• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

منذ سنوات غير بعيدة ..

أتذكر بكل فخار حينما زُرت وقابلت جدتنا المجاهدة الثابتة الملهمة للغاية الجدة القوية الحاجة "زينب الكاشف" -رحمة اللًه عليها- رفيقة القدوات الثائرات المجاهدات الأُول "زينب الغزالي وأمينة قطب" في أقبية ودهاليز السجن الحربي المشؤوم ..

كم أتذكر حديثنا وحكاياها المتوقدة البليغة التي امتلأت بأشد الألم الممتزج بالثبات والصمود والتحدي لذلك العهد الطاغوتي المقبور !

كم أتذكر أعمق التفاصيل وأدق الجوانب التي سردتها بصوتها الضعيف خيوطا القوي المزلزل عن تلك المحنة النازفة التي ماانقطع نزيفها لأن تتصل بمحنة الإنقلاب الآنية !

أتذكر حينما قاطعت حديثها الغض بإستفسارات كثيرة مالبثت أن أشعلت رأسي صخبا وجلبة، لأن أسألها بتساؤلي المرتبك: "هل ستتكرر محنة 56 ثانية جدتي !"

فإذا بها -رضي الله عنها وأرضاها- تنظر لي بحدة وهي تجيبني: "أو عجزنا عن الجهاد وبذل الدماء في نصرة الحق .. أوَ أخافتنا صرخات التعذيب في سجون الظالمين .. أو ارتعبت بناتنا ونساؤنا من تحدي الطغاة، أو عقمن من إنجاب الأفذاذ الماحين لظلم الطواغيت .. الصراع مستمر لقيام الساعة" !

كان حديثا عجيبا بفرحة وأنين مكتوم لما سمعته من أحداث وملمات عظام مرت بتاريخ تلك الدعوة الراسخة رسوخ الرواسي ..

كان حديثا ولقاءا مافارقتني خباياه منذ وقته؛ ولأتذكره مرارا منذ أن عصفت بنا محنة الإنقلاب الدموي المشؤوم ..

لقد صدق حدس جدتي- أو ارتعبت بناتنا ونساؤنا من تحدي الطغاة !

كيف ترتعب بناتنا وأمهاتنا وقد كان فينا وبيننا ذوات صـبر وجلد وتحدي وثبات غير معهود، بل ورقي في عمق الإيمان ونبل العطاء في تحدي بؤرة المحنة القاسية التي أتت من كل فج ..

كيف ترتعب بناتنا وصديقاتنا وفينا كا"أبـرار" ورفيقاتها من زوجات المعتقلين

أو المختفين قسريا !

نـعم إنها "أبـرار" صديقتي النقية التقية جميلة المحيّا ونبيلة الأخلاق ..

حينما عرفتها- عرفتها بصدق ورقي في حوارها وألم شديد مدفون بدواخلها، برغم تلك الإبتسامة البريئة الراضية التي تعلوها..

عرفتها- بأنها زوجة معتقل منذ مايقرب من أربعة أعوام ثِقال، زوجة معتقل طبيب

زوجة معتقل سُجن ظلما وبطشا كبقية إخوانه !

سُجن غدرا وقهرا فقط، لأنه كان متواجدا في أرض النقاء والدماء "رابـعة"،

كيف له أن يتواجد وأن يحاول جاهدا أن ينقذ شبابا وشيبا بتلك المهنة الراقية التي تدارسها لأعوام ! ..

كيف له أن يكون " طبيب ميداني" ! تلك جريـمة يُعاقب عليها ويُحبس حبس إحتياطي لعدة سنوات !!

ووسط طوفان الألم والوجع وعذابات إنتظار خروج الزوج المحب من خلوة إعتقاله الذي يحاصر "أبرار" ومثيلاتها النقيات الكثيرات في مؤامرة عالمية دينية من أجل محو إسم الإسلام من فوق خريطة الشرق الأوسط ..

وقفت "أبرار" ومثيلاتها على طول مصر وعرضها في ثبات بالغ وتحدي جسور لما يُحاك ضدهن ولأزواجهن من صلف وغطرسة مقيتة لطخت بالعار سواد بالأيدي الإنقلابية المتوحشة، أو بالصمت المزري المشين الذي لزمته عديد منظمات حقوق الإنسان الدولية من مختلف التوجهات !

وقفت "أبـرار" لم تفقدها قسوة المأساة توازنها، ولا زعزعت إيمانها الصارم بواجبها تجاه زوجها الثابت في زنزاته، ولا تجاه زهرواتيها الصغيرتين اللاتي  إحداهما تفتحت عينيها البريئتين ولم ترى أبيها بجوارها يُهدهد نومها في مهدها..

ولا تلك "ياسمينة" التي كان قلبها النقي أكبر من عمر طفولتها وهي تجاهد مع أمها قسوة ذلك الوطن المتعطش للفراق !

لعله يوما يقطع ذلك البُعاد ويوصلهما بغائبهما في غيبات السجون وصالا لا إنقطاع بعده أبدا بقوته وقدرته ..

تلك "أبـرار" الصيدلانية الأستاذة الجامعية المتميزة في عملها، التي مافتأت تشارك هذا الوطن بعلمها وتنشر زخات من الأمل لعلها تُمطر بريكات من إنفراجات مديدة تنتظر منها خلاصا وحريـة ..

كانت تنتظر مع كل جلسة محاكمة ظالمة أن تُنبئها -ولو مُزاحا كاذبا- أنه يوم النطق بالخروج والعودة لما كانا عليه سابقا ولما تآلفا معه سويا ..

ولكن يأبى القابع على كرسي القاضي والمأتمر بأمر العسكري الظالم إلا أن يُؤجلها أياما وشهورا، بل وسنينا ..

سنون عجاف باردات تمر ثقيلة بطيئة كريهة مذاق الحياة بها، تمر محملة هموم وأوجاع وخبايا مبكية موصدة خلف كل باب بيت معتقل طال غيابه !

ماذكرته عن ماتعانيه صديقتي ومثيلاتها الرائقات الثابتات في عز الإبتلاء والإنكسار، إنه غيض من فيض لمعاناة عوائل أسر المعتقلين اللائي وجـب علينا

حق الواجب الآن، إستنفار أكبر دعم إعلامي وحقوقي ومجتمعي ثوري راقي لإيضاح الصورة الكاملة المنسية لهؤلاء العظام التي يخبئها ويطمسها الجبابرة الجالسون على عرش الوطن المنكوب !

وليجب مساندة هؤلاء الزوجات والفتيات الصغيرات العليّات اللاتي خُضن معترك النصرة للحق ومازلن ثابتات في جمر البلايا .. يجب المساندة ولو بتوعية من ظلّ جاهلا بقضية المعتقلين والمختفين قسريا !

وها أنا إذ أهُدي تلك الصورة المشرقة لجهاد وتضحية الفتاة المسلمة في زماننا الآني لا بالخطب الجوفاء ولا بالشعارات البراقة، بل بالإخلاص المطلق وبالتضحية الراقية ..

فنحن نستبشر بهذا الأمل البازغ بين الظلمات، إذ قد أفرزت محنة الإنقلاب الدموي ورب ضارة نافعة - طرازا من النساء- تقتفي أثر أختها في صدر الإسلام

خديجة وأسماء والرميضاء.

أضف تعليقك