• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: سليم عزوز
وقطعت «الجزيرة مباشر» قول كل خطيب؛ إذ قالوا «الجمل طلع النخلة»، فكان لسان أدائها في برنامج «المسائية»، يوم الأربعاء الماضي يقول: «هذا هو الجمل وهذه هي النخلة»!

ففي هذا اليوم كان الموعد مع الجزء الثالث من تسريبات «نيوريوك تايمز»، التي جعلت أهل الحكم في مصر، ومن ينحازون لهم، سكارى وما هم بسكارى، فقد أنكروا منذ الوهلة الأولى أن تكون «التسريبات» صحيحة، فهذا لا يمكن أن يكون أداء ضابط في جهاز المخابرات الحربية، ولا بد أن تكون، بالتالي، بفعل فاعل، وقد قالوا أين ما يفيد استجابة القوم لتوجيه ضابط المخابرات الحربية؟!

وتكمن المشكلة هنا أن أحداً لا يحتفظ بـ «الأعمال الكاملة» لـ «عزمي مجاهد»، و «مفيد فوزي»، وغيرهما ممن يعملون في التقديم التلفزيوني، أو من الفنانات، ممن «وردت أصواتهن» في «التسريبات»، لكن «الجزيرة مباشر» قطعت الشك باليقين في ليلة طويلة، وجاءت بفيديوهات تؤكد صحة هذه التسريبات، وهو جهد يُذكر فيُشكر، وإذا كانت استاذة العلوم السياسية، «ناهد عز الدين»، قد اقترحت أن تكون «التسريبات» موضوعاً لأبحاث علمية، فإن هذه الحلقة توفر على الباحثين الكثير!

يوجه ضابط المخابرات الحربية «عزمي مجاهد»، إلى الهجوم على أمير قطر، وعلى القمة الخليجية، فتعرض «الجزيرة مباشر» المذكور وهو يستجيب للأمر المخابراتي، بفيديو من حلقة لبرنامجه على قناة «العاصمة»، ويتصل «الضابط أشرف» بـ «جابر القرموطي» لكي يصدر له توجيهاً بالحديث الإنساني عن الرئيس اليمني في يوم مقتله، فيخبره أنه في الراحة، وأنه يوم «خالد صلاح»، فتعرض «المسائية» فيديو من حلقة «خالد صلاح»، وهو يعزف على النغمة نفسها، وهكذا في ليلة تفوقت فيه «الجزيرة مباشر» على نفسها، وإن كان الضيوف الذين مثلوا سلطة الانقلاب واصلوا مهمة الإنكار، ببجاحة منقطة النظير، مع هذا التلبس بالجريمة.

لا يوجد ضابط اسمه أشرف

أول من أنكر صحة التسريبات، كان «فلتة عصره»، الرئيس الجديد لهيئة الاستعلامات «ضياء رشوان»، الذي قال لا يوجد ضابط في المخابرات الحربية اسمه «أشرف الخولي»، وفي اليوم التالي قال إنه تواصل مع صحافي «نيوريوك تايمز»، وأنه أخبره أن الأمر التبس عليه، وأنه وقع في خطأ نتيجة حسن النية، و»ضياء» مثالاً للموظف، الذي يهمه أن يرضي رئيس المصلحة الحكومية التي يعمل بها، غير مكترث بأن كلامه يفتقد للمنطق، فلم يوضح من الذي أخبره بأنه لا يوجد ضابط في «الحربية» يحمل هذا الاسم، ولم يقل للرأي العام، ولماذا لم ينشر صحافي «نيويورك تايمز» ما قاله لـ «ضياء»؟!، فالشاهد أن الجريدة بعد هذا الإعلان من قبل «ضياء رشوان»، أكدت تمسكها بصحة تسريباتها!

ومن الواضح، أنه لم يكن أمام القوم سوى الإنكار، فمع بث أجزاء جديدة من التسريبات، كان الإنكار هو سيد الموقف، وقد فقدت السلطة صوابها فترنحت، وهي في وضع الترنح، قالت إن الصحافي الاخواني «سامي كمال الدين» هو من قام بدور الضابط «أشرف الخولي»، واعتقدت كما اعتقد «سامي»، أن من قال هذا الكلام هو المذيع «نشأت» على قناة «تن»، لكن «الجزيرة مباشر» قدمت إثنين غيره من مقدمي البرامج، أحدهما ذكره اسمه تصريحاً، واكتفى الثالث وهو «محمد الغيطي» بذكره تلميحاً، وحدث هذا في ليلة واحدة، على نحو كاشف بأن هذا الإعلان تم بتوجيه لمن قالوا ذلك!

