مرةً أخرى أجدني مضطرًا مع الأسفِ للكتابة بغضبٍ وأسى عن حماقات عزام الأحمد وخزعبلاته، وعن تصريحاته الشوهاء وتعليقاته الخرقاء، وعن كلماته المسيئة وأوصافه البذيئة، وعن سفاهته وقلة عقله، وضحالة تجربته وقلة وعيه، وعن عدائه لشعبه ومحاصرته لأهله، وعن الأهداف التي يرجوها من تصريحاته ومواقفه والغاية التي يتطلع إليها، مستغرباً تنطعه الدائم أمام وسائل الإعلام، وتصدره المقصود للتصريحات المستفزة، والمواقف المثيرة للسخط والغضب، التي تستنزل عليه من شعبه وأهله اللعنات، وتنصب بسببها عليه الشتائم والمسبات، وتجعل منه مادةً للتندر حيناً وللنقمة والغضب أحياناً كثيرة.
ولولا منصبه في حركة فتح، والموقع الذي بوأه إياه الرئيس محمود عباس، ليكون ممثلاً له في الحوارات الجارية مع حركة حماس والقوى الفلسطينية الأخرى، ما كنت لأجهدَ نفسي في الكتابة عنه، ولا لأشغل قلمي في بيان أوصافه وتعداد عيوبه وكشف مخازيه وتسليط الضوء على إساءاته، ولكن الصفة التي منحها إياه الرئيس، والمهمة الحساسة التي يتولى أمرها، دفعتني وغيرها للتعليق على تصريحاته من جديد، والكتابة عنها مرةً أخرى، علماً أن هذه التصريحات تختلف عن سابقتها، فهي أسوأ منها وأكثر قسوة، وفيها من دناءة النفس وسوء الأخلاق الكثير، ولولا حبي لأهلي في قطاع غزة ما كنت لأعيره اهتماماً، ولا لأكتب عنه حرفاً، إذ لا يستحق ذكراً ولا يستأهل وقتاً، ولكنهم أهلي الكرام وشعبي العزيز، الذي أتشرف بأنه أكون أحد أبنائه، فتراني أدافع عنهم، وأذود عن حياضهم، وأقذف بالحجارة كل سفيهٍ يتسلق أسوارهم، ويحاول المساس بكرامتهم.
لا أخاطب في مقالي هذا عمومَ الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وإن كان كله من عزام متضرر، وكله منه مستاء وعليه غاضبٌ، ويتمنى لو أنه يستطيع أن يخرسه كلياً، وأن يضع حداً نهائياً لاستفزازاته المقذعة المخزية المثيرة للحنق والأسى، ولكني أخاطب على وجه التحديد إخواني في حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، التي ينتمي إليها الأحمد، ويضرب بسيفها ويتحدث باسمها وينطق بلسانها، ويدعي في كل المحافل تمثيلها، ويُستقبلُ في كل الصالونات ممثلاً عنها، وإن كنت أعتقد أن حركة فتح منه ومن تصريحاته براء، فهي بالتأكيد لا تؤيده ولا تقف معه، ولا تسانده ولا تشجعه، ولاتقبل بما يقول ولا ترضى عما يدعي، ولا يشرفها البتة أن يكون من صفوفها من يتطاول على الكرام من شعبنا، أو يعتدي على المقاومين من أهلنا.
فهل تقبل حركة فتح وقيادتها، وأطرها وكوادرها، أن يدعو عزام الأحمد إلى استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة، وأن يؤيد العقوبات المفروضة عليه، وأن يصفها بالعقوبات الوطنية وبالحصار المشروع، وأنه ضرورة وطنية ومصلحة قومية، تعود نتائجه بالنفع الوفير على الشعب الفلسطيني، وتخلصه من أخطار محدقة وشرور مستعصية، مدعياً أن العقوبات المفروضة والحصار المطبق هو خيرٌ في حقيقته ومشروعٌ في جوهره، إذ سيقود إلى وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة قيادته، وسيعجل في سقوط القوى غير الشرعية وتسليم السلاح غير النظامي، وسيسقط القوى المتطاولة على الشرعية والمتسلطة على الشعب ومقدراته.
