بقلم: سليم عزوز
وكأن قطبا تخصص في الدعاء على دول الحصار؛ فكلما أوقدوا نار التشهير ضد قطر فضحهم الله، ولا يمكن لمثلي ولكوني مشروع صوفي، إلا أن يفهم ما يجري إلا في هذا السياق، مع كون المشروع فشل سريعا!
«القطب» عند الصوفية، يتجاوز مرحلة «الدرويش»، وفق نظرية: «من ذاق عرف، ومن عرف وصل، ومن وصل اتصل»، وأحد هؤلاء الواصلين لا بد وأن يكون قد دعا على دول الحصار بالفضيحة، فصارت كل تصرفاتهم تنتهي بفضيحة يتغنى بها الركبان، ومؤخرا كانت فضيحتهم على يد مراسل الجزيرة في ألمانيا عيسى طيبي، فحقق «خبطة صحافية» معتبرة، وكشف عن موهبة عظيمة؛ حيث قدم ما جرى بجدية، مكتفياً بسخرية الواقع، ليقدم نموذجا لعمل فكاهي، ليس بالضرورة أن يتحول مقدمه إلى مهرج ليضحك المشاهدين!
فلأن الشقيقة الكبرى «ميونيخ» كانت تشهد انطلاق الدورة (54) لمؤتمر السياسة والأمن، فلم تشأ دول الحصار أن تفوت الفرصة دون استغلال هذه الأجواء في مهمة التشهير بقطر على أساس أنها راعية للإرهاب. فلم يملوا من عزف هذه النغمة، رغم أن دعايتهم فشلت، في اقناع الولايات المتحدة الأمريكية بذلك، فيبدو أن أولي الأمر في هذه الدول، يعيشون السكرة، حيث لم تحل الفكرة ليقفوا على أن الفيلم انتهى، وأن المشاهدين خرجوا من دار السينما وهم يهتفون: «سينما أونطة.. هاتوا فلوسنا»، وهو الهتاف الذي كان يردد قديماً عندما يشعر جمهور السينما أنه وقع ضحية دعاية مضللة دفعت بهم لتبديد أموالهم على عمل تافه، فلما شاهدوه لم يجدوا على النار هدى!
حبل المشنقة
لقد استأجرت دول الحصار قاعة في واحد من الفنادق الفخمة في مدينة «ميونيخ»، وجاءوا بعشرين فتاة في قول، وخمسة وعشرين في قول آخر، ومن النوع الذي يحل من على حبل المشنقة، كما يقول المصريون للتعبير عن جمال يستعصي على المدح، وإن افتقدن الروح، كمذيعات قناة «العربية»؛ جمال بلا روح!
فتيات كاللوز، جرى استيرادهن من أوروبا الشرقية وبالتحديد من «أوكرانيا» و»صربيا»، حتى يتم وصف المؤتمر في حضورهن، بأنه يعج بالصحافيين الألمان، وقد أظهرت الصورة أنهن في حالة من الملل الواضح، ربما لم يفهن حقيقة ما يجري، وقد انشغلن بتحدي هذا الملل، بالعبث في الهواتف النقالة، وبينما كانت إحداهن تعبث في أظافرها وقد تملكها القلق، كانت أخرى تهرب من الكاميرا، وهى تضع يدها على وجهها، وكأنها عضو في شبكة لممارسة الأعمال المنافية للآداب وقد تم القبض على أعضاء الشبكة وفي انتظار عرضهن على جهة التحقيق!
أحد المنظمون للمؤتمر، اقترب من «ماريا»، التي ذهبت إلى المنصبة لتقرأ من ورقة مكتوبة، وبالرغم من ركاكة المكتوب، فقد بدت كما لو كانت مكتوبة لكي يلقها الأمين العام للأمم المتحدة، فما محلها من الأعراب لتستخدم مفردات من نوعية «أنتهز»، «فوجئت»!
أمسكت «ماريا» بالورقة، فإذا بالمكتوب: «أنتهز هذا المؤتمر اليوم لأعلن أني فوجئت بما تقوم به قطر، وأعتقد أنه يجب على أوروبا، وألمانيا، وكل العالم أن يقفوا ذلك بشكل سريع».
