• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

حين تحشد الإدارة الأمريكية مواقفها باتجاه دعم الكيان الصهيوني دون تردد، فإنما يأتي ذلك من خلال الإيمان بحتمية وجود هذا الكيان وتفوقه على محيطه، ضمن تفكير سياسي وعقائدي مرتبط بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

تصريحات نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس أمام الكنيست؛ لم تأت بجديد على صعيد مواقف الإدارة المتصهينة. فقد أكد بنس أن بلاده ستنقل السفارة الأمريكية للقدس خلال عام 2019، وذلك في إطار القرار الذى أعلنه الرئيس الأمريكي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.

تصهين يشمل المنطقة

فهذا التصريح هو جزء من قرار ترامب؛ الذي يتشكل في شقه الآخر بالضغط على قيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للعودة غير المشروطة لطاولة المفاوضات مع الإسرائيليين.

وجاءت تصريحات نائب الرئيس الأمريكي بعد زيارة محفوفة بالتوتر مع الأردن، إذ أبلغه العاهل الأردني في العاصمة عمّان؛ بأن "القرار الأمريكي حول القدس لم يأت في إطار تسوية شاملة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويمثل مصدرا محتملا لعدم الاستقرار في المنطقة".

وأكدت صحيفة الأوبزيرفر البريطانية أن دور الولايات المتحدة كوسيط سلام انتهى في المنطقة؛ بعد قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، إلا أن ذلك لم يمنع بنس من القول لملك الأردن إن أي قرار حول الحدود والوضع النهائي سيحل بالتفاوض، متجاهلا بذلك تأثير قرار ترامب بشأن القدس على العملية برمتها.

وفي هذا السياق، نفهم الموقف الأمريكي من محاولة إخضاع إيران وضرب قدراتها النووية المحتملة، وتشكيل تحالف يضم السعودية ودولا عربية أخرى؛ لمواجهتها (إيران) عوضا عن مواجهة إسرائيل.

كما نفهم توجه الإدارة الأمريكي وإسرائيل نحو إضعاف تركيا ودورها الإقليمي، وعلى الأخص محاولتها رفع سوية القرار العربي والإسلامي، واستغلال موضوع القدس في ذلك، عبر الاستمرار في دعم المتمردين الأكراد في سوريا، واستغلالهم في محاولة إضعاف شوكة تركيا وامتداداتها داخل الإقليم.

بين ترامب وبنس

ومن خلال زيارة بنس للكيان الصهيوني، رأينا كيف يتكامل دور الإدارة الأمريكية في دعم الكيان الصهيوني في أسوأ تجلياته السياسية والعقائدية. فترامب الممعن في اليمينية ضمن التيار المتشدد في الإدارة الأمريكية؛ حرص على إحاطة نفسه بعدد من المسؤولين من اليمين الصهيوني، أو الإنجيليين من المسيحيين المؤيدين لدولة العدو. وعلى رأس هؤلاء صهره، اليهودي الصهيوني جاريد كوشنر الذي عينه ترامب مستشاراً له، وأوكل إليه عملية السلام في الشرق الأوسط.

كما عين ترامب مسؤولا متطرفا آخر، هو جيسون جرينبلات، كمبعوث خاص له للشرق الأوسط، رغم أن كل مؤهلاته للمنصب هي أنه كان محاميه الأمين لسنوات طويلة!!

ويعتبر هذا الرجل مهندس صفقة القرن التي تسعى لتفكيك القضية الفلسطينية وإنهاء جذورها، عبر حل قضيتي اللاجئين والمستوطنات وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وسيناء، إضافة للاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للكيان. وهو الشخص الذي وضع الشروط التسعة لـ"أبومازن" لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، ومنها الابتعاد عن الثنائية في المفاوضات، والبدء بالحل الإقليمي، كما أنه هو الذي طالب بقطع المساعدات عن الأسرى، وعدم تحويل الأموال إلى قطاع غزة، فضلا عن تأكيده أن الانسحاب إلى حدود 1967 أمر غير وارد بالمرة.

