• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

في سقطة أخلاقية غير مسبوقة، أغرقت وزارة التموين المصرية ميادين وشوارع البلاد بكميات ضخمة من الدواجن المجمدة المستوردة، دون مراعاة للاشتراطات الصحية اللازمة لتداول الأغذية الآدمية وسلامتها من الفساد. فقد عرضت سيارات وزارة الداخلية وأعداد كبيرة من الباعة الجائلين الدواجن على أرصفة الشوارع خارج ثلاجات عرض الأغذية المجمدة، وبطريقة غير أخلاقية، وقد قاربت فترة صلاحيتها على الانتهاء، فيما خفضت الوزارة أسعار بيعها من 29 جنيهًا (الدولار يساوي 17.7 جنيه) إلى 17 جنيهًا، بينما خفض الباعة الجائلون السعر إلى 12.5 جنيه.

الدواجن المجمدة قام باستيرادها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، الذراع الاقتصادي للقوات المسلحة، وفق اعتراف المتحدث الرسمي لوزارة التموين والتجارة الداخلية، وبكميات ضخمة وصلت إلى 250 ألف طن، وبمعدل 20 ألف طن في الشهر.

وبالرغم من أن الفجوة بين الاستهلاك والانتاج المحلي من الدواجن لا تزيد عن 7%، ويتم تعويضها باستيراد كمية محدودة من الدواجن المجمدة بمعدل 3 آلاف طن فقط في الشهر، فقد شاب استيراد الجهاز التابع للقوات المسلحة لهذه الكميات مجموعة من الأخطاء والتجاوزات القانونية مثل الاستيراد بالأمر المباشر، واستيراد كميات ضخمة دون تخطيط، وبمعدلات تزيد سبعة أضعاف عن الفجوة الاستهلاكية، الأمر الذي يعتبره أعضاء اتحاد منتجي الدواجن استجابة لضغوط دول أجنبية، وليس لسد فجوة حقيقية.

دعاية رخيصة

يدعي وزير التموين أن تخفيض الحكومة أسعار الدواجن من 29 جنيهًا للكيلو غرام إلى 17 جنيهًا كان نجاحًا لجهودها في تخفيض الاسعار وزيادة العرض لمصلحة المواطن، وهو ادعاء ينافي الحقيقة ويجافي الواقع الذي شهد بمسؤولية هذه الحكومة عن مضاعفة أسعار الدواجن بنسبة 300% وزيادتها إلى 50 جنيهًا للكيلو غرام العام الماضي، دون مراعاة لمصلحة المواطن، باعتراف المتحدث باسم الوزارة.

الوزير يبرر الجريمة بحرصه على مصلحة المواطن محدود الدخل، والواقع أن الوزير ما يزال يتربح من هذا المواطن المحدود ويمص دمه، لأن المجمعات الاستهلاكية التابعة لإشراف الوزير تبيع هذه الدواجن المشكوك في فترة صلاحيتها بسعر 17 جنيهًا، في الوقت الذي يعرضها الباعة بسعر 12.5 جنيه، أو الخمسة بخمسين كما يقولون، وهو سعر يقل بنسبة 32%عن الأسعار التي يفرضها الوزير.

جريمة أخلاقية

النظام يرتكب جريمة أخلاقية ويعرض صحة المواطن المصري للخطر، وهو يسمح بعرض وتداول هذه الدواجن على الأرصفة وخارج ثلاجات الحفظ، ودون شهادات المنشأ، ومن خلال أشخاص لا يحملون بطاقات صحية، وقد قاربت فترة صلاحيتها على الانتهاء، وبعضها ينتهي في نهاية شهر فبراير /شباط الجاري، وبعضها ينتهي بعد شهر فقط في مارس/آذار على أفضل تقدير، هذا بفرض سلامة الحفظ والتخزين طوال سلسلة التدوال والبيع وهو ما رأى العالم كله عكس ذلك وقد عُرضت الدواجن ملقاة على الأرصفة.

وقد شاركت أجهزة الدولة جميعها في هذه الجريمة، ومنها وزارات الصحة التموين والزراعة والصناعة والتجارة الخارجية، وكذلك مباحث التموين، والرقابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات، وما كان لهذه الجهات أن تتقاعس جميعًا عن أداء واجبها في الرقابة لولا علمهم بمسؤولية قادة الجيش عن هذه الصفقة المشبوهة.