دعك من أن صوت «أشرف الخولي»، يختلف تماماً عن صوت «سامي كمال الدين»، كما دعك من وصفهم لصاحبنا بالصحافي الاخواني، وهو ليس اخوانياً، فالإعلام السيساوي قال إن أوباما عضو في التنظيم الدولي للاخوان، لكن اللافت أن النظام العسكري في مصر، بات يفتقد مهارات التلفيق التي تميز بها عن أقرانه في المنطقة، فلماذا يكون التوجيه بأنه «سامي كمال الدين»، ولنفترض أنه «سامي»، فهل يليق بالدولة الأمنية القائمة في مصر، أن يلعب بها صحافي اخواني «كرة شراب» في «حواري السيدة»، ولا ترى أن هذا يمثل اهانة لها، وجرحا لكبريائها العسكري، في ظل حكم «الدكر»؛ هازم التتار وموحد القطرين؟!

الضابط إمام

مع الجزء الثالث من التسريبات، الذي تم بثه يوم الأربعاء، كانت الأمور واضحة تماماً، فلم يتوقف الأمر على مجرد حوار بين «عزمي مجاهد» والضابط «أشرف الخولي»، لكن ظهرت شخصية جديدة، هو ضابط الأمن الوطني «إمام»، وإذ اشتكى «عزمي» من تضييق مدير القناة، القادم من شركة الحراسات «فالكون»، عليه، فقد طلب «أشرف» من «إمام» التدخل، وجاءت مكالمة جديدة بين «أشرف» و»عزمي»، تفيد أنه قد تدخل فعلاً، وأنه التقى به في مدينة الإنتاج الإعلامي، فهل كان كل هذا وهم؟!

رغم كل هذا فقد استمر شر الدواب في الإنكار، رغم أنهم ليس لهم في العير أو في النفير، لكنهم يقدمون أنفسهم للسلطة على أنهم «في الخدمة»، وهى لا تلتفت إليهم ورغم أربع سنوات قضوها في اثبات الولاء العذري، فلا نشاهد أحداً منهم ضيفاً على أي برنامج تلفزيوني على أي محطة تلفزيونية في الداخل المصري!

مما قيل في اليوم الأول لهذه التسريبات للتأكيد على عدم صحتها، إن هذا الأداء لا يليق بضابط بالمخابرات الحربية، ولا أعرف ما هي معلوماتهم عن صنف الضباط؟ فقد ظننت في البداية أن مجمل معلوماتهم عن «الضباط» تتمثل في ضباط أقسام الشرطة، حيث السب والشتم، لكن في اليوم التالي، كان أداء «أشرف الخولي» يليق بفئة الضباط هذه، فوصف ضباط المخابرات العامة بأوصاف يعاقب عليها القانون، واستخدم مفردات في التعامل ترتقي به إلى طبقة الشبيحة، فلما واصلوا الانكار، اعتقدت ان فكرتهم عن كفاءة الضباط، مستمدة من «أفلام نادية الجندي»، و»نشكركم على حسن تعاونكم معنا»، لكني أدركت سريعاً، أن هذه الدراما كانت عن ضباط العامة، الذين تعامل معهم الضابط «أشرف الخولي» باستهانة واحتقار!

الذين واصلوا الانكار، تساءلوا عن قيمة هؤلاء الإعلاميون، فهم ليسوا مؤثرين، حتى ينشغل بهم ضابط المخابرات الحربية بهذا الشكل، وسخر «عمرو أديب» من التعامل مع «عفاف شعيب»، وتساءل عن قيمتها؟ ولأنها بلا قيمة فعلاً، فقد اعتبر أن هذا دليل على فبركة التسريبات!

وهي محاولة المناقشة بالمنطق، في أوضاع تفتقد إليه، فالإعلاميون غير المؤثرين يليقون بالقامات المنخفضة لأهل الحكم، الذين كانوا كليمهم من قبل هو «توفيق عكاشة»، وهو الشخصية التي وثقت فيه أجهزة الثورة المضادة، لدرجة أنهم كانوا يعتبرونه خير من يقوم بتوصيل رسالتهم، وكان هو «ميكروفونهم»، وكاتم أسرارهم، وكان يحاضر في رجال الجيش، وقد اعترف بهذا كله بعد الانقلاب العسكري، لكن تكمن مشكلته في ظنه أنه شريك في الحكم فكان لا بد من إبعاده، وسلطة ترى أن «أحمد موسى» هو عبقري زمانه هي سلطة تفتقد لمواصفات الحكم الرشيد، فيكف لا يُصدق أن يكون «حساسين» و»عزمي»، هم ركنين من أركانها؟!

