"من الذي يقاتل ضد القوات التركية في عفرين؟"، و"من الذي يقتل جنودنا المشاركين في العملية العسكرية؟"، و"من هو عدونا في الحقيقة؟".. مثل هذه الأسئلة يطرحها الرأي العام التركي منذ انطلاق عملية غصن الزيتون، ويبحث عن أجوبتها، ويدور حولها نقاش ساخن في مختلف الأوساط. وما يدفع الأتراك إلى هذا التساؤل؛ هو الدعم السخي الذي تتلقاه وحدات حماية الشعب الكردية من جهات عديدة.
الأغلبية الساحقة في تركيا ترى أن الولايات المتحدة تأتي على رأس القوى التي تواجهها تركيا في شمال سوريا، وأن وحدات حماية الشعب الكردية ما هي إلا أداة من الأدوات التي تستخدمها الإدارة الأمريكية لتحقيق أهدافها في المنطقة. وهذا الرأي ليس مبنيا على معاداة أمريكا لأسباب أيديولوجية، بل يستند إلى أدلة قوية وقرائن ملموسة.
الإدارة الأمريكية، على الرغم من التحذيرات المتكررة التي أطلقتها القيادة التركية، دعمت وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية بكل الوسائل، وساعدتها في توسيع نفوذها وبسط سيطرتها على مناطق واسعة في الأراضي السورية. وأرسلت إلى الإرهابيين حوالي خمسة آلاف شاحنة محملة بالأسلحة والذخائر، بما فيها الأسلحة المتطورة، بحجة أنهم يقاتلون ضد تنظيم داعش الإرهابي. وها هي تلك الأسلحة تُوَجَّه اليوم ضد القوات التركية المشاركة في عملية غصن الزيتون، بل ويتم استخدامها في قصف المدن التركية المتاخمة للحدود.
رئاسة الأركان التركية أعلنت، السبت الماضي، استشهاد خمسة جنود أتراك، جراء استهداف الإرهابيين دبابة تركية في منطقة "شيخ خورز"، شمال شرق مدينة عفرين. وهناك آراء مختلفة حول منشأ الصاروخ الذي استخدمه الإرهابيون ومن الذي زوَّدهم به. هل هو صاروخ أمريكي أم روسي؟ وهل حصلوا عليه من الأمريكيين أو الروس أو النظام السوري؟
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات صحفية أدلى بها قبيل زيارته لإيطاليا والفاتيكان، ذكر أن لدى السلطات التركية معلومات، ولكن التحقيقات لم تنتهِ بعد حول نوع الصاروخ الذي استخدمه الإرهابيون في استهداف الدبابة التركية، ووعد بكشف نتائج التحقيقات للجميع.
الصاروخ الذي استهدف به الإرهابيون الدبابة التركية في شمال سوريا قد يكون أمريكياً أو روسياً، أو من إنتاج أي بلد آخر، ولكن المسؤول الأول من مقتل الجنود الخمسة هو الجانب الأمريكي الذي أرسل إلى الإرهابيين خمسة آلاف شاحنة من الأسلحة والذخائر. وليس من المستبعد أن تكون بين تلك الأسلحة صواريخ مضادة للدبابات؛ تم شراؤها من بلاد أخرى، لإرسالها إلى وحدات حماية الشعب الكردية.
استطلاعات الرأي التي أجريت في تركيا مؤخرا؛ تشير إلى أن كراهية الولايات المتحدة في الشارع التركي بلغت ذروتها. وفي آخر استطلاع للرأي أجرته شركة "أوبتيمار للاستشارات والإعلان والأبحاث" التركية، أكد 71.9 في المئة من المشاركين معارضتهم للولايات المتحدة، في ردهم على سؤال "هل تعتبر نفسك معارضا لأمريكا؟"، في حين ذكر 22.7 في المئة منهم أنه "معارض نوعا ما"، فيما أجاب 5.4 في المئة فقط بأنه "ليس معارضا" للولايات المتحدة الأمريكية.
أنقرة ستستقبل خلال أيام مسؤولين أمريكيين. ومن المتوقع أن يصل مستشار الأمن القومي الأمريكي هربرت ماكماستر العاصمة التركية نهاية الأسبوع الحالي، كما سيزورها وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الأسبوع القادم. ومما لا شك فيه أن ملف عملية غصن الزيتون والتدخل التركي في شمال سوريا؛ هو الأول من بين الملفات التي سيبحثها الجانبان التركي والأمريكي خلال زيارتي ماكماستر وتيلرسون. وليس متوقعا أن تشهد العلاقات التركية الأمريكية المتأزمة أي تحسن في ظل انعدام الثقة. وهذا ما أشارت إليه تصريحات المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية، إبراهين كالين، في مؤتمر صحفي عقده الأربعاء في القصر الرئاسي بأنقرة، حيث قال إن الجانب التركي يبذل جهودا لإعادة بناء الثقة مع الولايات المتحدة، وأضاف أن إعادة الثقة بين البلدين منوطة بالخطوات الملموسة التي ستتخذها الإدارة الأمريكية على الأرض.
إن كانت الإدارة الأمريكية ترغب في إعادة الثقة بين أنقرة وواشنطن، وترميم العلاقات التركية الأمريكية، فالخطوات المطلوبة منها واضحة. ويمكن أن تبدأ بسحب الأسلحة التي قدمتها إلى وحدات حماية الشعب الكردية، من أيدي الإرهابيين، وإعادة هؤلاء من مدينة منبج إلى شرق الفرات.
أضف تعليقك