ألقى عبد الفتاح السيسي بطوق النجاة، لصديقه «بنيامين نتنياهو»، فأنقذه من الضياع، تماماً كما قدّم محمد بن سلمان، إلى الرئيس الأمريكي ترامب «خدمة عمره» خوفاً وطمعاً، من خلال تمكينه من المال السعودي، وبمبلغ غير مسبوق في تاريخ «الجزية» وفرض «الإتاوات»!.
وكما رقص ترامب، وهو يبشّر الشعب الأمريكي، بفرص العمل بسبب قيمة «الجزية» التي حصل عليها، فقد رقص نتنياهو، وهو يصف اليوم الذي وُقّعت فيه صفقة تصدير الغار لمصر، بـ «اليوم التاريخي»، وبأنه «عيد»، لأن الصفقة ستدر على خزينة الدولة الإسرائيلية المليارات «لإنفاقها على التعليم والصحة»!.
عندما حصل ترامب على «الجزية» من أهل الحكم في السعودية، كان ولا يزال يعاني أزمة شرعية، لا تزال أصداؤها تتردّد إلى الآن، بسبب ما أثير عن تلاعب الروس في الانتخابات الأمريكية، في حين أن نتنياهو يخضع للمحاكمة، بتهم فساد، عندما ألقى له السيسي بطوق النجاة، فيخرج للشعب الإسرائيلي محتفلاً بهذا الإنجاز التاريخي، غير مكترث بأن اليوم الذي وُقّعت فيه الصفقة، كان يوم حزن في مصر، وكان الحزن من نصيب الشعب، وإن لحق العار بأهل الحكم، الذين لم يعد يعنيهم سوى عملية شراء الشرعية من الخارج، بعد أن ضن بها عليهم الداخل!.
فيدفع النظام الحاكم ملايين الدولارات من أجل شراء طائرات الرافال، لنكتشف بعد ذلك، بأنه لا يمكنها حمل الصواريخ الموجهة، وكان الإقبال لشراء الصفقة، هو لشراء ذمة الرئيس الفرنسي، تماماً كما تمّت الكثير من الصفقات الخارجية، من أجل تمرير شرعية الحكم الانقلاب، ومن فرنسا إلى ألمانيا، وكانت إسرائيل لها نصيب الأسد في هذه التنازلات، ومن تيران وصنافير، إلى سد النهضة، إلى صفقة الغاز، وتدمير سيناء!.
اللافت، أن القاهرة وفي ظل حكم مبارك، كانت قد وقّعت عقداً لتصدير الغاز لإسرائيل، باعتبار أن لديها وفرة فيه، وكان البيع بـ»تراب الفلوس» وبأقل كثيراً من سعره العالمي، لكن الثورة ألغت هذا الاتفاق، بعد أن أقرّه القضاء، ثم نكتشف بعد ذلك أن إسرائيل لديها وفرة من الغاز، فتقوم بتوقيع عقد لتصديره للقاهرة، التي تعاني شحاً فيه، لكن المفارقة هنا أن الاستيراد تم بالسعر العالمي!.
للتذكير، فإن محكمة القضاء الإداري كانت قد ألغت عقد تصدير الغاز لإسرائيل، والتي كانت الفترة المتفق عليها هي 20 سنة، وفي أكتوبر 2010 صدر حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء هذا الحكم، على أساس أنه من أعمال السيادة، التي لا يجوز للقضاء التعرض لها، ورغم أن القضاء يُمنع عليه التطرّق لأعمال السيادة بالمناقشة أو الاعتراض، فإن المحكمة - وربما إبراءً للذمة - قالت بأن الاتفاقية تتعارض مع الصالح العام، وتضر بثروة مصر من الغاز، ومن ثم فقد طالبت السلطة بمراجعتها!.
ولأن السيف أصدق إنباء من الكتب، فقد أجبرت الثورة أهل الحكم على إلغاء الاتفاق، وهو ما حدث في شهر أبريل 2012، حيث تم وقف التصدير نهائياً، وذلك بإلغاء الحكومة تعاقدها مع شركة «شرق المتوسط»، التي تقوم بتصدير الغاز، وأقامت إسرائيل «مناحة»، وقالت صحيفة «يديعوت احرونوت»: إن القرار سيكون له آثار سلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، وسيؤدي إلى رفع أسعار الكهرباء والكثير من مصادر الطاقة المرتبطة بالغاز. وقال الإسرائيليون إن القرار هو أول ثمار فوز الإخوان في الانتخابات البرلمانية. (لم تكن الانتخابات الرئاسية قد أجريت بعد)!.
وإذ انتهت ثورة يناير وما أنتجته من آثار، بنجاح الثورة المضادة في 30 يونيو 2013، فكان لازماً أن يستكمل الحكم العسكري العائد مهمته في حماية الاقتصاد الإسرائيلي، بل وحماية أمن المواطن هناك، وقد أعلن عبد الفتاح السيسي عن أن هذا من مهام وظيفته، وذلك بدون طلب من أحد، فقال إنه لن يسمح بأن ينطلق من الأراضي المصرية ما يهدّد أمن المواطن الإسرائيلي!.
