منذ انقلابه العسكري الغاشم على الشرعية، اتجه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي لاستخدام سياسة "فرق تسد" ليتمكن من السيطرة على الشعب المصري من خلال تفكيك الصف الوطني، الذي كان كبيرًا ومنيعًا في ثورة 25 يناير.
ويؤكد السياسيون أن معطيات الأمور على الأرض تؤكد أنه ما كان السيسي لِيُمعن في تركيع المصريين بهذا الشكل دون تأميم المجال السياسي العام تمامًا بعد اختطاف المسار الديمقراطي عبر ضرب روح الثورة في مقتل عن طريق تشويه وشيطنة رمزية الثورة كوسيلة مشروعة للتغيير، حيث لعب مع جميع التيارات وتلاعب بالجميع في نفس الوقت، ثم قام بتوسيع الفجوة فيما بينها الأمر الذي مهّد لإنهاكها وتفتيتها، ثم تصنيفها على أساس أيديولوجي على طريقة الاستعمار القديمة "فرق تسد"، ثم انقض عليها وافترسها جميعًا بطبيعة الحال.
تشويه جماعة الإخوان
حتى يستطيع السيسي تدجين الشارع والالتفاف على الثورة، واحتواء غضب المطحونين، كان لا بد من تفكيك أكبر كتلة شعبية منظمة وأقوى فصيل سياسي متماسك يمتلك القدرة على الحشد وتجييش المؤيدين، وهي جماعة الإخوان المسلمين لما لها من قاعدة شعبية كبيرة وراسخة عبر عشرات السنين على الساحتين السياسية والدينية.
ورغم أن الجماعة استطاعت الصمود لأكثر من ثمانية عقود أمام جبروت أنظمة الحكم المختلفة، إلا أن قائد الانقلاب بعد 30 يونيو 2013، استطاع إلى حد كبير تفكيكها عبر ضرب قواعدها التنظيمية، متمثلة في قيادات الصف الأول والثاني والثالث، سواء بحملات الاعتقال أو القتل أو الإخفاء القسري، أو المطاردات والملاحقات الأمنية، ومصادرة الأموال الممتلكات، والفصل من الوظائف، علاوة على تفخيخها من الداخل، عبر إثارة الصراعات والخلافات بين قياداتها وقواعدها في بعض الأحيان، فضلاً عن التشويه والشيطنة إعلاميًا بالفبركة، وتلفيق تهم خيالية للجماعة وأفرادها وأفكارها انطلت على قطاع ليس بالقليل من البسطاء.
وكان لاستبعاد جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي من المعادلة السياسية أثر كارثي على حاضر ومستقبل الوطن، حيث نجح النظام في اختبار مدى مقاومة الشارع عبر حزمة من الإجراءات التعسفية الجائرة، لا سيما الاقتصادية، فقد تم تمريرعدة اتفاقيات خطيرة، دون اعتبار لشعب منكسر أو شارع يئنّ تحت مقصلة الأزمات الطاحنة المتلاحقة. وأخطر هذه الإجراءات على حاضر ومستقبل وكيان الدولة، دون أن يكون للشارع رد فعل مزلزل يتناسب مع مستوى وخطورة الأحداث، بعد أن كان يدعو للتظاهر والخروج في مليونيات للميادين على أتفه الأسباب، ومن هذه الإجراءات التنازل المهين عن جزيرتي تيران وصنافير والتنازل عن مياه النيل وما يسمى "صفقة القرن" التي من المزمع بموجبها التنازل عن جزء كبير من شبه جزيرة سيناء كوطن بديل للدولة الفلسطينية الوليدة.
ورغم كل ذلك فقد رضخ الشارع قسرًا لكل تلك الإجراءات، واستطاع النظام إسكات الأصوات المناوئة بالترهيب والترغيب والتغييب أيضًا؛ لأنه ببساطة فقد القيادة والمحفز على النزول والحشد متمثلاً في جماعة الاخوان خاصةً، والتيار الإسلامي عامةً، تحت تأثير ضربات القمع والاستئصال المستمرين حتى اللحظة.
كراهية الشعب للجيش والشرطة
لا شك أن مستويات من الغضب والكراهية يحملها القطاع الأكبر من الشعب تجاه الجيش والشرطة، والسبب الرئيسي في ذلك هو المجرم المنقلب عبد الفتاح السيسي.