اختيارات المرحلة

لقد كان أمام قائد الانقلاب العسكري، فرصة لأن يجتبي ويختار، ومن انحاز لانقلابه، كانوا اعلاميين لهم حضورهم ومن أول «يسري فودة»، إلى «حافظ المرازي»، نهاية بـ «باسم يوسف»، ومروراً بـ «محمود سعد»، و«دينا عبد الرحمن»، فاختار «حساسين» و«عزمي» وست البنات كيداهم «أماني الخياط»، بجانب إعلاميي مرحلة مبارك، ومن «عمرو أديب» إلى السيدة حرمه «لميس»، مروراً بـ «أحمد موسى» و«تامر أمين»!

وقد كتبت مبكراً، أن عبد الفتاح السيسي سيتخلص من «حمامه القديم»، لأنه لا يثق إلا في من ليس لهم ولاءات سابقة، سواء لنظام، أو لأجهزة، أو لدول، ومن ليست لهم خلفية سياسية أو فكرية، فأذرعه الإعلامية لابد أن تكون من مستوى «مجاهد» و»حساسين»، والسؤال عن مدى تأثيرهم ينبغي أن يواجه به السيسي وليس خصومه، ويمثل دليلا على ضحالة أهل الحكم، وليس قرينة تستخدم للانكار!

والأمر ينطبق على القول بعدم تأثير الفنانات لنفي ارسال التوجيهات إليهم، فهذا أمر يوجه لأهل الحكم في ظل النظام العسكري، الذين دأبوا منذ انقلابهم الأول في سنة 1952، على توظيف الفنانات في مهام الحكم الوظيفية ما ظهر منها وما بطن، فليس الأمر جديداً، وعندما قامت ثورة يناير 2011، قام نظام مبارك باستدعاء الفنانين والفنانات لمهمة تثبيت أركانه، والتأكيد على أنه يحظى بقبول الجماهير!

واللافت أن «عفاف شعيب» على وجه التحديد، لها سوابق في ذلك، عندما قامت بمداخلة في إحدى القنوات، في الوضع «متشحتفة»، وهي تقول إن حفيدها، يشتهى «البيتزا»، ومشويات «ريش»، وكيف أن الثورة وحظر التجول حال دون تحقيق رغبته، وكانت الملاحظة أن حفيدها طفل، لم يفطم بعد، ولا يملك أسناناً أو معدة، لطحن أو هضهم «البيتزا» أو «الريش»، وهذا ليس موضوعنا الآن!

وقد خرج نقيب الممثلين «أشرف زكي» على رأس مجموعة من الممثلين والممثلات من بينهم «حسن يوسف» وزوجته «شمس البارودي»، للتظاهر ضد الثورة، وكانت معهم «يسرا»، التي اتصل بها الضابط «أشرف الخولي»، ونقل إليها توجيه الدولة من قضية اعتبار ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، ويتمثل هذا التوجيه، في استنكار القرار، وتبريره كأمر واقع!

ولم ينس الضابط «أشرف» أن يخاطب «يسرا» بالفنانة، فشكرا يا فنانة، سلام يا فنانة، وهو ما قال عمرو أديب أنه سلوك يليق بعامل سينما، وهل لديه تصور لثقافة السادة الضباط؟ وربما كانت كل أحلامه «أشرف الخولي» أن تلتقط له صورة سيلفي مع يسرا، ولا نعرف من أي نبع ثقافي نشأ ليخاطب بألقاب أخرى، وهو المرتبك حد أنه ينسى اسم «عفاف» فيخاطبها باللقب: «أستاذة شعيب»! وإذا كان السيسي هو مدير سابق للمخابرات الحربية، فكيف يكون حال مرؤوسيه، والضابط «أشرف الخولي» يبدو عبقري بجانب السيسي، الذي يعجز طيلة أربع سنوات عن صك جملة مكتملة الأركان، مكونة من فعل، وفاعل، ومفعول به!

اللافت أن الانكار من النائحة المستأجرة، ومن المتطوعين الذين يبحثون عن منافع لهم لدى لا سلطة وعن عرض قريب وسفر قاصد بدون كلل أو ملل، في حين أن المخابرات الحربية كجهة رسمية لم تنف أن الضابط يتبعها!

لقد ضربت التسريبات الأخيرة سلطة الانقلاب في مقتل، فلم تفعل سوى الانكار، في وقت لم يعد فيه الانكار مفيداً

لقد أحيط بها من كل جانب

أضف تعليقك