في حين دعا الرئيس الفلسطيني في كلمته أمام “مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس”، إلى زيارة العرب والمسلمين للقدس، بوصفها نوعا من الدعم، رد الأزهر بموقف آخر يستحق التوقف.
وكيل الأزهر (عباس شومان) أكد موقف “المشيخة” الرافض لزيارة القدس تحت الاحتلال؛ معتبرا أن لا مصلحة في الزيارة في ظل الوضع الراهن؛ حيث إن زيارة القدس في ظل احتلال غاشم يريد القضاء على كل المعالم الإسلامية والمسيحية والتاريخية والحضارية في المدينة، تترتب عليها مفاسد جسيمة، ومضارّ عظيمة ونتائج وخيمة، حسب كلامه.
وأشار شومان إلى مواقف رجال الأزهر وعلمائه الكبار الذين رفضوا زيارة القدس تحت الاحتلال؛ حيث رفض الشيخ عبد الحليم محمود مرافقة السادات في زيارته للقدس، وعلّق الشيخ جاد الحق الزيارة بتطهر الأرض من دنسِ المغتصبين.
وقال شومان إن “الفتوى الشرعية التي بين أيدينا إلى الآن، والتي تعضدها مواقف علماءِ الأزهر الشريف وشيوخِه الأجلاء، وكذا الموقف المشرِّف للكنيسة المصرية، هي أن زيارة القدس تحت الاحتلال متوقفة على تقدير المختصين ببلاد المسلمين للمصلحة في ذلك، فتكون جائزة إذا ما غلبت المصلحة، وممنوعة إذا غلبت المفسدة”.
وشدد وكيل الأزهر على أن الأولى بالمسلمين اليوم أن يشدوا الرحال إليها؛ لا لزيارتها تحت الاحتلال، وإنما لتحريرها بكل وسيلة ممكنة؛ فالمسلم لا يفرّط في شبر من أرض سلبها معتد أثيم، فكيف والأرضُ المغتصبة أرض الإسراء والمعراج؛ أولى القبلتين وثالث الحرمين؟”.
هذا موقف جميل ويستحق التحية دون شك، وهو ذاته موقف كل القوى الحية، والعلماء المعتبرين في العالم الإسلامي، وليس شخصا بعينه، أو جماعة بعينها.
لا يكاد الجدل حول هذه القضية يتوقف حتى يعود من جديد بسبب تصريح من هنا أو هناك، أو موقف لهذا الطرف أو ذاك، وآخر ذلك قول مسؤول فلسطيني في خطبة جمعة إن “زيارة مدينة القدس حاليا أشد وجوبا من زيارة مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة”.
قلنا مرارا ما ذكره وكيل الأزهر، إن هذه ليست فتوى تقليدية، وإنما تقدير قائم على المصالح والمفاسد، وهنا لا يجد الداعون للفكرة غير حديث دعم صمود المقدسيين، وهو ما نرد عليه دائما، بأنه لو كان تقدير الغزاة أن الأمر كذلك لمنعوا الزيارة بكل تأكيد، وما موقفهم بمنع المتضامنين الأوروبيين، وهم لا يحتاجون إلى تأشيرات أصلا سوى تأكيد ذلك.
أما دعم الصمود فلا ينبغي أن يمر من خلال مسارات تطبع العلاقة مع المحتل، ولا خلاف على أن سبل دعم الصمود كثيرة؛ لا حاجة لأن يكون من بينها السفر للسياحة في القدس وتل أبيب وحيفا ويافا. وحتى لو كان “السياح” سيمضون بعض الوقت في الضفة الغربية، فإن علاقة جماهير الأمة مع فلسطين بوضعها الحالي ليست علاقة سياحة، ما ينسحب على العلاقة مع الشعب أيضا.
لو كانت السلطة هي التي تمنح حق العبور للأراضي المحتلة وليست سلطات الاحتلال لما كانت هناك أية مشكلة، بدليل أن أحدا لم يقل إن السفر إلى قطاع غزة في الوقت الراهن بعد سيطرة المصريين على المعبر نوع من التطبيع، لكن تأشيرة السفر في الحالة التي يدعو إليها القوم إياهم ينبغي أن تصدر من سلطات الاحتلال.
لا ننسى هنا حقيقة أن الدعوة إلى زيارة العرب للأراضي المحتلة هي في جوهرها دعوة لدعم الاقتصاد الإسرائيلي، أكثر من دعم الاقتصاد الفلسطيني، لأن الأول هو من سيستفيد منها في واقع الحال تبعا لإمكاناته ولاتساع الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها (هو يسيطر عمليا على كل فلسطين باستثناء قطاع غزة من الداخل)، فضلا عن جمالياتها (وجود البحر والخدمات السياحية المثيرة فيها). ومن يتوقع أن السائح العربي سيزور القدس ورام الله ويترك حيفا ويافا وتل أبيب واهمْ. بدليل أن الرحلات السياحية التي يعلن عنها لزيارة القدس لا تشمل سوى وقت قصير في المدينة تليه جولات أخرى في المدن المحتلة عام 48.
ليس ذلك وحده هو ما يدفعنا لرفض هذه الدعوة، وإن حضر في سياق تقييم المصالح والمفاسد، فما يعنينا أكثر هو تطبيع العلاقة مع العدو، وتجاهل العلاقة العدائية معه كمحتل لهذه الأرض.
لا داعي لطرح السؤال الذي نطرحه دائما ويهرب منه أنصار التطبيع ممثلا في سبب تسهيل الاحتلال لزيارات العرب والمسلمين، مقابل منع أمثال الشيخ رائد والشيخ عكرمة وفلسطينيي الضفة الغربية من دخولها!!
أضف تعليقك