وإلى جانب هؤلاء، عين الرئيس الأمريكي سفير بلاده لدى إسرائيل، اليهودي المتطرف ديفيد فريدمان، وهو المحامي والمستشار الخاص بترامب خلال الحملة الرئاسية، ويدعم نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس المحتلة. وخلال الحملة، عبر فريدمان، المحامي المتخصص بقضايا الإفلاس، عن دعمه لتوسيع الاستيطان في الضفة.

فريدمان معروف بعدائه لجهود حل الدولتين، ويرأس الذراع الأمريكي المسؤول عن تمويل مدرسة دينية يهودية في إحدى المستوطنات بالضفة الغربية المحتلة، برئاسة الحاخام المتشدد الذي دعا جنود الاحتلال لرفض أوامر بإخلاء المستوطنين.

وكل هؤلاء يدعمون إسرائيل باعتبارهم يهودا، إلا أن دعم بنس يأتي من خلال كونه مسيحيا إنجيليا؛ يرى أن قيام إسرائيل وهيمنتها يعجل بقدوم المسيح المخلص، والذي سيقود - وفق هذه العقيدة المسيحية - معركة "هرمجدون"، التي ستؤدي إلى الانتصار على الكفار، واتباع اليهود للمسيح، أو القتل. وهذه العقيدة لا تخدم اليهود في النهاية، ولكنها بالنسبة للصهاينة محطة في اتجاه الحصول على الدعم الأمريكي.

المواجهة المحتومة

وأمام هذا التصهين الأمريكي، وانهيار عملية التسوية وافتقاد السلام الإقليمي لأي فرصة للحل، على الرغم من اندماج السعودية ومصر فيه، تبرز الحاجة إلى موقف فلسطيني موحد يستند إلى رؤية وطنية جامعة للتصدي لخطر الهيمنة الصهيونية المدعومة أمريكيا. وفي هذا السياق، جاء خطاب رئيس المكتب السياسي لحماس ليضع النقاط على الحروف؛ حينما دعا لعقد مؤتمر فلسطيني شامل في الداخل والخارج لمناقشة استراتيجية فلسطينية تتصدى للاستراتيجية الأمريكية- الإسرائيلية لضرب قضيتنا الوطنية.

وطالب هنية، خلال خطاب ألقاه من منزله بمدينة غزة، بأن يكون تعزيز المصالحة الوطنية على قاعدة الشراكة والديمقراطية، والإسراع في إنجاز خطواتها دون عوائق وتلكؤ، وإنهاء معاناة قطاع غزة، على رأس الاستراتيجية.

ولفت إلى أهمية تلك الاستراتيجية في ظل فشل استراتيجية المفاوضات والتسوية، مضيفا أن "أوسلو أصبح خلف ظهورنا، ونريد أن نتفق على المقاومة بكل أشكالها".

التعويل يبقى على التحرك الشعبي فلسطينيا وعربيا والانتفاضة في الأراضي الفلسطينية؛ باعتبارها الحل المتبقي لمواجهة التحالف الأمريكي الإسرائيلي وتواطؤ بعض العرب

وفي المقابل، يظهر تردد للقيادة الفلسطينية وعدم رغبتها في الخروج عن إطار أوسلو، أو تحريك المؤسسات القيادية في المنظمة لاتخاذ قرارات تاريخية تتناسب مع خطورة المرحلة.

وجاء عقد المجلس المركزي لذر الرماد في العنوان، وليفشل في محاولة إيجاد إجماع وطني على القرار المستقل.

وفيما لا يبدو هنالك أمل في هذه القيادة، فإن التعويل يبقى على التحرك الشعبي فلسطينيا وعربيا والانتفاضة في الأراضي الفلسطينية؛ باعتبارها الحل المتبقي لمواجهة التحالف الأمريكي الإسرائيلي وتواطؤ بعض العرب معه.

وعلى هذا الأساس، يجب أن تتفق قوى الشعب الفلسطيني. وبدون ذلك، فيبدو أن مخطط الحل الإقليمي في طريقه للتطبيق.

أضف تعليقك