بقلم: د. عز الدين الكومي
بعد الانقلاب العسكرى الدموى على أول تجربة ديمقراطية فى البلاد أصبحت مصر سجنًا كبيرًا لتسعين مليون مواطن، إلا شرذمة قليلة من المطبلاتية، من الإعلاميين والمشخصاتية والمنتفعين والمرتزقة المستفيدين من دعمهم للنظام الانقلابى!!
ومن يتابع تطورات المشهد فى مصر منذ وقوع الانقلاب وحتى الساعة، يلاحظ فشل النظام الانقلابى على كافة الأصعدة، ففى ملف سد النهضة، ضحى قائد الانقلاب بحصة مصر التاريخية من مياه النيل، بعد توقيعه على اتفاق المبادئ لسد النهضة ،مما سيترتب عليه تبوير الأراضى الزراعية، وانخفاض انتاج الكهرباء من السد العالى، وكذلك على صعيد قطاع السياحة، والذى تردى بشكل كبير بعد حادثة سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، مما جعل روسيا تطلب من مصر لبن العصفور مقابل عودة السياح الروس، بزعم أن متطلبات الامن في المطارات غير كافية، مما جعل روسيا تمارس ضغوطًا على النظام الانقلابى لتحقيق أكبر قدر من المكاسب مستفيدة من حرص النظام الانقلابى على عودة السياح الروس بأى شكل!!
كما أصبح الوضع الاقتصادى فى غاية السوء بسبب الغلاء الفاحش، والتضخم وانهيار الجنيه المصري مقابل الدولار، وبعد رفع أسعار الوقود والكهرباء نتيجة خضوع النظام لوصفة صندوق النقد الدولي ارتفعت الأسعار بشكل جنونى، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة إلى مستوى مزعج، وقد صاحب ذلك تراجع دخل البلاد من السياحة، ومن تحويلات المصريين في الخارج، وعزوف كثير من شركات النقل البحري عن العبور من قناة السويس المصرية، مفضّلة طول الطريق عبر رأس الرجاء الصالح جنوبَ القارة الإفريقية على تكاليف التأمين المرتفعة بسبب الوضع الأمني المتدهور في محيط قناة السويس، حتى بلغ الدين الخارجي المصري رقمًا قياسيًا غير مسبوق.
فقد ذكرت وكالة فيتش: ديون مصر الخارجية اقتربت من 100 مليار دولار في نهاية 2017، والمعروف أن المعدل الآمن للدين لا يتجاوز 60% من الناتج المحلي، بينما تشير الأبحاث إلى أنه سوف يتجاوز 100% فإن النظام الانقلابى يعتمد على أخذ القروض من الخارج أو من الداخل فى صورة سندات، وهو ما يؤدي إلى زيادة خدمة الدين وعدم توفر أي سيولة للإنفاق العام أو إقراض المستثمرين، بينما تتسع دائرة الفقر للمواطن وترتفع الأسعار!!
وعلى صعيد العلاقات الخارجية، تراجع وتقزم دور مصر القيادي في المنطقة عربيًا وإفريقيًا إلى درجة لم تحدث طوال تاريخها، فضلاً عن الأدوار المشبوهة التي يقوم بها نظام الانقلاب من التبعية المطلقة للكيان الصهيونى.
ومن يتابع تصريحات المسؤولين الصهاينة ووسائل إعلامهم يشعر بذلك، خاصة بعد أن أعلن النظام الانقلابى فى مايو 2015 أن حركة حماس جماعة إرهابية، وهو ما يعطي انطباعًا للعالم بأن إسرائيل تحارب الإرهاب، وما تبع ذلك من إجراءات إغلاق معبر رفح بشكل شبه كلي، وهدم الأنفاق وإغراق غزة بماء البحر، وإخلاء الشريط الحدودي بين مصر والكيان الصهيونى، وتحويلها لمنطقة عازلة وتهجير أهلها!!
كما تم التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية خدمة للكيان الصهيوني، ذلك أن ملكية السعودية لتيران وصنافير يجعل من خليج تيران ممرًا بحريًا دوليًا يحق لسفن الصهاينة المرور منه دون أي عوائق، وما تلا ذلك من قيام جيش كامب دفيد من تهجير أهالى سيناء تمهيدًا لصفقة القرن!!
كما أن ملف انتهاكات حقوق الإنسان في ظل النظام الانقلابى يعد الأبرز، من خلال المجازر وجرائم القتل الجماعي والتصفيات الجسدية بدم بارد، والاختفاء القسري والزج بعشرات الآلاف في السجون، والمحاكمات الصورية، وقمع التظاهرات وحرية التعبير وغيرها من الحقوق التي أقرتها المواثيق الدولية.
وللتدليل على خطورة هذا الملف فقد وثقت المنظمات الحقوقية وجود نحو خمسين ألف سجين سياسي، بينهم نحو ستين امرأة وما يزيد على ثلاثمائة طفل، ومئات الطلاب، فيما تم قتل ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين سجينًا سياسيًا، نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية لهم، كما تعرض نحو مئتين وخمس وأربعين طالبًا وطالبة للقتل خارج إطار القانون، ويواجه ما يزيد على ألف وسبعمائة مواطن مصري أحكامًا بالإعدام في محاكم لم تتوفر فيها أبسط قواعد العدالة العدالة.
كل هذا الخراب والدمار فى الوقت الذى يقوم فيه نظام الانقلاب ببناء عشرات السجون والمعتقلات، وعقد صفقات أسلحة، ليس لها أى لازمة، ولكن فقط لدعم الدول الداعمة للانقلاب، كما هو الحال فى صفقة طائرات الرافال وحاملة الطائرات الفرنسية، والغواصات الألمانية والصواريخ الروسية!!
والطريف أن النظام الانقلابى يعلق فشله على أهم شماعتين، يتم استدعاؤهما مع أي فشل، الشماعة الأولى شماعة الإخوان، وأنهم المستفيدون مما يحدث، والشماعة الثانية شماعة الحرب على الإرهاب، “مش أحسن ما نبقى مثل سوريا والعراء!!”.
أما الطامة الكبرى لهذا النظام فهى ليست ما يقوم به الإعلام الانقلابى من التحريض على قتل الإسلاميين وشيطنتهم، بل تحول إلى حملة على دين الله عز وجل، فقد أعلن قائد الانقلاب فى عدة مناسبات دينية -وهو مكفهر الوجه مقطب الجبين، وبكل وضوح- أنه يختلف مع القرآن في نقاط عديدة “غير إنسانية”، حسب زعمه، وأن كتاب الله يحوي العديد من النماذج القرآنية المحرضة على العنف، ودعا إلى ما وصفها بثورة دينية للتخلص من أفكار ونصوص تم تقديسها على مدى قرون وباتت مصدر قلق للعالم كله، وليس معقولا أن يكون الفكر الذي نقدسه على مئات السنين يدفع الأمة بكاملها للقلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها.
وخاطب شيوخ الأزهر وطالبهم بإعادة قراءة هذه النصوص بفكر مستنير!! والفكر المستنير هو اتهام الخطاب الإسلامي ونصوص الدين بأنها السبب في كل حوادث العنف والإرهاب حول العالم!!
أضف تعليقك