تحل اليوم الذكري المئوية لرحيل السلطان عبدالحميد الثاني عام 1918، خليفة المسلمين الثاني بعد المئة، والسلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية.
"الشرقية أون لاين" يبرز لكم جانب من حياته وفترة حكمه وعلاقاته مع اليهود وموقفه من قيام "وطن قومي" لهم على أرض فلسطين.
نشأته وحياته:
ولد السلطان عبدالحميد -رحمه الله- في سبتمبر 1842 في إسطنبول، وعندما بلغ العاشرة ماتت أمه، فقامت بتربيته زوجة أبيه وعملت على رعايته وحاولت أن تعوضه عن فقدان أمه، فتأثر بها حتى أنها أصبحت السلطانة الأم لمدة 28 سنة عند حكمه.
أجاد 3 لغات في شبابه، الفارسية والعربية بالإضافة إلى الفرنسية، كما درس الموسيقى والخط والأدب العثماني والعلوم الإسلامية كدراسة البخاري في علم الحديث، بجانب تعلمه السياسة والاقتصاد على يد وزير المعارف آنذاك.
عمل بالنجارة وكان شغوفًا بها، كما كان يحب الرياضة البدنية والفروسية.
حكمه:
تولى السلطان عبدالحميد العرش أثناء مرور البلاد بأزمات خانقة وديون خارجية، وقروض داخلية، بجانب ثورات في البلقان لعناصر قومية تريد الانفصال عن الدولة العثمانية.
ونظرًا لتسلمه عرش الدولة وهي على حافة الهاوية، عمل رحمه الله على النأي بها من أن تكون طرفًا في النزاعات العالمية، ما تسبب بفشل الدول الغربية في أن تجعل السلطان آداة لتحقيق أطماعها.
كما كان نظام التعليم متأثرًا بالفكر الغربي، فعمل على توجيه المدارس وتغيير سياستها إلى الدراسات الإسلامية بخطوات كالتالي:
1)أمر بوضع دروس في الأخلاق والفقه والتفسير في المقررات الدراسية.
2)عمل على الاكتفاء بتدريس التاريخ الإسلامي فقط.
3)استبعد مادتي التاريخ العام والأدب من المقررات الدراسية باعتبارها مرتبطة بالأدب الغربي.
كما جعل للفتيات أماكن تعليم خاصة بهن لمنع اختلاطهن بالرجال، بالإضافة إلى مهاجمته تسرب الأخلاق الغربية إلى نساء الدولة العثمانية.
أما عن علاقته بالشعوب الإسلامية، فقد عمل رحمه الله على كسب ود الشعوب والتبرع للمؤسسات الدينية والعلمية وترميم المساجد وغير ذلك من المشروعات.
وفي إطار رغبته توحيد الشعوب الإسلامية، طرح فكرة إنشاء جامعة إسلامية، وتهدف إلى دعوة المسلمين للتعاون والمشاركة فيما بينهم والاستعداد لمواجهة الاستعمار الأوروبي.
علاقاته مع اليهود:
كانت هناك محاولات كثيرة لليهود لتجميع اليهود المشتتين في بلدان عدة وإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، أولى هذه المحاولات كان في 1876م.
قدم "حاييم گوديلا" طلبًا للسلطان من أجل شراء مساحات من فلسطين وتجميع المهاجرين اليهود فيها، إلا أن السلطان رفض.
ثم جاء اليهود عقب مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897م، واتفقوا على تأسيس وطن قومي لليهود، وطالب هرتزل رئيس الحركة الصهيونية بأن تكون فلسطين هي الوطن القومي لهم.
اتصل هرتزل بالسلطان عبدالحميد أكثر من مرة ليسمح لليهود بالمرور إلى فلسطين، ولكنه طلبه كان يقابل بالرفض في كل مرة.
حاول هرتزل التودد لبعض الزعماء العثمانيين وإغراء السلطان بتقديم الهدايا والنقود مقابل موافقته، إلا أنه أصر على رفضه وقال جملته الشهيرة التي سجلها له التاريخ: "إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً فلن أقبل! إن أرض فلسطين ليست ملكى إنما هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلمون بدمائهم لا يمكن أن يباع.. وربما إذا تفتت إمبراطوريتي يوماً، يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل!".
عزله:
رأت بعض الدول الغربية والاتحاديون ضرورة التخلص من السلطان عبدالحميد، نظرًا لمواقفه من اليهود والأرمن ورفضه الانصياع لتعليمات الغرب، فدبروا أحداث "31 مارت" من شهور السنة الرومية "يقابل شهر أبريل في الميلادية"، وأحدثوا اشتباكات كبيرة في إسطنبول قتل فيها جنود من الاتحاديون والقوات العثمانية.
وعقب الاشتباكات جاءت عناصر مؤيدة للاتحاديون من سالونيك، وانضمت إليها عصابات صربية وبلغارية بزعم أنهم جاءوا لحماية السلطان، ولكنه رفض الانصياع لهم.
ووجه المتأمرون للسلطان التهم بأنه يقف خلف أحداث القتل وحرق المصاحف وأنه حرض المسلمين على قتال بعضهم البعض، وأعلنوا عزله في ذلك اليوم.
وفاته:
توفي رحمه الله في المنفى عام 1918، عن عمر 76 عامًا، بعد أن عُزل بانقلاب في 27 أبريل 1909، ووُضع رهن الإقامة الجبريَّة بسالونيك حتى مماته.
أضف تعليقك