ألا ترون أنه يبرر الحصار ويدافع عن سياسات الاحتلال التي تعاقب سكان قطاع غزة جميعاً، كما يجيز للحكومة الفلسطينية أن تحذو حذو العدو وأن تتبع خطواته وتنسق معه، وتضيق أكثر على أهلنا في قطاع غزة، وألا تخفف من إجراءاتها القاسية المفروضة حتى تتحقق الأهداف المرجوة من الحصار الظالم، رغم أنه يرى أن آثار حصار العدو وعقوبات السلطة تنعكس سلباً على جميع السكان وتضر بهم، وتؤدي إلى وفاة المئات منهم، ومعاناة الكل فيهم، حيث يتضورون جوعاً، ويقاسون شظف العيش، ويشكون البطالة وقلة ذات اليد وانعدام فرص العمل، وغير ذلك مما بينَّا في مقالنا السابق عنه، الذي ظننت أنه لن يكون في جعبته أسوأ مما كتبت عنه، إلا أنه خيب آمالنا وجاء بما هو أسوأ وأقسى، لعله يريد بما قال أن يرضى عنه عدونا أو مشغلوه، ويطمئن إليه الأقوياء والرعاة ومن بأيديهم زمام الأمور الدولية.
هل تنسى حركة فتح أن سوادها الأعظم هم من سكان قطاع غزة، وأن لها فيه الكثير من المؤيدين والأنصار والأتباع، الذين يحبونها ويهتفون باسمها، ويقاتلون في صفوفها ويضحون من أجلها، وأن قادتها الكبار من المؤسسين الأوائل هم من أهل غزة، فمنها خرج أبو جهاد الوزير وأبو إياد صلاح خلف، وصيدم وبسيسو وكمال عدوان وأبو يوسف النجار وغيرهم كثيرٌ من رجالاتها العظام وأبطالها الشجعان، الذين ينتسبون إليها ويفتخرون أنهم خرجوا منها، فهل تفرط حركة فتح في إرثها التاريخي، وتتنكب لآبائها الكبار، وتعق أبناءهم وتفرط في كرامة أحفادهم، وهم الذين ضحوا من أجلها، واستشهدوا وهم قادة وكوادر في صفوفها، وقد كانوا خير من يعبر عن هذه الحركة، وأصدق من يتحدث باسمها، وأشرف من يمثلها وينوب عنها، ولو قدر لبعضهم أن يكونوا أحياءَ بيننا، فإنهم سيكونون أول من يلقم فم هذا الأخرق حجراً ليسكتوه أو يخرسوه.
إخواني في حركة فتح العظيمة التي أجلُ وأُكبر، وأعظِمُ عملها وأحترم تاريخها، وأستبشر بها خيراً، وأتوقع من جهودها النفع الكبير والمصلحة الوطنية الأسمى، والتي لها تاريخٌ مشرف وعندها صفحاتٌ ناصعة، إن هذا الرجل يسئ إليكم قبل أن يسئ إلى أهل غزة، ويعرضكم للنقد والإدانة، ويحملكم ما ليس فيكم، وينسب إليكم ما لا ترضون من الأفعال المشينة والتصريحات المهينة، ويحاول الاحتماء بشرعيتكم والاعتماد على قوتكم في الشارع الفلسطيني.
فهل ترضون أن يسيء رجلٌ إلى تاريخكم، وأن يلطخ بالعار سمعتكم، وأن يسود بمواقفه صفحات نضالكم، وأن يتطاول على أبناء شعبكم، وأن يكون جزءاً من الحرب المعلنة ضد أهلكم، فهذه ليست من شيمكم، وهذا ليس من رجالكم، ولا ينبغي أن يكون ممثلاً عنكم أو مفاوضاً باسمكم، فانبذوه بعيداً عنكم، واطردوه من صفوفكم، واعزلوه من مناصبكم، واقصوه عن ملفاتكم، ولا تسلموه شيئاً من أماناتكم، فهو لا يحفظ الأمانة ولا يصون العهد ولا يقيم وزناً للمروءة والشرف.
أضف تعليقك