• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بعد أن صفعت الإدارة الأمريكية، العرب والمسلمين على وجوههم بقرار رئيسهم المشؤوم باعتبار القدس عاصمةً أبديةً موحدةً للكيان الصهيوني، تريد بصفاقةٍ وقلةِ ذوقٍ وانعدامِ لباقةٍ من الدول العربية عموماً ومن السلطة الفلسطينية على وجه الخصوص، أن تستقبل نائبه خلال زيارته الجارية إلى المنطقة، وأن يحسنوا استقباله، ويكرموا وفادته وأن يبشوا في وجهه، وألا يُبدو أمامه غضبهم أو استنكارهم لسياسة رئيسه وقراراته المشينة.

بل إنه ترامب يحذر من مغبة عدم استقباله والإساءة إليه، ويلوح بعصاه الغليظة وعقوباته الاقتصادية، مهدداً الدول التي تغلق أبوابها في وجهه، أو تلك التي تطالبه بالاعتذار عن مواقفه والتراجع عن خطواته، ولعله يتوقع من الحكومات العربية أن تخضع له أو تخاف منه، فتخف لاستقبال نائبه وترحب به وتهيئ له الفرق الفنية العسكرية لاستعراضها وتوجيه التحية له.

إنها صفاقةٌ غريبةٌ، وسياسةٌ عجيبةٌ، وعنجهيةٌ غير مسبوقةٍ، تلك التي يحاول الرئيس التاجر, ورجل الأعمال المقامر, والمضارب الغر أن يفرضها علينا، ويمليها على حكوماتنا وشعوبنا دون إرادتنا، وكأنه بالأمس القريب لم يرتكب جرماً! إنه يريد منا بكل بساطةٍ أن نضحك للقاتل، وأن نشكر المجرم، وأن نرحب بالظالم، وأن نفتح الأبواب للغاصب، وأن نعترف للسارق بشرعية ما سرق وقانونية ما نهب، وأن نكون عبيداً للمتآمر يأمرنا فنطيع وينهانا فننتهي.

علم الرئيس الأمريكي وإدارته التي رصدت سفاراته في دول المنطقة الأوضاع العامة، وراقبت عن كثب حالة الغضب والاحتقان، والثورة والانتفاضة ودعوات المقاومة والقتال، ورفعت تقاريرها العامة إليه، أن شعوب المنطقة العربية والإسلامية غاضبة، وأنها غير راضية عن سياسته، ما دعا الرئيس الأمريكي وإدارته إلى تأجيل الزيارة أكثر من مرة، وأرسل موفدين سريين إلى حكومات الدول العربية المنوي زيارتها، يطالبها بتسهيل مهمة نائبه وحسن استقباله، حفظاً لكرامته وهيبته، وتأكيداً على قوته وسيادته، وإلا فإنه وإدارته سيكون في موقفٍ حرجٍ قد يدفعه إلى اتخاذ قراراتٍ أخرى أشد وأقسى، وأكثر تطرفاً وانحيازاً!

ماذا يريد مايك بينس أن يقول للعرب والفلسطينيين؟ هل جاء ليعزيهم بالمصاب، أم ليقنعهم بالقدر ويطالبهم بالتسليم به؟ أم أنه جاء لينعى إليهم قدسهم ومقدساتهم، ويؤكد لهم خبر الوفاة التي لا حياة بعدها؟ وأن عليهم أن يسلموا بالأمر الواقع ويبحثوا عن الخيارات والبدائل، وألا يجمدوا حياتهم ويوقفوا مستقبلهم على ما كان لهم، ما  عاد لهم وقد آل إلى غيرهم، وعليهم أن يقبلوا بهذا شاؤوا أم أبوا؟

لعل هذا هو لسان حاله ورئيسه، فهذه هي معايير القوة ومحددات الغلبة والتفوق، والعرب والفلسطينيون ضعفاء لا يملكون القوة للتغيير ولا الإرادة على التحرير، فلماذا يطالبون من القوي أن يخضع لهم، ويستجيب إلى طلباتهم، ويؤدي لهم الحقوق التي يدعون أنها لهم؟!

واضحٌ أن نائب الرئيس الأمريكي جاء إلى المنطقة رغماً عن أهلها، وبالضد من إرادتها، ولهذا ينبغي على الحكومات العربية والإسلامية جميعها، أن تكون حاسمةً في موقفها، وقاطعةً في قرارها، وأن تقف إلى جانب خيارات شعوبها، وأن تعبر عن إرادتها وتترجم مواقفها إلى سياساتٍ واضحةٍ،  وأن تصر على معارضتها للقرار الأمريكي، ومقاطعتها للإدارة الأمريكية، وأن تؤكد على وقف الحوار والتواصل معها، وعدم التعاون أو الاشتراك معها في مشاريع المنطقة، أو في البرامج المعدة والمناورات المشتركة، حتى تعود عن قراراتها وتتراجع عن مواقفها.

تدرك الإدارة الأمريكية بكل مؤسساتها السياسية والأمنية والعسكرية، بعد قرار رئيسها أنها لم تعد موضع ثقةٍ من قبل الشعوب العربية والإسلامية، وأنها لم تعد أبداً تصلح للوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين فيما يسمى بعملية السلام، فالولايات المتحدة باتت طرفاً في الأزمة وجزءاً من الصراع، ولم تعد فقط حليفةً للكيان الصهيوني، وإنما أضحت جزءاً منه، تنطق باسمه وتعبر عنه وتحل مكانه، ولهذا يجب على الأنظمة العربية ألا تساهم في إنقاذ هذه الإدارة التي غرق مركبها الذي غاص في عمق مياه المنطقة، ولا يصح أبداً أن تمدَ لها حبل النجاة،  فقد حكمت الإدارة الأمريكية على نفسها بالشطب من الصورة وألغت دورها من العملية، وعليها أن تتحمل نتائج قرار رئيسها الأرعن.

وليعلم قادة الأمة العربية والإسلامية أن الحياة وقفة عز وساعة شرف، وأن من يقبل الإهانة، يعش أبد الدهر ذليلاً مهينا، وأن الموت تحت ظلال السيوف أشرف ألف مرةٍ من الموت ذليلاً في الفنادق والقصور، فهل يقبلون أن يكونوا قطيعاً أمام هذا الكاوبوي، يسوقهم بالعصا ويوجههم بالسوط، ويسوقهم إلى المسلخ ليذبحهم متى شاء، أم يثوروا لكرامتهم وكرامة شعوبهم؟ فهذا وقتٌ يظهر فيه الرجال ويبرز فيه الفرسان، فنحن أبناء أمةٍ أعزها الله بالإسلام، ورفع قدرها بالقرآن، وطهرها أرضها وقدَّس بقاعها وديارها ببيوته الحرام، فلا والله لا نعطي الدنية في ديننا، ولا نقبل المهانة لمقدساتنا.

أضف تعليقك