ما هو الذي فوجئت به «ماريا»؟، وما هو الأمر الذي تطلب بناء عليه من أوروبا وألمانيا وكل العالم أن يقفوا عليه بشكل سريع، لأنه لا يحتمل التأخير؟!
المعنى في بطن «ماريا»، وإذا كانت لا تدري من أمرها شيئا، فان المعنى يكون في بطن من كتب هذه الكلمات، وربما خشي أن يوضح، فيزيد في عدد الكلمات، على النحو الذي يصيب «ماريا» بالارتباك، فاكتفى بهذا القدر!
أما «نانسي» فقد دعت (من منبرها هذا) الولايات المتحدة والهند إلى التوقف عن استيراد الغاز القطري. ولأول مرة أعلم أنهم في أوروبا الشرقية يعرفون «نانسي»، وإن كنت لا أعرف هل اللقب «عجرم» متداول هناك أم لا؟!
«كلمات ليست ككل الكلمات» كما وصفها «عيسى طيبي»، الذي كشف جانباً آخراً جعل من الفضيحة مدوية، عندما كان سؤال بعض الحاضرات إن كان حضورهن مجاناً، فكان الجواب: «دفعوا لي»!
لا أعرف المبرر الذي دفع دول الحصار إلى نقل الفتيات من «صربيا»، و»اوكرانيا» إلى «ميونيخ»؟ ولماذا لم يعقدوا مؤتمراً جاداً وبصحافيين ألمان حقيقيين وليسوا مزيفين؟ هل لأنه مقدر لهم الفضيحة، أم أنهم كانوا يلعبون «في المضمون»، فماذا لو قرر بعضهم أن يمارس مهنته بجدية، ويسأل أسئلة جادة؟!
«على الضيق»
كنت أتمنى أن تهتم «الجزيرة»، بالتغطيات التي جرت للمؤتمر في بعض المحطات التلفزيونية، وهل اهتمت مثلا القناة الألمانية الناطقة باللغة العربية بذلك، وأدخلت الغش والتدليس على الجماهير؟ أم أن المؤتمر كان «على الضيق»، والهدف هو التصوير وإرسال الفيديوهات إلى الممول، لان المنظمين ينفقون من «مال سائب»، والحرام يذهب من أين أتى، فلم يكن هناك اهتمام بالمتابعة، وربما صدق القوم أن المؤتمر يعج بالصحافيين الألمان؟ أم كان صاحب رأس المال هو من يقوم بالأمر بنفسه، وأن الصربيات والأوكرانيات قدمن من أبو ظبي إلى ميونيخ مباشرة، ليشهدن منافع لهن!
أسئلة لا مجال لها إذا كان المنطلق صوفياً بحتاً، وأن ما جرى كله، هو أن دول الحصار قام «قطب» بالدعاء عليها بالفضيحة، فكان ما كان!
اللافت هو أن من بين منظمي المؤتمر، أحد الشخصيات المصرية الهامشية، وبوجوده أيقنت أن الخبرة المصرية الأمنية قد انتقلت إلى الرياض وأبو ظبي، عندما كان القرار الأمني بتفجير أحد الأحزاب السياسية واصطناع نزاع داخله، يتم استقدام الشبيحة لتأييد من اختاره الأمن ليكون رئيساً لهذا الحزب، وقد تطورت الخبرة، فبدلاً من أن يكون دور الحضور أن يمثلوا دور أعضاء المؤتمر العام للأحزاب، فيقوموا بدور الصحافيين الألمان الذين «يعج بهم المؤتمر»، وبدلاً من كونهم شبيحة في الحالة المصرية، صرنا فتيات جميلات، وشعرهن ناعم كالحرير عندما تطور النموذج على أيدي دول الحصار، التي من الواضح أنها تخصص «تشهيلات نسائية»، فهل يعقل في مؤتمر «يعج بالصحافيين الألمان» لا يوجد صحافيون رجالا، وكأن الصحافة في ألمانيا هى عبارة عن «محل كوافير حريمي»، وأنها مهنة مقصورة على النساء، على أساس أنها أقرب إلى مهنة التدليك والاسترخاء!
