بقلم: عز الدين الكومي
أحد الحكام الظلمة أمر باعتقال مواطن وحبسه انفراديًا في زنزانة مساحتها ثلاثة أمتار مربعة بدون سبب، غضب المواطن وظل يصرخ ويقرع الباب بشدة: أنا بريء، لماذا إيداعي السجن، وعقاباً له تم بنقله إلى زنزانة مساحتها متر مربع فقط، ظل يصرخ، لكن لم يقُل أنا بريءكعادته وإنما قال: حرام تسجنونني في زنزانة لا يمكنني النوم فيها إلا جالسًا، وعقوبة له،تم أمر سجانه بإدخال تسعة سجناء معه في نفس الزنزانة، وهنا صرخ كل المساجين مستغيثين: كيف لعشرة أشخاص أن يُحْشروا في زنزانةٍ مساحتها متر مربع واحد؟ سنختنق ونموت، وظلوا يصرخون،فقام السجان بإدخال خنزير في زنزانتهم وتركه يعيش بينهم.
ظلوا يصرخون: كيف سنعيش مع هذا الخنزير القذر في زنزانة واحدة،ورائحة فضلاته التي ملأت المكان تكاد تقتلنا، نرجوكم لا نريد سوى إخراجه من هنا، فأمر السجان بإخراج الخنزير وتنظيف الزنزانة لهم، وبعد أيام، مر عليهم وسألهم عن أحوالهم، فقالوا: الحمد لله، لقد انتهت جميع مشاكلنا”!
هكذا تحولت القضية إلى المطالبة بإخراج الخنزير من السجن فقط، ونُسيت قضية مساحة السجن وقضية سجن المواطن الأول ظلمًا، فلم يعد أحد يتذكرها!!
قصة الخنزير،تتطابق مع حال الشعوب العربية،التى تعيش منذ عقود طويلة،فى ظل الأنظمة الدكتاتورية،فهذه النظرية جزء أصيل من سياسة إلهاء الشعوب التي تطبقها تلك الأنظمة، من أجل سلب إرادة المواطنين، وإشغالهم عن قضاياهم الرئيسية بمطالب ثانوية، وقد نجحت هذه السياسة فى بلادنا إلى حد كبير، لدرجة أن شعوبنا، أصبحت تتعايش مع الفساد والفقروالحرمان والمحسوبية وتردي الخدمات وكأنها قدرهم المحتوم.
وقد تبنى هذه النظرية،الزعيم النازي “أدولف هتلر”صاحب المقولة الشهيرة:إذا أردت السيطرة على الناس أخبرهم أنهم معرّضون للخطر، وحذّرهم من أن أمنهم تحت التهديد… ثم شكّك في وطنية معارضيك!!
والغاية من اتباع هذه السياسة، هى جعل المعاناة مستمرة؛لإلهاء الشعوب، وإشغالها بمشاغل ثانوية، بحيث لا تنشغل بمراقبة سياسات الحكام وفسادهم واستبدادهم وطغيانهم، فإلهاء الناس بمشاكلهم المعيشية وهموم أرزاقهم حتى تستهلك وقتهم وتستحوذ على تفكيرهم، بحيث لا يبقى لديهم الوقت اللازم للتفكير في غير همومهم الشخصية، وتتعدد مفردات الإلهاء ما بين إعلام فاسد وفن هابط وافتعال مشكلات اقتصادية واجتماعية، بل وفتن طائفية بين نسيج المجتمع، واختراع عدو وهمى لمحاربته!!
فعلى على سبيل المثال، ما حدث عند غرق العبارة السلام فى مصر منذ سنوات، حينما ركزت الدولة على فى ذلك الوقت لحشد عواطف الناس حول كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم، لإلهاء الناس عن هذا الحدث الجلل،والذى راح ضحيته مئات الضحايا، وفى مناسبة أخرى انشغل الشعب بمتابعة مباراة مصر وغانا في تصفيات كأس العالم، فى التاسع والعشرين من ديسمبر الماضي،فوجئت الجماهير بعد المباراة بإحالة اتفاقية بيع جزيرتى تيران وصنافير للسعودية لبرلمان العسكر،وتجاهل حكم القضاء الصادر ببطلان التوقيع على الاتفاقية.
ومن أهم السياسات الى يتبعها الطغاة لإلهاء شعوبهم،اتباع سياسة تكميم الأفواه، لإشعارالناس بالخوف والجبن والقبول بالأمر الواقع رغم قناعتهم بوجوب تغييره، ويصبح لسان حالهم ،إن الجدار له أذن!!
كذلك اتباع أسلوب ألاعيب شيحا،مثل لجوء النظام إلى اختيار وزيرأورئيس وزارة أو قائد للجيش، أوشخصية أمنية ، ليضحى به ككبش فداء، ليفدي به نفسه وحكمه،في محاولة للهروب من المسؤلية،وإلقاء التبعة على الشخص المعزول، وعادة ما يتخذ هذا الإجراء عقب هزيمة عسكرية أو فضيحة سياسية أو تقصير أمني أو اقتصادي أو اجتماعي، فيلجأ الحاكم إلى التخفيف من سخط الرأي العام عليه بأن يُلصق تهمة التقصير بهذا الشخص المعزول، والإعلام فى حالة جاهزية لسن السكاكين للضحية.
وأخيراً ابتكر النظام اتباع أسلوب الإلهاء بالإرهاب ، وافتعال مشاكل ومواقف للإثارة،لإيجاد ردود أفعال معينة عند الناس بحيث يندفع الشعب، مطالبا بحلول مرضية للقضاء على الإرهاب المزعوم، وغض الطرف عن ممارسات النظام الحاكم،والسكوت عن انتشار العنف فى بعض المناطق الحساسة، حتى تصبح قوانين الأمن العام مطلوبة، ولو حتى على حساب حرية الآخرين، أو خلق أزمة اقتصادية يصبح الخروج منها مشروطا بقبول الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية،وبالتالى يتم تقديم حلول مبرمجة ومجهزة سلفا، وواجبة القبول على أنها شر لابد منه، أو تمرير إجراءات وقرارت غير مقبولة، يمكن أن تثير ثورة لو تم تنفيذها دفعة واحدة،وبالتالى يتم تطبيقها بشكل تدريجى حتى تكون مقبولة.
والنظام الانقلابى، استخدم الإعلام العكاشى،وإشاعات الشؤون المعنوية لعسكر كامب ديفيد،لتوظيفها فى إلهاء الشعب بدأ من شماعة الإخوان المسلمين وأنها المسؤولة عن سقوط الأندلس، وكذلك إعلام الجن والعفاريت والفتاوى الشاذه،مثل إرضاع الكبير ، ونكاح الجهاد ومضاجعة الوداع إلى نكاح البهائم وغير ذلك من وسائل الإلهاء!!
وهذا ما لاحظناه فى الأشهر الأخيرة،بالأمس كان حديث استيراد الغاز، وجون قائد الانقلاب،ومن قبله حديث إلقاء القبض على عبدالمنعم أبوالفتوح، ومن قبله الإعتداء على هشام جنينة ، واعتقاله بعد حديثه عن وثائق عنان، ومن قبله اعتقال الفريق سامى عنان، ومن قبله اعتقال أحمد شفيق من المطار عند عودته من الإمارات،وإجباره على التراجع عن الترشح، وغير ذلك من الأحداث المتسلسلة،والتى تتضائل أمام التنازل عن حصة مصر التاريخية فى مياه النيل ،والتنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للسعودية،وافراغ سيناء من أهلها بزعم محاربة الإرهاب، تمهيداً لصفقة القرن!!
أضف تعليقك