ولأن الحكم العسكري في مصر، هو كنز إسرائيل الإستراتيجي، فقد عوّض قائد الانقلاب العسكري، صبر إسرائيل خيراً، ويوم «المناحة»، إلى يوم «عيد»، وقدّم خدمة جليلة لصديقه نتنياهو، فإذا كان مبارك أفاد الاقتصاد الإسرائيلي بصفقة تصدير الغاز، فقد ربح بصفقة غاز أيضاً في العهد الجديد، لكن من باب الاستيراد هذه المرة، فمصر لم تكن تعاني وفرة من الغاز عندما قامت بالتصدير، وإسرائيل لم تكن تواجه شحاً فيه وهي تستورده، فإسرائيل تتعامل بقاعدة «من دقنه وافتله»، فما تعيد تصديره للقاهرة، هو ما سبق وأن استوردته منها، وفارق السعر، يمثل الأرباح التي جنتها من الصفقة الحرام!.
فلمّا تبدت العورات للناظرين، قال القوم في القاهرة إن شركة للقطاع الخاص هي من وقّعت عقد الاستيراد، فأضحكوا الثكالى، ذلك بأنه لا تجديد في الأداء، ففي عهد مبارك، قالوا أيضاً إن شركة «شرق المتوسط»، هي من تقوم بتصدير الغاز، ولا ولاية للحكومة عليها، لكن القضاء الإداري، أمكنه أن يضبط اللص متلبساً بجريمته، فالحكومة هي التي تقوم بتوريد الغاز للشركة المذكورة، وإذا كان قضاء مجلس الدولة ليس مختصاً بالنظر في الدعاوي التي ترفع على الجهات الإدارية، وليس معنياً بتصرف القطاع الخاص، فكان الحكم بإلزام الحكومة بوقف التعامل مع شركة «حسين سالم» الخاصة، وإذا كانت الإدارية العليا ألغت هذا الحكم، فإنها لم تنشغل بالدفوع التي أبدتها السلطة بأنها شركة قطاع خاص؛ فلم ينطل عليها الأمر، ولأن المستشار محمد الحسيني، رئيس دائرة الإلغاء، كان يُدرك أن النظام قد وافق على مضض على توليه رئاسة مجلس الدولة، أخذاً بقاعدة الأقدمية، فلم يشأ أن يدخل في معركة جديدة في قضية يعلم أن مبارك نفسه يقف وراءها!.
عندما كان المستشار محمد الحسيني رئيساً للدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري أصدر حكماً بعدم جواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، نظر إليه مبارك على أنه أصدره رداً على قانون مد خدمة القضاة لسن السبعين، لأنه سيؤجل ترقيته في أن يتولى رئاسة للمحكمة الإدارية العليا، ورد عليه المستفيد من المد المستشار السيد نوفل رئيس المحكمة الإدارية العليا بإلغاء حكمه بشكل سريع، وكان الأمر أقرب للمكايدة منه لتطبيق صحيح القانون، وهو ما تأكدت منه من حوار جرى بينه وبين صديق مشترك!.
وإذ وافت المنية نوفل، فلم يستفد من المد بشكل كامل، واختار المجلس الخاص بمجلس الدولة، التالي له في الأقدمية، وهو المستشار الحسيني، تبيّن أن مبارك كان لا يزال غاضباً من الحكم الذي أصدره، فتم استدعاء المستشار نبيل ميرهم ليتولى رئاسة مجلس الدولة، لأنه الأقدم، وهذا صحيح، بيد أن الرجل كان يعاني من فقد البصر، على نحو يجعله غير مؤهل للفصل في القضايا، لكن الأمر كان مكايدة من أهل الحكم، وبعد انتهاء مدة «ميرهم» حل محله الحسيني، وهو وإن كان قد أبقى على اتفاق استيراد الغاز من إسرائيل، فلم ينطل عليه مخرج الشركة الخاصة المتعاقدة، بل إنه في قوله بأن الاتفاق يدخل ضمن أعمال السيادة، أكد وعي المحكمة بأن تصدير الغاز لإسرائيل هو قرار أعلى رأس في السلطة!.
وبعد الثورة أعلن صاحب الشركة الخاصة، «حسين سالم» أن كل مشروعاته تمّت بتوجيه من المخابرات، ومن بينها صفقة الغاز، وقال في حوار مع صحيفة «المصري اليوم» بتاريخ 29 أبريل 2015: «قمت بكل شيء بناءً على توجيهات من المخابرات، وقال القاضي في حيثيات الحكم أن شركتي تابعة للمخابرات، وأنه أسّس شركة «شرق المتوسط» بتعليمات من اللواء عمر سليمان، واللواء فريد التهامي، رئيسا جهاز المخابرات السابقين!».
وبعد أن صار الأمر كله على المكشوف، يعيد القوم إنتاج فيلم الشركة الخاصة، التي لا سلطان للحكومة عليها، وهو فيلم هابط كما سبق وأن أوضحنا، فيما يخص شركة «شرق المتوسط»!.
دعك من كل ما سبق، فهل يعقل ومصر تعاني من أزمة في «العملة الصعبة»، أن تتحمّل قيام شركة خاصة، بإبرام صفقة مع إسرائيل، تدفع بمقتضاها (15) مليار دولار لإسرائيل خلال عشر سنوات، ما لم تكن صفقة لصالح الحكومة!.
إنهم عسكر مصر أصحاب الأيادي البيضاء على الشعب الإسرائيلي!.
أضف تعليقك