بقلم: حلمي القاعود
أشعر بالذنب لأن قضايا وطني شغلتني عن قضايا الوطن الأكبر!
وطني ماتت فيه السياسة، صندوق الذخيرة يحاور بدلا من صندوق الاقتراع. سادت لغة النبوت بدلا من لغة الفكر، ومنطق العصا الغليظة بدلا من منطق الحجة والبرهان.. صارت السجون أكثر امتدادًا وامتلاءً من الجامعات والمدارس!
أينما وليت وجهك الآن ترى أمة العرب على مائدة اللئام، وبعض أبنائها يسفك دم بعضها الآخر بوحشية، وعالم الأقوياء يضحك في كمه على قوم تخلوا عن كل شيء لصالح الكراسي المهزوزة الموقوتة، واستباحوا أشقاءهم بكل بساطة!.
اليمن تئن وتبكي وتجوع، وليبيا تفعل الشيء نفسه، وما زالت العراق والسودان والصومال تعاني من آثار الموت المجاني طوال سنوات لم تجف فيها الدماء. ودول أخرى تعيش الخوف والرعب والأيام السوداء. أما بلاد الشام فهي ذروة المأساة.. أكثر من نصف مليون بريء قضوا نحبهم. وأكثر من نصف الشعب السوري يعيش في المنافي وأماكن النزوح في عذابات القهر والجوع والضياع، وجيل جديد يعيش على مدى سبع سنوات، بلا تعليم ولا رعاية صحية أو اجتماعية.
الحاكم الفرد أبى أن يستجيب في بداية الثورة السلمية لمطالب الشعب المظلوم. أصر أن تكون لغة الرصاص والنار والنابالم والكيماوي والبراميل المتفجرة هي الحل. دول إفريقية حديثة العهد بالاستقلال؛ تغادر ماضيها الاستبدادي وتتجه نحو الحوار الداخلي، والتخلي عن الحكم طواعية أو عبر اتفاق: رئيسة ليبيريا، رئيس الحبشة ، رئيس جنوب إفريقية، وقبلهم رئيس زيمبابوي، وهناك عدد لا بأس به يتبادل السلطة سلميا: زامبيا، موزمبيق، تنزانيا....
بيد أن الحاكم السوري أبى إلا أن تكون الدنيا وفق مشيئته وإرادته، وكما قتل أبوه ذات يوم أكثر من أربعين ألفا من أهل حماة وحلب، وشتت أكثر من ثلاثمائة ألف من الأرامل والأطفال والأيتام في أرجاء الأرض، فإنه تفوق على أبيه في القتل والتشريد، وانفرد باختراع عالمي، وهو البراميل المتفجرة يلقيها على الآمنين في بيوتهم ومساجدهم وأسواقهم ومستشفياتهم, فدمر البلاد، وسفك دماء العباد، وصارت بلاده مستعمرة تمرح فيها قوات من كل أنحاء الأرض، إيرانيون وروس وأميركان، وباكستانيون وأفغان، فضلا عن تنظيم الدولة (الدولي!)، وقيل إن كوبا سترسل قوات أرضية لتساند الطيران الروسي، ولكنها نفت ذلك.
قال علي محمدي عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران (أحد أجهزة الحكم بإيران وهو بمثابة هيئة استشارية عليا)، إن الرئيس السوري، بشار الأسد، كان مقتنعا بترك السلطة (مطلع الأزمة السورية) قبل لقاء اللواء الإيراني، سردار همداني في سوريا.
وأضاف محمدي في تصريحات نقلتها وكالة أنباء "مهر" الإيرانية: "عندما عاد سردار همداني من سوريا، أكد أنه عندما وصل إلى دمشق كان بشار الأسد قد توصل إلى استنتاج بأن عليه مغادرة القصر، وكان محاطا بالقوات المعارضة".
وتابع قائلا: "همداني أخبر الأسد بأنه لن يكون قلقا إذا سمح بتوزيع 10 آلاف قطعة سلاح على الشعب(؟) وتنظيمهم، وأنه بذلك سيقضي على الخطر"، مشيرا إلى أن همداني حشد 80 ألفا من السوريين، وأدخل حزب الله للمشهد وأصبح الجيش السوري بعدها أقوى، واليوم نرى أن الجيش السوري بات قادرا على إسقاط طائرة صهيونية.
