• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

التسريبات التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز، لأحد ضباط المخابرات المصرية يوجه فيها مقدمي برامج شهيرة لتهيئة الرأي العام المصري لقبول قرار الرئيس الأمريكي ترامب بنقل سفارة بلاده في الكيان الصهيوني إلى القدس، ليست مفاجأة لنا، فالسيسي ربيب الكيان الصهيوني، ولا يستطيع أن يفعل ما يغضبه، بل هو أحرص على فعل ما يرضيه ليحافظ على دعمه له الذي بدأ منذ اللحظات الأولى لانقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، وربما قبل ذلك. وحتى مشروع القرار الذي تقدم به مندوب السيسي في مجلس الأمن لإدانة قرار ترامب؛ كان واضحا أنه بترتيب مع الأمريكان، وحتى الصهاينة، بحيث يتم رفض القرار، وهو ما حدث بفيتو أمريكي.

للتذكير، فقد قدم مندوب السيسي في مجلس الأمن القرار ولم يشر إلى خصومة فيه مع الولايات المتحدة، وهو ما كان سيحرمها من استخدام حق النقض وفقا لقواعد عمل المنظمة الدولية.

التسريب، وإن لم يكن الأول من نوعه، إلا أنه كاشف وفاضح للسيسي؛ الذي استمرأ خداع المصريين بمعسول الكلام عن رفضه لنقل السفارة الأمريكية للقدس، وتقدمه بقرار لإدانته في مجلس الأمن، وهو ما صدقه أنصاره الذين لا يزالون يعيشون أوهامه، بينما لم يصدقه غالبية المصريين الذين اكتشفوا تلك الأوهام مبكرا، حتى قبل ظهور هذه التسريبات.

صدور التعليمات من المخابرات لمقدمي ومعدي البرامج؛ أصبحت مسألة روتينيية في مصر منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو. ولعلنا نتذكر التسريب الشهير للواء عباس كامل، حين كان مديرا لمكتب المشير السيسي، وزير الدفاع، والتي أذيعت يوم 19 كانون الثاني/ يناير 2015، لكنها كشفت خطة وتوجيهات اللواء عباس كامل للإعلاميين لحشد الرأي العام خلف السيسي في الانتخابات الرئاسية 2014، وإيهام الرأي العام بأن هناك مؤامرات تحاك ضد السيسي، وتشارك فيها أطراف كثيرة وشخصيات كبيرة، رغم أنه هو الذي ضحى بنفسه من أجل الشعب إلخ!!

لم نكن بحاجة لاكتشاف أن هناك تعليمات مكتوبة أو شفهية تقف خلف المعالجات الإعلامية في بعض القضايا، فتخرج الصحف اليومية بعنوان موحد مثل "مصر تستيقظ"، أو تجد مقدمي برامج "التوك شو" يكررون كلمات وجمل بعينها؛ تأتيهم رأسا من مكتب اللواء عباس كامل الذي أصبح عمليا المسؤول الأول عن توجيه الإعلام في مصر، ومتابعة أدائه، متخطيا حتى الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة التي تتواصل بحكم تخصصها مع الإعلام لإبلاغه بأخبار القوات المسلحة المصرح بنشرها.

هذا هو واقع الإعلام المصري اليوم، تحت الهيمنة الكاملة لعباس كامل ورجاله، لكن الغريب أنه رغم انصياع وسائل الإعلام المصرية لتلك التعليمات الشفهية والمكتوبة (اسكريبت) لسلطة السيسي، إلا أن هذه السلطة لم تقنع بذلك، وعمدت إلى وضع يدها بشكل مباشر على معظم القنوات المؤثرة، بل وتأسيس قنوات جديدة لتكون هي رائدة الإعلام في مصر، كما حدث في تأسيس مجموعة قنوات "دي إم سي" التابعة مباشرة للمخابرات، عبر شركة دي ميديا، والتي تملك راديو 9090، واشترت أيضا قناة الناس التي كانت أشهر قناة سلفية قبل الانقلاب، وجرى إعلانها ضمن قنوات معارضة أخرى يوم الانقلاب، ولكن بعد شرائها تم تعيين الدكتور علي جمعة، المفتي السابق، ليكون رئيسا لها، وليصبح نجومها من علماء السلطة المعروفين، بدلا من الشيخ أبو إسحاق الحوني ومحمد عبد المقصود ومحمد حسين يعقوب وخالد عبد الله.