وثارت التساؤلات حول دور قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، في زيادة مشاعر الكراهية لدى المصريين تجاه الجيش والشرطة، وخاصة بعد حديثه عن عدم سماحه بإهانتهما وعقاب أي مصري يرتكب تلك الجريمة التي أوصلها لحد الخيانة العظمى.
ذلك التساؤل ظهر مصحوبًا بحالة من الغضب لتفرقة السيسي بين الشعب ومؤسساته الوطنية، كونه أظهر الشعب بوضع المسيئ للمؤسستين الوطنيتين وكشف انحيازًا واضحًا من رأس السلطة وتسييدًا لهما على حساب جل المصريين، ما يؤجج مشاعر الكراهية الشعبية.
وكان السيسي قد وجه أكبر إهانة للجيش والشرطة حينما استخدمهما للانقلاب على أول تجربة ديمقراطية، ليجد الشعب نفسه بهذا الانقلاب، أمام ثورة مضادة على شعوره بالحرية والكرامة التي نالها بثورة يناير، ثم استشعر تسييدًا فاجرًا للمؤسستين أطاح بكل مكتسباته.
إهانة أخرى قام بها السيسي للمؤسسة العسكرية؛ حينما أظهر قادته السابقون وجنرالات الجيش بصورة قراصنة وفسدة يتصارعون على المناصب والمال، في الوقت الذي يعيش فيه عامة الشعب الآن أوضاعًا اقتصادية قاسية، وتتملكهم الكراهية والغضب حين يرون تمييزًا فاضحًا للشرطة والجيش، فضلًا عن حقائق تروى عن مليارات من الدولارات وردت من الخليج التهمها السيسي وجنرالاته.
ودائما ما يشيد السيسي بالجيش والشرطة بالمناسبات العامة، وعلى سبيل المثال، وفي 13 أكتوبر 2016، وبندوة تثقيفية لإدارة الشؤون المعنوية، أثنى السيسي على عطاء الجيش والشرطة بمواجهة الإرهاب وما يقدمه الشهداء لكي تحيا مصر آمنة، على حد زعمه، وعلى الجانب الآخر، حمّل السيسي الشعب مسؤولية ما وصلت إليه البلاد، وعلى سبيل المثال، قال مخاطبًا المصريين باحتفالية دار الأوبرا بالقاهرة منتصف 2016: "مصر بتقول لكم؛ مكاني ليس ما أنا فيه، وليس حجمي هكذا، أنا لا أحتاج وأنتم هنا"، داعيًا الشعب لعدم الأكل بقوله لا نأكل؟ مجيبا: نعم لا نأكل، متسائلا: لا ننام؟ موضحا: نعم لا ننام، لكن مصر تأخذ مكانها الحقيقي.
تقسيم الجيش
قضى عبد الفتاح السيسي شهوره الستة الأخيرة قبل أن يغادر منصب وزير الدفاع في تشكيل قوات التدخل السريع، القوات تم تسليحها بأحدث المعدات والذخائر التي لا يملك بعضها الجيش المصري نفسه، وهي رغم أنها جهزت خصيصًا للتدخل السريع كما يظهر اسمها إلى أنها مسلحة بفرق دبابات وبطائرات مقاتلة وطائرات نقل عسكرية بخلاف الأسلحة المتوسطة والخفيفة وبمعدات للدفاع الجوي المتحرك وللقذف المدفعي المتحرك أرضًا.
تاريخيًا كانت حماية الرئيس من انقلاب الجيش ضده مهمةَ سلاح الحرس الجمهوري لكن ربما الدور الذي لعبه هذا السلاح في ثورة يناير وانضوائه عمليًا وقتها ضمن أسلحة الجيش ورفضه تقديم حماية خاصة لمبارك في وجه المجلس العسكري دفعت السيسي لتأسيس جيش خاص يختار قياداته وضباطه على أساس الانتماء له أولً، والكفاءة القتالية ثانيًا، بعيدًا عن البيروقراطية العسكرية التي تسيطر على بقية أفرع القوات المسلحة والتي ظهر أثرها في كفاءة عمليات الجيش بسيناء في مواجهة عشرات المسلحين.
أضف تعليقك