• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

الطلب الإيراني بالبحث عن بدائل لسوء إدارة السعودية لفريضة الحج، ليس جديداً.

فقد كان لإيران اعتراضات على سوء الإدارة السعودية للمشاعر المقدسة، منذ قيام الثورة الإسلامية، لكنها كانت في السابق نغمة نشازا!

الزعيم الليبي معمر القذافي، هو صاحب الدعوة لـ"تدويل المقدسات"، لكن تكمن المشكلة في صاحب الدعوة؛ الذي كان يفتقد للثقة وللاعتبار السياسي، مع الحكمة المعروفة: "خذ الحكمة من أفواه المجانين"!

وكان الحلف السعودي قاسياً في مواجهة هذه الدعوة، التي كان يعمل على الحد من انتشارها، حتى بعد أن اقترب النظام المصري من القذافي، وتركه يلتقي بمواطنين مصريين في محافظة المنيا، على أنهم من رعاياه، وما يمثله هذا من مخاطر على الأمن القومي المصري، لكن مبارك لم يأخذ القذافي بجدية، وتعامل معه على أنه يحمل شهادة "معاملة أطفال". فلم يكن راغباً في القطيعة معه، كما كان الحال في عهد السادات، حيث أن مبارك لم يكن يحتمل طريقة القذافي في التعبير عن خصومته، وقد جعل من حرم الرئيس الراحل مادة في هذا الهجوم، وكان السادات يرد على بذاءاته، بـ"الولد المجنون بتاع ليبيا"!

لقد ترك مبارك المؤسسات الصحفية الرسمية توزع الكتاب الأخضر للقذافي، في صفقة فساد، كما أنه ترك بعض المعارضين يمولون من هناك، وهناك واقعة توضح مستوى تعامل مبارك مع القذافي علمت بتفاصيلها في حينها.

لقد زار موفد القذافي رئيس حزب "الأحرار"، مصطفى كامل مراد، في منزله، وإذ طلب أن يسلمه حقيبة فيها مئة ألف جنيه دعماً من القذافي، فإن الرجل اعتذر عن استلامها إلى حين إبلاغ الرئاسة بذلك، وقد استأذن ضيفه ليقوم باتصاله من غرفة أخرى، وسأل مبارك إن كان "حامل الحقيبة" قد علم بأمر الاتصال؟ فلما بلغه علمه، قال مبارك إنه إن طلب منه الاعتذار عن قبول هدية القذافي، فإن هذا سيغضبه، ثم استدرك: خذ المبلغ مقابل إعلانات في صحيفة الحزب. وقد نشر بالفعل إعلانا عن "النهر العظيم"، لكن المفاجأة كانت أن "الموفد الليبي" استقطع منها عشرة آلاف جنيه لنفسه!

لقد ترك مبارك سياسيين يمولون من القذافي، بل ووصل الحال بالزعيم الليبي إلى أن يتصل بمبارك غاضباً لأن الأمن المصري صادر حقيبة بها أموال ممنوحة لأحد الصحفيين المصريين في طريق عودته من الجماهيرية. وقد حقق مبارك في الأمر، واكتشف عدم صحة الواقعة، فغضب، ليس لأن صحفيا يمول من الخارج، ولكن لأنه يتصرف بدناءة، وهو الوصف الذي قاله لنقيب الصحفيين "إبراهيم نافع". فالممول، وقد فكر في طريقة للحصول على حقيبة أخرى، وضعه (الرئيس) في مشكلة مع القذافي. وطلب من النقيب أن يبلغ صاحبنا بغضبه، وألا يعود إلى مثل هذا التصرف مرة أخرى!

بيد أن الأمر الوحيد الذي لم يقبله مبارك من الزعيم الليبي هو الدعوة لتدويل المقدسات، وقد تم تجميد حزب وإغلاق صحيفته؛ لأن صحيفة "مصر الفتاة" صدرت ذات أسبوع وفي أعلى صفحتها الأولى نشرت دعوة القذافي لتدويل المقدسات!

وهناك فارق توقيت بين إطلاق هذه الدعوة في السابق، واطلاقها الآن، فقد كانت سابقاً تعد نشازاً؛ لأن من أنتجها هو عقل غير منضبط، فضلاً عن أنها قادمة من بلد يمثل مذهبا دينياً مختلفاً (إيران) وكانت العربية السعودية، عند الناس هي التي تمثل أهل السنة والجماعة!

الآن لم يعد الأمر كما كان، فالسعودية تنازلت طواعية عن هذا التمثيل، وبدا هذا الدور عبئاً على أهل الحكم هناك، لتصبح مسألة الإشراف على المقدسات ليست أكثر من "بيزنس" يدر ملايين الدولارات سنوياً لإنعاش الاقتصاد السعودي، وهذا الدخل قد يكون مهماً في صفقات الحفاظ على الكراسي، بدفع مزيد من الرشاوى لساكن البيت الأبيض!

وإذا كانت السعودية في السابق تمنع أفراداً من الحج والعمرة لأسباب سياسية، فإنها الآن تتدخل لتحرم سكان بلد بأكمله من أداء شعائر الله، بل وتستخدم هذه الشعيرة ضمن مخططها لإحداث انقلاب داخل هذا البلد. فبعد الحصار على قطر، قالت إنها ترحب بحجاج بيت الله، مجاملة للشيخ عبد الله آل ثاني؛ الذي كانت تخطط لتنصيبه أميراً للبلاد، قبل أن يعلن الرجل أنه مختطف في الإمارات، وقبل أن يتبين أن الاستجابة لوساطة الرجل والترحيب بالحجاج القطريين ليس إلا تصريحا للاستهلاك الإقليمي!

في الواقع أن الدعوة إلى "تدويل المقدسات" كان من المفروض أن تكون مطلبا جماعيا ليس الآن، ولكن منذ أن بدأ القوم هناك في تحكيم مذهبهم على غلوه، في العبث بالتراث الديني في مكة والمدينة وتغيير معالم الأماكن المقدسة. ولا يمكن قبول هذا التحكم على أساس أن السعودية أنفقت الكثير من أجل الإصلاح؛ لأن الحقيقة أنها جنت أكثر بكثير مما أنفقت، فضلاً عن المكانة الأدبية التي حققتها بسبب هذه الرعاية للأماكن المقدسة، عندما كان مهما بالنسبة لها أن تنازع مصر على صدارة المشهد السني!

لقد كانت كسوة الكعبة المشرفة تأتي إليها سنوياً من مصر، في ما عُرف بـ"المحمل"، ولم يكن هذا مبرراً لأن تغتصب مصر السيادة على الأماكن المقدسة!

إن البحث عن بدائل لسوء إدارة السعودية للحج، وللأماكن المقدسة، لم يعد عزفاً منفرداً، أو مطلباً نشازاً.

أضف تعليقك