وقد شهد العام 2017 تسابقا مخابراتيا للاستحواذ على أكبر عدد من القنوات عبر استخدام السيف أو الذهب، فتم إجبار رجل الأعمال السيد البدوي على بيع مجموعة قنوات الحياة بميلغ مليار 400 مليون جنيه لشركة فالكون التي تمتلكها المخابرات الحربية، وذلك على غرار ما فعلته من قبل مع رجل الأعمال نجيب ساويرس الذي أجبر على بيع قناته "أون تي في " لشركة إعلام المصريين التي تملكها المخابرات العامة (وإن كان يرأسها ظاهرا رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة)، والتي انتقلت ملكيتها لصندوق إيجل كابيتال مؤخرا. ولم يكتف هذا الصندوق - الذي تأسس حديثا وأسندت رئاسته لوزيرة الاستثمار السابقة وزوجة محافظ البنك المركزي داليا خورشيد - بذلك، بل قام بالاستحواذ الكامل على شركة إعلام المصريين، فيما وصف بأكبر صفقة بلغت قيمتها 6,8 مليار جنيه. وهذا هو الكلام الرسمي المنشور، لكنه لا يعكس الواقع الفعلي، فشركة إعلام المصريين لم تكن مملوكة لرجل الأعمال أبو هشيمة، حتى وإن كان ظاهرا هو رئيسها، بل كانت مملوكة لتلك الجهة الأمنية، وبالتالي، فإن ما حدث من استحواذ صندوق إيجل كابيتال - المختص بإدارة استثمارات المخابرات - عليها، هو مجرد مناقلة صورية؛ سجلت هذا الرقم على الورق، ربما لتسوية بنود مالية لا نعلم عنها شيئا، وربما كانت أموالا من معونات دول الخليج التي بلغت 40 مليار دولار لسلطة الانقلاب في العام الأول له.

تدير المخابرات المصرية حاليا بشكل مباشر، عبر واجهاتها المدنية، أكثر القنوات مشاهدة، وهي شبكة قنوات الحياة و"سي بي سي" و"أون تي في" و"دي إم سي"، والنهار، والعاصمة، والناس، ومجموعة من الصحف والمواقع الشهيرة، مثل اليوم السابع وصوت الأمة ودوت مصر ومبتد، وتسعى حاليا لشراء المزيد من القنوات مثل القاهرة والناس وغيرها.. وكل ذلك حتى تبسط هيمنة تامة على الإعلام الخاص، فيما يشبه التاميم الناعم له، تنفيذا لرؤية المشير السيسي للاصطفاف الإعلامي خلفه، والذي تمنى أن يكون مثل إعلام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر. لكن ما لم يقله رجال السيسي، أنهم خائفون من أن يشب هذا الإعلام الخاص عن الطوق، ويوجه سهامه إلى السيسي نفسه، سواء بقناعة ذاتيه من ملاكه، أو عبر توجيهات وتمويلات خارجية، كما حدث إبان حكم الرئيس مرسي. ولا ينسى السيسي ورجاله "قرصة الأذن" التي وجهتها له تلك القنوات في انتخابات 2014، حين أظهرت اللجان الانتخابية خاوية من الناخبين، ما دفع السلطات لتمديد الانتخابات يوما إضافيا؛ لحشد بضع آلاف من الناخبين يسترون بها عورتهم.

تسريب ضابط المخابرات أشرف الخولي، الذي يوجه فيه مقدمي البرامج لتهيئة الشعب لقبول نقل عاصمة الكيان الصهوني إلى القدس، نموذج جديد للتلاعب بالعقول، وتسويق الأوهام، والجرائم بحق الوطن والشعب وبحق الأمة. وبغض النظر عن التشكيك في شخصية صاحب التسريب، ومحاولة غسل المخابرات منه، إلا أن ذلك لا ينفي أبدا صدور تلك التعليمات والتوجيهات بطرق متنوعة.. حافظوا على عقولكم ولا تسلموها لأذرع السيسي يرحمكم الله.

 

 

 

 

أضف تعليقك