• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

عقدت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد مؤتمرًا صحفيًا، السبت الماضي، وصرحت فيه بأن معدل النمو الاقتصادي المستهدف في العام المالي الحالي (2017/2018) ارتفع إلى ما يتراوح ما بين 5.3 و5.5%، وأن النمو المتوقع في الربع الثاني يتراوح ما بين 5.2 و5.3%، والمستهدف في العام المالي المقبل 6%، وهذا ليس جديدا في ظل توقعات سابقة لوزير المالية عمرو الجارحي؛ بأن معدل النمو الاقتصادي في السنة المالية الحالية سيكون ما بين 5 و5.25%.

وقد جاءت المبررات لتلك التوقعات بارتفاع معدلات النمو من خلال تصريحات حكومية أوعزت ذلك لتراجع معدلات التضخم الشهري في كانون الأول/ ديسمبر بنسبة 0.2%  مقارنة بشهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، وارتفاع الإيرادات السياحية بنسبة 123.5% في عام 2017، لتبلغ نحو 7.6 مليارات دولار، مع زيادة أعداد السياح الوافدين إلى البلاد بنسبة 53.7%، إلى نحو 8.3 مليون سائح، وارتفاع تحويلات المصريين في الخارج بنسبة 5.8% في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي إلى2.2 مليار دولار، مقارنة بـ2.1 مليار دولار خلال تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال الفترة من تموز/ يوليو إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 بنحو 2.4 مليار دولار، لتسجل نحو 10.4 مليارات دولار، مقابل نحو 8.1 مليارات دولار خلال ذات الفترة من العام المالي السابق.

والناظر بصورة مبدئية لتلك البيانات؛ يلاحظ عدم تجانسها زمنيا، وترقيعها بصورة تجميلية، وإخفاء الحقائق. ولنبدأ بمعدل التضخم فوفق بيانات البنك المركزي المصري، فقد انخفض معدل التضخم انخفاضا شهريا بلغ 0.21 في المئة في كانون الأول/ ديسمبر 2017، مقابل ارتفاع بلغ 0.97 في المئة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017.

وانخفض المعدل السنوي العام للتضخم ليسجل 21.9% في كانون الأول/ ديسمبر، مقابل 25.98 في المئة في تشرين الثاني/ نوفمبر، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

وفي ذات الوقت، سجل الرقم القياسي لأسعار المستهلكين، المعد من قبل البنك المركزي المصري، انخفاضًا شهريًا بلغ 0.37 في المئة في كانون الأول/ ديسمبر 2017، مقابل ارتفاع بلغ 1.31 في المئة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، وانخفض المعدل السنوي للتضخم الأساسي ليسجل 19.86 في المئة في كانون الأول/ ديسمبر، مقابل 25،54 في المئة في تشرين الثاني/ نوفمبر.

والتغني بانخفاض معدل التضخم ما هو إلا تزييف وتضليل، فالانخفاض في حقيقته لا يرجع لعوامل اقتصادية سوية، بل يرجع لطريقة احتسابه، وكون سنة الأساس الخاصة به في شهر كانون الأول/ ديسمبر الذي يلي شهر تعويم الجنيه مباشرة.

فالتعويم بدأ في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016. ومن ثم فهذا الانخفاض انخفاض شكلي. ولكشف حقيقة التضخم - مع تحفظنا أصلا على نسبته المنشورة - ينبغي الاعتماد في سنة الأساس على الشهر السابق للتعويم، أو حتى متوسط معدلات التضخم في العام السابق للتعويم.

ولو نظرنا لمعدل التضخم في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، وفق البيانات الرسمية، نجد أنه بلغ 10.6 في المئة، وهو ما يعني ارتفاع التضخم في كانون الأول/ ديسمبر 2017 بنحو 11.3 في المئة؛ عما هو عليه في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، وبنسبة زيادة تزيد عن 106 في المئة.

كما أن التغني بزيادة إيرادات قناة السويس هو نتاج للتخفيض المتوالي في رسومها، وكل ذلك من أجل تعجيل الإيرادات حتى لو على حساب الصالح العام.. تلك القناة التي تغنوا بتفريعتها وما تدره من مليارات، ولم نجد منها سوى زيادة الأعباء، وانخفاضا مستمرا للإيرادات، وضغطا مستمرا على الدولار. فكان من نتيجة ذلك وباء التعويم الذي لم يرحم بويلاته صغيرا أو كبيرا.

