• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

ينقلنا الكاتب أيمن العتوم من خلال رواية (يسمعون حسيسها) في رحلة مؤلمة تدور في دهاليز سجون النظام السوري أيام حافظ الأسد، الذي لم يبتدئ توحشه من الحرب الأخيرة، بل ابتدأ مسيرته في التوحش منذ مجرزة حماة في الثمانينيات من القرن الماضي.

وتنتمي رواية يسمعون حسيسها تنتمي لأدب السجون، وهو الأدب الذي يناقش التجارب الإنسانية المختلفة التي تتم داخل السجن، التجارب التي يحكيها شخص عايشها وذاق مرارتها، ويحاول من خلال السرد أن يخفف من عبء ألم الذاكرة، كما يحاول من خلالها نقل بعض معاناته للقراء ليعرفوا أن جدران الحياة ليست كلها وردية، بل إن بعضها مخيف لأنه يصطبغ بدماء ولحوم المعذبين في المجتمعات المقهورة تحت بيادات الأنظمة المستبدة.

وتستهل الرواية بحكاية الدكتور إياد الأسعد الذي يُقبض عليه بتهمة الانضمام لخلية إرهابية حاولت اغتيال الزعيم، تسرد هذه الشخصية كل وقائع التعذيب ببشاعتها بأحداثها في آتون الرواية، تفصل طرق إفراغ الإنسان من هويته وتحويله إلى مسخ بين الحيوان والجماد، على مدى ثلاث عشرة سنة يعيش الدكتور إياد الأسعد تجربة الموت أكثر من مرة، يعيش أهوال التعذيب والإهانة، ويعيش تجربة فقد الأحبة وتناقص عددهم، إما بفعل الإعدامات الجماعية، أو بفعل الأمراض الفتاكة كالكوليرا أو الجذام أو السل نتيجة عدم الاهتمام بنظافة عنابر المساجين.

بين المهجع (27) والمهجع (34) تدور أحداث هذه الرواية، نتعرف على عامر الزعيم وعلى العقيد الطيب، على الشخصيات الإيمانية لبعض المساجين، نتعرف على الأبرياء وعلى المجرمين، نعيش أحداثاً مؤلمة تودي بأصحابها كما حدث مع محمود الفحام، نتعرف على شخصيات استثنائية مثل قسطنطين صروف، العجوز وأبنائه الثلاثة شهاب وعلي وأخيهما الصغير الذين يعدمون في نفس اليوم ليبقى فؤاد والدهم فارغا ويموت كمدا بعد حين، المهندس أحمد شقيق الدكتور إياد، وكيف يعدم في أحد حفلات الإعدام التي كانت تتم كل سبت وأربعاء.

يعيش الدكتور إياد أكثر من تحدٍ في السجن، تحدي التعذيب، وتحدي الأمراض القاتلة التي واجهها كل السجناء وأودت بحياة الكثير منهم، وتحدي لوعة فراق أحبته وافتقاده لطفلته لمياء، وتحدي السجن الانفرادي، وتحدي تطاول الزمن عليه وعلى غيره من المساجين، ثم ينتهي به المطاف بإفراج نتيجة لعفو رئاسي، ويخرج من تلك التجربة المؤلمة بعد أن يقضي زهرة شبابه في آتون الويل والعذاب عند زبانية السجن.

وشملت الرواية من حيث البنية الفنية العديد من الجوانب الإبداعية في استخدام اللغة الوصفية العالية لإيصال الحدث للقارئ، المكان تتضح معالمه أكثر من خلال أسلوب الوصف، الزمن لم يركز عليه الكاتب كثيراً وكأنه يريد أن ينقل شعور انعدام الشعور بالزمن داخل أبواب السجن، وفي المقابل ركز الكاتب على عدد القتلى الذين كان يعدهم إياد الأسعد من خلال الخطوط التي ينحتها بظفره على جدار السحن، وكأنه بذلك يريد أن ينقل إيمانه العميق بأن الزمن والمكان لا قيمة لهما طالما أن الإنسان يقتل بدم بارد.

أضف تعليقك