لست في حاجة إلى مناقشة ما قاله همداني، وخاصة عن إمام آخر الزمان وعلاقته بتكالب الدول الكبرى على إيران، ولكني أسأل همداني وغيره عن حق الدم السوري الذي يجري مجانا أمام أعين الدنيا التي لا تحرك ساكنا، وفي مقدمتهم الأشاوس والنشامى العرب، المشغولون بإرضاء العدو الصهيوني والتودد إليه بالزيارات والتصريحات والتغريدات والصفقات، والتواطؤ في بيع القدس الشريف بلا ثمن ولا مقابل! بينما لم يطلق النظام رصاصة واحدة في الجولان على مدى 45 عاما!.
بالطبع فإن الأستاذ أحمد أبو الغيط أمين الجامعة العربية لم ير مشكلة في سورية غير وجود القوات التركية في عفرين، وطالب بإخراجها، ولأنه رجل "عِشَرِي" فإنه يعزّ عليه أن يطلب من دول الاحتلال في الشام التي أقامت قواعد ومناطق تهيمن عليها منذ زمان أن ترحل، وبدلا من دعوته إلى استقلال سورية، والقيام بدور يسهم في الحل السياسي، ووقف نزيف الدم المجاني، فإنه مشغول بعفرين التي يحتلها الشيوعيون الأكراد. لا أدري ما دور الجامعة الآن بعد أن وضعت خدها على يدها ، وراحت تتفرج على ما يجري في جنيف والآستانة وسوتشي وغيرها!
الدم السوري الذي يجري أنهارا في الغوطة وإدلب وحلب وحمص ودير الزور وغيرها يحرك القلوب الميتة لترفض الوحشية التي يمارسها طيران الأسد ودول الاحتلال التي تقوم بتمثيلية رخيصة في مجلس الأمن وخارجه ليستمر النزيف، وينتصر الطاغية، وبعدها يركلونه، بعد أن اتفقوا ضمنيا على تقسيم سورية وتوزيع غنائمها( البترول والغاز والثروات والموقع وحماية الكيان الصهيوني).
ثم يأتي موقف الفصائل التي تواجه النظام في تفرقها وتناحرها وتقاتلها لتضيف إلى المأساة الدامية في الغوطة وغيرها بعدا بشعا لا أفهم مسوغا له أو سببا. وكأن المحنة لا تتوقف بما يسفكه الطاغية وأعوانه من دول الاحتلال وميليشياتها. ما معنى أن تدور معارك عنيفة بين هيئة تحرير الشام وائتلاف فصائل إسلامية في شمال غرب سوريا في سياق "صراع على النفوذ"، تسبب في مقتل عديد من المدنيين وإصابتهم. لقد وصف مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لفرانس برس ما يجري بقوله: "الفصائل تخوض حرب إلغاء وصراع على النفوذ" يمتد إلى الريف الغربي لمحافظة حلب المجاورة. كنا نتمنى أن تتوحد هذه الفصائل، وتتفق على مبادئ مشتركة، على الأقل لتواجه الطاغية بإرادة سياسية واحدة، وتكفه عن مزيد من القتل، وتعجل بالوصول إلى اتفاق سياسي ينقذ الشعب والبلاد من المصير الأسود، وهو التقسيم والاستباحة والضياع!.
لقد تمادى النظام الدموي في إجرامه، ولم يعبأ بالصرخات تحت الأنقاض في الغوطة وغيرها، بل لاحق الخارجين عن سلطته وهيمنته، والفارين إلى المنافي هربا بأرواحهم وأبنائهم، وحرمهم من الخدمات والأوراق الثبوتية وجوازات السفر، وقنصلياته في دول العالم تعامل المهجّرين بكل فظاظة وامتهان، وتفرض عليهم- وهم الذين فقدوا كل شيء- رسوما باهظة بالعملة (الأمريكية!)، على أن تكون بورقة المائة دولار الجديدة!.
يعبر الطاغية عن سعادته ونشوته أمام بوتين وهو يشيد بأحد جزاريه ويسمى العميد سهيل الحسن، الملقب بالنمر، فيتحدث عنه بفخر لأنه: "لا يلتقي بعائلته.. ويظل في الميدان"؛ فهو سيلتقي بها: "إن شاء الله بعد النصر"!.
ترى ما هو طعم النصر على الشعب؟ هل يشبه طعم النصر على العدو وتحرير الجولان؟
الله مولانا.. اللهم فرّج كرب المظلومين.. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!.
أضف تعليقك