المستشار
«الفضالي» الذي ظهر في مؤتمر «ميونيخ» كأحد المنظمين له، ويتم يقدم بوصف «المستشار» ليس قاضياً، فهو كان مجرد موظف بسيط في البرلمان المصري، تلقفته أيدي الأجهزة الأمنية فمنحته حزباً سياسياً، كما مكنته من رئاسة جمعية «الشبان المصريين» وهو المنصب الذي شغلته قامات في مجال الفكر الديني مثل الشيخ «أحمد حسن الباقوري» وزير الأوقاف في زمن عبد الناصر، لكن في أواخر عهد مبارك، كان الاتجاه الأمني هو تسفيه كل شيء، وابتذال كل المعاني الكبيرة!
ومنتحل صفة المستشار هذا كان حاضراً في موقعة «الجمل»، عندما تم الدفع بالخيل والبغال والحمير والشبيحة لاختراق ميدان التحرير في ثورة يناير، كأحد المتابعين لهذه المهمة التي أدارها عبد الفتاح السيسي. وقد واجهه «يسري فودة» بالدليل المتمثل في فيديو كشف وقوفه أعلى كوبري السادس من أكتوبر، فأسقط في يده!
ومن الواضح أن يد أبو ظبي تلقفته، بتوصية أمنية، فتعاملت معه على أنه خبرة عظيمة، فتحول إلى إنترناشيونال، وتخصص ألماني على وجه التحديد، فقد أذيعة له فضيحة أخرى وفي ألمانيا أيضاً!
لقد استأجر بعض الفقراء الذين هتفوا ضد قطر في قمة العشرين، على وقع أغنية تسلم الأيادي، وظهر في الصورة مع الناشط القبطي «نجيب جبرائيل» من باب الوحدة الوطنية، وبعد قليل ثار عليه القوم، وهتفوا باسم قطر، لأنه لم يعطيهم أجرتهم كاملة!
وربما كان هذا سبباً في التوقف عن التعامل مع «صنف العرب»، والدفع بفتيات من «صربيا» و»اوكرانيا» للقيام بالمهمة، فانتهى الأمر إلى فضيحة أيضاً!
وإذا انتقلنا من «الحالة الصوفية» إلى «الحالة الاخوانية»، جاز لنا أن نهتف: «أيها القطريون ماذا بينكم وبين ربكم»؟!
فلم تكن فضيحة دول الحصار في ألمانيا فقط، فقد شهدنا فضيحة أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، لمراسل الجزيرة الانكليزية سابقاً في القاهرة، الذي عقد مؤتمراً ليندد بقناة الجزيرة باعتبارها راعية للإرهاب، قبل أن تكشف إحدى الصحف الأمريكية أنه على علاقة بالإماراتي يوسف العتيبة، وتبين هذا من اختراق بريده الالكتروني، وقد زوده العتيبة بمبلغ 250 ألف دولار لكي يقيم دعوى قضائية ضد قطر، يتهمها فيه بأنها وراء اعتقاله من قبل السلطات المصرية، نتيجة علاقتها بالإرهابيين! وكان هذا الاكتشاف هو نهاية الفتى وفضيحة مدوية لإمارة أبو ظبي.
إنها دعوة «قطب»: «يجعل لكم في كل يوم فضيحة».
أرض – جو
كتبت هنا من قبل، عن الراقصة الروسية اللولبية «جوهرة»، وكيف أنه صدر قرار بترحيلها إلى بلادها، ولم أكن اطلعت على التطور الجديد في القصة فجوهرة لا تزال في مصر معززة مكرمة، لتكشف حالتها عن صراع الأجهزة في المحروسة. فجهة ألقت القبض عليها، وجهة تدخلت وأفرجت عنها. وجهة ردت على هذا بقرار ترحيلها، فردت عليها جهة أخرى بإلغاء قرار الترحيل. تماما كما حدث مع محمد فهمي مراسل «الجزيرة الانكليزية»، حيث كان يعمل في حماية جهاز أمني، فدخل جهاز أمني آخر على الخط وألقى القبض عليه ومن معه فيما عرف بقضية «خلية الماريوت». إنه الحكم العسكري في أسوأ صوره.
أضف تعليقك