لقد تمخضت ( عبقرية ترامب واستقراره النفسي) فولدت تغريدة نارية يهدد فيها الفلسطينيين بتقليص المساعدات المالية الأمريكية لهم، وذلك كعقوبة لهم على رفضهم الاستجابة لإملاءاته بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات متجاهلا ما سببه إعلانه المشؤوم من تداعيات عليها وعلى المنطقة ومستخفا بمشاعر ومواقف الفلسطينيين والعرب والمسلمين وكل أحرار العالم . وعليه فقد قام طاقم خاص من البيت الأبيض ببحث إمكانية وقف المساعدات المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(الأونروا) والتي تصل لحوالي 300 مليون دولار سنويا ، أي ما يعادل ثلث ميزانية الوكالة.
لم تتوقع (عبقرية ترامب) أن يتسبب هذا القرار الموجه لإذلال الفلسطينيين بحالة من الإرباك لمن أراد مغازلتهم وهم حكومة اليمين في إسرائيل ، والتي ظهرت كمن يريد أن يكبح جماح هذا القرار مما شكل مثالا مهما لما ستؤول إليه الأمور ،في حالة تصادم (عبقرية ترامب) مع حسابات المصالح الإسرائيلية ، و ذلك بعكس حالة التوافق الكامل مع إعلان ترامب المشؤوم.
على الرغم من أن تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين بالطريقة التي تم فيها إعلان ترامب المشؤوم هو مطلب ومصلحة إسرائيلية واضحة ، إلا أن توقيت وطريقة القرار لم تلائم الإسرائيليين ، بل وشكلت دليلا آخرا على طريقة تفكير الرئيس ترامب الغير مستقرة ، والمتعلقة بقضية إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بشكل خاص (وخطة القرن) بشكل عام والتي يظهر فيها بوضوح تأثير اليمين الأمريكي المتطرف ،والذي يرى بضرورة القضاء على ( أكذوبة وجود شعب فلسطيني) مما يتطلب دمجهم مع الأردن ومصر ، وقد تمثلت روح اليمين هذه بما أشار إليه مؤلف كتاب نار وغضب "مايكل وولف" من كلام ستيف بانون (ستكون على حق أكثر كلما كنت يمينيا أكثر في كل ما يتعلق بإسرائيل ).
لقد واجه توجه ترامب لقطع المساعدات مشكلة المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني بشكل عام واللاجئون الفلسطينيون في غزة بشكل خاص ، حيث يتواجد 1،348،536 لاجئ فلسطيني من اصل حوالي 5،340،443 لاجئ فلسطيني في العالم، إضافة إلى أنه سيمس بحوالي 702 مدرسة فلسطينية منها 267 في قطاع غزة ، أي أنه سيمس بالدرجة الأولى بقطاع غزة وليس بالضفة الغربية، حيث يتمتع أبو مازن بسيطرة أمنية وسياسية واضحة نسبيا، بعكس قطاع غزة، وبالتالي فلن يعاني أبو مازن من ضغط خاص بسبب هذا التوجه إن تم.
وبناء على ذلك فإن التقديرات الأمنية الإسرائيلية ستقف حاجزا أمام اندفاعة وتسرع الرئيس ترامب فقد نقلت صحيفة هآرتس 5-1 بأن وقف المساعدات الأمريكية سيزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية لسكان قطاع غزة ، في وقت تبحث فيه إسرائيل عن خيارات وبدائل لتخفيف هذه المعاناة، والتي تعتبرها جزءا من أمنها القومي لأنها تشكل تهديدا من حيث كونها دافعا وسببا أساسيا لأي مواجهة عسكرية شاملة تسعى إسرائيل لتجنبها بكل الوسائل مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
لقد قررت إسرائيل وبناء على مصالحها الأمنية وبعكس التوجهات العبقرية لترامب ، التراجع عن قرارها السابق واتخاذ موقف جديد يقضي بتزويد القطاع ب 120 ميجا واط لترتفع عدد ساعات الكهرباء إلى 6-8 ساعات يوميا ، ومن المتوقع أن يطرح مجلس الأمن القومي الإسرائيلي خطة لمتابعة تخفيف الوضع الإنساني في غزة كي لا تنفجر الأمور في وجه إسرائيل وفق كل التقديرات.
من الواضح أن ترامب و بتكراره خطوة تصعيدية أخرى ضد الفلسطينيين إنما يرسل لهم ولغيرهم رسائل متعددة ، ومن أهمها مدى إصراره على البقاء سيدا وراعيا للحلول والتسويات في مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وذلك في ظل المواقف الضعيفة التي أظهرتها القيادة الفلسطينية الرسمية ، وردود الفعل المحدودة لإعلانه المشؤوم وبالتالي فهو قوي على الفلسطينيين وعلى كل ضعيف بعكس تراجعاته المتكررة في الموضوع الإيراني والكوري الشمالي.
كما أكد قراره بتقليص المساعدات استمرار تمسكه بتقديم خطة كبيرة للمنطقة ، قد بدت معالمها بصورة أوضح ، حيث تقوم على فرض الحلول التصفوية على الطرف الضعيف ، حيث أكد ترامب بتغريداته الدورية أنه "نجح في إزالة موضوع القدس عن جدول أعمال المفاوضات " ويبدو أنه يتوجه الآن لإزالة موضوع مركزي آخر وهو قضية اللاجئين الفلسطينيين، وليحل بذلك المشكلة الفلسطينية بما يخدم اليمين في إسرائيل.
من المتوقع أن يبحث طاقم ترامب عن خيارات بديلة لتقليص المساعدات بشكل يمس الشعب الفلسطيني ويضغط على السيد أبو مازن ، دون أن يمس بالمصالح الأمنية الإسرائيلية، مما يؤكد أن تراجع ترامب عن قراراته هو أمر ممكن طالما توفر الرد الفلسطيني والعربي الإسلامي الملائم لذلك، بمعنى آخر فإن ترامب قد تراجع بشكل أو بآخر عن مسألة الأونروا بسبب خوفه وحلفائه من ردة فعل المقاومة الجدية على ما قد يسببوه من زيادة المعاناة الإنسانية في القطاع ، أما في حالة ترامب المشؤوم فيبدو أنه مستمر في سياساته على الرغم من تهديدات السيد أبو مازن باستخدام مختلف أنواع الأسلحة التي توفرها له "عملية السلام ".
أضف تعليقك