بقلم: خديجة جعفر
* المكان: أمام بوابة طرة، شارع الشهيد العميد أسامة عوّاد، من طريق الأوتوستراد، المعادي، جنوب القاهرة، مصر
* الزمان: 6 يناير 2018
تحويل قضية زوجي إلى النيابة العسكرية.. منشورٌ على "فيسبوك" أعلمني بذلك. كانت الساعة تشير إلى الثانية عشر والنصف ليلا حين دهَمَني الخبر. كان الأمل كبيرًا في أن يُخلَى سبيلُه بعد أن أتمّ سنتين وزيادة في الحبس الاحتياطي. تلاشى الأمل في غمضة عين! لم أصدّق! جاء الخبر كالصاعقة، أو أنّ الصاعقة هي التي أصبحت مثلَ الخبر. كنت وحدي.. انهارت كلّ قواي، وأصبحت مثل المجنونة.. الغضب الشديد والقلق الكبير لم يرحماني، فلم أنَم الليلة، نمتُ قليلا جدا بصعوبة، واستيقظت بصعوبة بالغة. لم أنَم الليلة.. نزلت في الصباح هائمةً على وجهي، غاضبة.. صديقاتٌ كلّمنني.. وأنا لا أزال بغضبي.. الغضب الذي يتملكني، يستحوذُ عليّ، ويملأ فجوات نفسي..
نزلتُ بلا فطور، بنومٍ قليل، بغضبٍ كبير، وقلقٍ شديد، محاولات تهدئة نفسي لم تنجح أبدًا.. تاكسي.. بوابة طرة.. زحام لا يُطاق، أعدادٌ كبيرة جدًّا جدًّا.. لا أدري بكم تُقدّر.. لكنّها كانت بأعدادٍ لم أرَها في عامين مضيا.. ظننتُ أنّني لن أدخل اليوم لكثرة الزائرين والزائرات.. الغضب الشديد لم يفارقني، جلستُ وحيدةً في الجمع الكبير في عزوفٍ تامٍ عن الكلام.. الانتظار وفقط، جلستُ على الرّصيف المقابل للسجن لأوّل مرّة، مرّت الدقائق ثقيلة.. الطابور، الزحام، التفتيش.. أُذِّن للظهر، ولا أزال في الخارج.. أخيرًا دخلت، وطال الانتظار في الطفطف.
اليوم وعلى رغم كثرة النّاس حولي، لم أستطع التكلّم مع أحد. حين أوصلني الطفطف إلى محطة سجن المزرعة داخل مجمّع سجون طرة، كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة ظهرًا. إدارةُ السجن لم تعرف شيئًا عن قرار الإحالة! هكذا فوجئتُ للمرّة الثانية.. ماذا لو تركتُ الأمر ولم أخبره؟ نعم لن أخبرَه ولن أعلمَه، هكذا قرّرت فجأة. انتابتني نوبة بكاء لم تتوقف إلاّ حين خرجت. كيف بمن كانت تنتظرُ مستقبلا علميًّا أن تجدَ نفسها في انتظار محاكمة عسكرية لزوجها.. اللهم رحمتك أرجو...
حين عدتُ، وجدت جريدة الشروق قد نشرت خبر الإحالة، وأيقنت حينها أنّ زوجي سيعلم في نفس اليوم أو اليوم الذي يليه، لحرصه على قراءة الشروق.
* الزمان: 16 يناير 2018
بعد عشرة أيامٍ من زيارة تلاشي الأمل، ذهبت في زيارة أخرى في محاولة للتأقلم على الوضع الجديد. الضابط المسؤول ينادي على أسماء زائرات العقرب اللاتي يقترب عددهن من العشرين، تكاد توجد واحدة أو اثنتين فقط من بينهن غير منتقبات. انتهى نداء الأسماء، وفُتِح الباب الصغير للطابور الذي تقف فيه الزائرات والزائرون لسجون شديد الحراسة 2 والاستقبال والمزرعة والزراعة.
كنت في عالَمٍ آخر، كيف سيكون إسماعيل بعد أن سمع بالخبر؟ أثناء الطابور، سمعتُ قصّة من قصص المعتقلين المجاهيل. القصص لا تروى كثيرًا بعد أن حُرِمنا من المدخل القديم الذي هُدِم وبُنِي محلّه مدخلٌ جديد. حُرمنا من "التندة" التي كانت تمنع عنّا الشّمس وأشعتها صيفًا وشتاءً.
كانت امرأتان منقبتان ليستا من القاهرة تحكي إحداهما أنّ ابنها اختفى من خمسة أشهر ثمّ ظهر ونُقِل إلى هنا. كانت تقول إنّ ابنها خاف من ملَلِهم من الزيارة، فطلب أن يزوروه مرةً كلّ أسبوعين، فأجابته أمّه أنها ستزوره أسبوعيا. كانت امرأة بسيطة جدا ومنتقبة وكبيرة في السنّ. كنتُ في ذهول، وقد استطال الطابور تحت أشعة الشمس الحارقة.
جاء دوري، أغلقت الهاتف وسلّمته، اجتزتُ تفتيش الحقائب وتفتيش الجسد. البرد كان شديدًا في ذلك اليوم، ولكنّي كنت أحاول المشي أمام السجن في محاولة للتدفئة. وصلتُ أخيرًا إلى سجن المزرعة. حكى لي إسماعيل كيف استقبل الخبر وكيف كانت جلسة تجديده اليوم الذي قبله في 15 يناير، والتي كانت نتيجتها تجديدٌ آخر.. تلاشى الأمل في إخلاء سبيلٍ قريب وأصبحَ أمامَنا مشوار طويل آخر في النيابة العسكرية ثمّ المحكمة العسكرية.
أضف تعليقك