيلية.
لقد أفشل التعاون العسكري التركي مع قطر خطط السعودية والإمارات لعمل عسكري، وتأتي هذه الصواريخ القطرية لتنهي مجرد التفكير في العدوان وتبدد الأوهام التي تتناقض مع الثوابت العربية والاسلامية ولا تتفق مع العقل والمنطق السليمين.
كنا نتمنى أن يكون للعرب برامجهم لتطوير وتصنيع الصواريخ للدفاع عن أنفسهم، ولتحقيق التوازن أمام التفوق الإسرائيلي وكسر الحصار الأمريكي الغربي المفروض عليهم، لكن جاءت الحروب والصراعات المفتعلة، التي تقف خلفها الدوائر الصهيونية، لتجبر العرب – تحت الإكراه – على البحث عن المنظومات الصاروخية الدفاعية، لكن للأسف لردع الأشقاء!
ومع هذا فإن التدافع الذي نراه اليوم في إطار الخطة الإسرائيلية بمعاونة ترامب لتقسيم العالم العربي (سايكس بيكو 2) قد تقلب السحر على الساحر وتدفع العرب للبحث عن تسليح أنفسهم للحفاظ على وجودهم وتخطي عقدة الخوف وكسر الحصار المفروض على الأسلحة الصاروخية، ونتمنى أن ينتقلوا من مرحلة الشراء وتمويل مصانع الغرب والشرق إلى أن تكون لهم برامجهم المحلية في عالم لا يرحم الضعفاء.
أضف تعليقك