بقلم: محمد عبدالقدوس
منذ 60 عامًا بالضبط وتحديدًا عام 1968، شهدت بلادى مظاهرات الطلبة؛ احتجاجًا على كارثة الهزيمة، وهى أول احتجاجات من نوعها ضد عبد الناصر منذ سنة 1954، وكنت مع أخى الجميل "أحمد" من أوائل الطلاب الذين ثاروا فى وجه تلك البلوى، وبدأت التظاهرات من جامعة القاهرة بالحقوق، والهندسة، وامتدت إلى الجامعة كلها، وخرج الطلاب من جامعتهم، واتجهوا إلى البرلمان، وخرج إليهم أنور السادات رحمه الله، وكان وقتها رئيسًا لمجلس الأمة، كما كان يُسمى، ومعه وزير التعليم العالى، وعدد من قيادات الدولة.
وأخذ الطلاب يهتفون وتركزت هتافاتهم فى أمرين.. إطلاق الحريات ومحاسبة المسئولين عن الهزيمة، وكان منظرًا فريدًا من نوعه لم يسبق له مثيل أبدًا منذ عشرات السنين فى عهد عبد الناصر.
وظلّ أنور السادات واقفًا فى شرفة المجلس ينظر إلينا بابتسامة لا معنى لها، ولمح أخى أحمد، وركز بصره عليه.. وبعد عدة ساعات انصرفنا فى هدوء.
وفى مساء ذات اليوم اتصل أنور السادات بوالدي إحسان عبد القدوس، وربنا يرحم الجميع، وقال له فى لهجة حادة: "يا إحسان: بدلًا من أن تكتب قصص روح ربي أولادك"!! أنا شفت ابنك أحمد النهاردة فى المظاهرة وأكيد أخوه التانى معاه "يقصدني أنا"!! وأغلق الهاتف وهو غاضب.
وأخبرني حبيبى أبى بتلك المكالمة، وكنت بجانبه، ولم يعلق على كلام صديقه السادات.
وفى اليوم التالى فُوجئ والدنا بأننا ذاهبون إلى الجامعة، فقال لنا بصوت هادئ: خللى بالكم السادات زعلان وبلاش تحرجونى أمامه، ولن نلتفت إلى كلامه، وشهد هذا اليوم اشتباكات عنيفة مع الشرطة امتدت من الجامعة وحتى مصر الجديدة، حيث وصلنا إلى هناك فى تظاهرات امتدت طيلة الطريق، وتعرضت خلالها لبهدلة شديدة، وعندما عدت لمنزلى فى المساء رأيت والدي متلهفًا على سلامتى؛ بعدما جاءته الأنباء أننى قد أصبت! ونسى ما قاله له السادات في تلك المكالمة التليفونية الغاضبة.
وفي اليوم الثالث كانت الجامعات قد أُغلقت، ومع ذلك ذهبنا إلى هناك، وشاركنا في الاعتصام الذى كان قائمًا بكلية الهندسة! ووقعت بعد ذلك تطورات مذهلة لم تخطر ببالى ولا فكر فيها أبى.. وسأخبرك بها فى المقال القادم بإذن الله.. من فضلك انتظرنى.
أضف تعليقك