كما أن التغني بزيادة الإيرادات السياحية وتحويلات المصريين بالخارج والصادرات، هو عرض لجانب وإهمال لجوانب أخرى، وتزيين للأرقام دون ذكر مآلتها. فهذا نتاج طبيعي لتعويم الجنيه وانخفاض سعره وضياع وجوده، وهو ما زاد من حدة التضخم بصورة لا تطاق، حتى اكتوت جموع المصريين بنار الأسعار، وذابت الطبقة المتوسطة، وبات الفقر مظللا في كل مكان، فضلا عما نتج عن ذلك من زيادة فاتورة الدين الخارجي، وجعل ثروات مصر ومستقبل أبنائها مرهونا لغيرها، حتى يمكن القول إنه لو وضع ما يتغنون به من زيادات في كفة وآثار التضخم وحدها في كفة أخرى؛ لغلبت كفة التضخم.

كما أن التغني بمعدل النمو هو نفس الأسطوانة التي كان يتغنى بها مبارك من قبل، حيث كان يتغنى بمعدل نمو 7 في المئة في وقت كان الشعب فيه لا يجد أثرا لهذا المعدل على مستوى معيشته، فكيف الحال في عصر الجنرال الذي يوزع على الشعب الفقر والقهر والغلاء بالليل والنهار باسم مصلحة المواطن!!

إن عجلة التنمية التي يجرها الجنرال ومن معه؛ هي امتداد للعجلة التي كان يجرها حكام مصر الجنرالات من قبله، ولكن بصورة أسوأ، وهي عجلة عفا عليها الزمن وأكلها الصدأ وأعطبها الظلم. وشتان اقتصاديا ما بين معدل النمو والتنمية، فالتنمية الاقتصادية تعرف بأنها تغير هيكلي يؤدي إلى زيادة معدل نمو الدخل أو الناتج القومي الحقيقي، وهي بذلك تتفق مع النمو الاقتصادي في أن كليهما يعني زيادة الدخل أو الناتج القومي الحقيقي، إلا أنها تتطلب شرطا إضافيا وهو التغير الهيكلي في النشاط الاقتصادي. ومن ثم، فإن التنمية بذلك تعني تغييرا نوعيا في بنية الاقتصاد؛ يتأتى بتنوع وتعدد الأنشطة الاقتصادية، والمكانة المتزايدة التي يأخذها تدريجيا قطاع الصناعة، والصناعة التحويلية بالذات. ويقاس النشاط الاقتصادي بحجمه أو بهيلكه. ويعبر عن حجم النشاط الاقتصادي الدخل القومي أو الناتج القومي، وكذلك حجم القوة العاملة المستخدمة في الاقتصاد. أما هيكل النشاط الاقتصادي، فهو يعكس توزيع النشاط الاقتصادي بين القطاعات الرئيسة من صناعة وزراعة وخدمات. وبذلك يتضح أن التغير الهيكلي هو شرط أساس لتحقيق التنمية، وهو الذي يميزها عن النمو الاقتصادي. وهذا التغير الهيكلي يرتبط تحقيقه بعدد من السنوات، أي في الأجل المتوسط والطويل.

فما قيمة ارتفاع معدل النمو؛ وهذا الارتفاع يصب في جيوب الكبار ولا يجد جموع الشعب سوى الفقر والغلاء والحرمان؟! وما قيمة ارتفاع معدل النمو في اقتصاد ريعي لا يعرف للإنتاج الحقيقي سبيلا؟! وما قيمة ارتفاع معدل النمو والتخلص من العمالة بات هدفا للجنرال؟!

إن تجميل حكم الجنرال بالأرقام الاقتصادية المزيفة من أجل انتخابات مزيفة؛ لا ينطلي على أحد، فالأرقام التي لا تعكس واقع معايش الناس هي أرقام مزيفة وبيع للأوهام في سوق المغفلين، خاصة ونحن نرى بأم أعيننا أن الداء الاقتصادي قد استشرى، واتسع الخرق على الراقع، ولا أمل في الدواء بيد هؤلاء.. فاليد الباطشة لا يمكن أن تقيم اقتصادا أو تحقق تنمية.

 

 

أضف تعليقك