الكارثة لم تنته عند هذا الحد، سيما أن الوزير لا يملك آلية تجبر المواطنين على استهلاك كل هذه الكميات قبل انتهاء فترة الصلاحية التي شارفت بالفعل على الانتهاء، ولا يملك كذلك أن يمنع تداول هذه الدواجن بعد انتهاء هذه الصلاحية. كما لا يستطيع الوزير أن يمنع وصول هذه الكميات الضخمة من الدواجن، بسبب رخص أسعارها وامتلاء مخازن وزارة التموين والتجار على السواء بها، إلى مصانع منتجات الدواجن وتدويرها إلى منتجات اللانشون والبورجر، ثم بيعها بتاريخ إنتاج جديد وصلاحية جديدة يزيد عن تاريخ صلاحيتها الأصلية بستة أشهر إلى عام كامل، ثم يتناولها الصغار والكبار، وقد يصاب الكثير منهم بالأمراض الخبيثة!

 

صفقة مشبوهة

في ديسمبر/كانون الأول 2016 وقعت الحكومة اتفاقية مع اتحاد منتجي الدواجن المصري لتوريد 20 ألف طن دواجن محلية بسعر 20 جنيهًا للكيلو غرام، وطرحها بالمجمعات التابعة للوزارة بسعر 25 جنيهغ، في مقابل تراجع رئيس الحكومة عن قرار إلغاء رسوم الجمارك على الدواجن المستوردة، حمايةً للمنتج الوطني. واستمرت الاتفاقية سارية حتى شهر مايو/أيار 2017، عندما طالب الاتحاد برفع سعر التوريد إلى 29 جنيهًا، بسبب غلاء الأعلاف بعد قرار تعويم الجنيه، وهو ما رفضته الحكومة بحجة المحافظة على مصلحة محدودي الدخل، وجمدت الاتفاقية.

وبعد تجميد الاتفاقية، أبرمت الحكومة اتفاقية غير مسبوقة مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع للقوات المسلحة، ليس لشراء الدواجن من السوق المحلية، ولكن لاستيراد الدواجن المجمدة من أوكرانيا والبرازيل وتوريدها بالأمر المباشر إلى وزارة التموين، بالمخالفة لقوانين مناقصات السلع التموينية المعمول بها في استيراد القمح والسلع التموينية.

وبالتزامن مع الاتفاقية الجديدة، قررت الحكومة في 15 مايو الماضي، وقبل شهر رمضان، زيادة سعر الدواجن المستوردة في المجمعات الاستهلاكية التابعة لها إلى 31 جنيهًا، والدواجن المحلية إلى 35 جنيهًا، بحجة زيادة تكاليف الاستيراد بعد تعويم الجنيه، ولم تلتفت إلى مصلحة محدودي الدخل التي تغنت بها من قبل.

وبذلك ارتكبت الحكومة أربعة أخطاء في هذه الصفقة المشبوهة، الأولى: إسناد استيراد الدواجن إلى القوات المسلحة بالأمر المباشر دون مراعاة لقانون المناقصات، الثانية: إعفاء القوات المسلحة من دفع التعريفة الجمركية المقررة على الدواجن المستوردة بغرض حماية الصناعة الوطنية وهى 30%، بالرغم من أنها تمارس نشاطًا تجاريًا حرًا يخضع لقواعد المنافسة وتزاحم تجار القطاع الخاص، وهو الأمر الذي لا علاقة له بالأسلحة والأمن القومي، الثالثة، بيع الدواجن المستوردة بأسعار تقل عن نصف تكلفة إنتاج الدواجن المحلية، ما يعتبر إغراقًا للسوق المحلي وبكميات تفوق احتياجاته الفعلية بخمسة أضعاف، ما تسبب في ركود وخسائر للمنتِج المصري وخروج كثير منهم من حلقة الإنتاج وتدمير الصناعة الوطنية، الرابعة: تعريض صحة المصريين للخطر، وذلك ببيع الدواجن المجمدة على الأرصفة وفي الشوارع وغض الطرف عن الاشتراطات الصحية اللازمة لسلامة وتداول الدواجن كغذاء آدمي.

هذه الجريمة خربت بيوت منتجي الدواجن المصريين، وكلفت الدولة 3.4 مليار جنيه، بشهادة رئيس اتحاد منتجي الدواجن، وهي جريمة لا يرتكبها إلا عدو يعلن الحرب الاقتصادية على الدولة، أو تاجر جشع يتاجر في أقوات المصريين ويمص دماءهم، ولا يرتكبها جيش وطني منوط به حمايتها، ويدعي أنه خير أجناد الأرض. ولو كان في مصر دولة قانون لقُدم هؤلاء الذين يعبثون بأمنها للمحاكمة بتهم الإضرار باقتصاد البلاد، والتربح، والفساد، وسوء الإدارة، وإهدار المال العام، والإغراق، والعبث بصحة أبنائها!

أضف تعليقك