يعد الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس، رائد إحياء الجهاد في الأمة الإسلامية في العصر الحديث، بتأسيسه أكبر حركة مقاومة ضد العدو الصهيوني، رغم عجزه شبه الكامل.
وبدأ ياسين جهاده شابا، حين شارك وهو في العشرين من عمره في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956 وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية متميزة.
وشرع في تربية الشباب المسلم لإعدادهم نفسيا وتربويا وروحيا لحياة الجهاد، فكان يجمع الطلاب المتميزين في المساجد لغرض التدريس وإقامة النشاطات الثقافية والرياضية والاجتماعية، وكانت له محاضرات مهمة في كل مناسبة.
ورغم عجز الشيخ ياسين، إلا أنه ظل صامدا ثابتا بعد أن اعتقلته سلطة المجرم جمال عبد الناصر، إذ كان قطاع غزة يقع تحت الإدارة المصرية، بزعم الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وظل حبيس الزنزانة الانفرادية قرابة شهر، ثم أفرج عنه بعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان.
وطاف الإمام المجاهد، المدن والقرى الفلسطينية داعيا ومتحدثا وخطيبا، لحث الشباب على الوقوف في وجه العدو الصهيوني، وبعد نكسة 1967 استمر ياسين في إلهاب مشاعر الفلسطينيين من فوق منبر مسجد "العباس" بحي الرمال لمقاومة الكيان الصهيوني.
وكان للشيخ القعيد دور مجيد في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، ليعلن بعدها تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس الذي أسست بدورها كتائب الشهيد عز الدين القسام، التي تعتبر الآن جيشا يذيق العدو الويلات.
وتربى على مائدة الشيخ ياسين قادة الجهاد والمجاهدين في فلسطين من أمثال عبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة وإبراهيم المقادمة وأبو هنود وسعيد صيام وخالد مشعل ومحمود الزهار وإسماعيل هنية وجمال منصور وجمال سليم ويحيى عياش وعماد عقل ومحمد الضيف.
ولم يكن ياسين ذلك الشاب المندفع للجهاد، بل كان قائدا فذا يعد المجاهدين على مهل وبروية شديدة تحصد الأمة ثمارها اليوم في تلك الكتائب العملاقة التي تقض مضاجع المعتدين.
ونتعلم من مسيرة شيخ فلسطين، دروسا وعبرا جمة في الجهاد وتربية الشعوب، كما رصدها موقع بصائر من قبل، وهي كالآتي:
أولاً: أهمية التغيير والتعبئة لعامة الشعب، حتى يكونوا قابلين للانخراط في الاتجاه الذي يقصده. فالشيخ لم يبتدئ الأمر بالدعوة إلى الجهاد والمقاومة، بل كانت بداية منهجه متمثلة بالإصلاح بين الناس، ونشر دعوة الخير فيهم، حتى بات رمزا شعبيا ودعويا داخل القطاع، وأصبحت كلمته مسموعة بين الناس، بالإضافة إلى كسبه ثقة الناس واحترامهم. وهو المنهج الذي لابد أن ينتبه إليه الدعاة والمصلحون، ألا يقتصر تعاملنا مع الناس على الخطاب السياسي فحسب، بل العمل على كل ما يخدم الناس ويحقق اللحمة والثقة بين الحركة الإسلامية وفئات الشعب المختلفة.
ثانياً: أهمية العمل الجماعي لمواصلة المسير نحو تحقيق الأهداف المرجوة. فقد كان بإمكان الشيخ أن يقتصر دوره على العمل الدعوي، والخطابة والوعظ، فينال الشهرة والمديح والمكانة الرفيعة. لكنه كان يدرك أن هدف تحرير فلسطين يحتاج إلى الجمع بين الوعظ والإعداد، والإصلاح وحمل السلاح، والابتلاء والتضحية والجهاد، فكان إنشاؤه لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" ليتم توزيع الأدوار والمهام، ويعين كل من الأفراد بقية إخوانه، وحتى لا يتوقف المسير نحو الغاية والهدف باعتقال فرد أو استشهاده.
ثالثاً: الاهتمام بالجانب التربوي والإيماني، بالإضافة إلى الجانب الفكري. فقد كان الشيخ المؤسس يدرك أن الوقوف في وجه المحتل بالسلاح والاشتباك معه يحتاج إلى زاد يثبت عزيمة الأفراد، ويحمي بوصلتهم من الانحراف والضياع، رغم كل الظروف التي تمر بهم، وفي الوقت نفسه يجعل جهادهم صحيحاً ومقاومتهم راشدة. لذا كان يزرع في نفوس الأفراد القيم التربوية والإيمانية، مقتدياً بالمنهج النبوي الشريف في التغيير والتربية، حتى الوصول إلى مرحلة الجهاد وقيام الدولة. وهذا الأمر يؤكد على أن لا قيمة لأي قتال دون وجود زاد إيماني، يجعل السائر فيه عصياً على السقوط والهزيمة والتخاذل، وينال رضا الله وتأييده وتوفيقه.
رابعاً: تحديد الأهداف والثوابت المتعلقة بالقضية، فالشيخ الشهيد كان يعلّم الجميع أن لا بديل عن فلسطين وتحريرها بكافة مدنها وقراها. لذا كان يذكّر بهذا الأمر في كل مناسبة وحين، رغم ما عانته الحركة وما واجهته من عراقيل ومعوقات، الأمر الذي جعل قادة الحركة يتمسكون بذات النهج بعد استشهاده. ويسجل لحماس وقادتها عدم التفريط بالثوابت التي أعلنها الشيخ ياسين ومن معه لحظة تأسيس الحركة قبل عقود، وبقيت الحركة ثابتة على هذه المبادئ والثوابت رغم كل ما مرت به، سواء بفوزها في الانتخابات الفلسطينية وإدارتها لشؤون الحكم، أو أثناء الحصار الغاشم والمواجهة المسلحة مع العدو، أو حتى في ظل المتغيرات التي صاحبت الربيع العربي وما أفرزه من وقائع جديدة وتحديات مختلفة. فبوصلة حماس بقيت ثابتة على ما أسست عليه، لم تغيّر نهجها، أو تتنكب طريقها.
خامسا: عدم اليأس والإحباط، والتوكل على الله وطلب التوفيق منه، والأخذ بالأسباب المادية واستفراغ الوسع في الوصول إلى الغاية والهدف. فالشيخ بدأ العمل في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد. وبغض النظر عن الظرف الإقليمي الراهن آنذاك، فإن الأوضاع الداخلية، وغياب روح التدين والجهاد لدى الكثير من أبناء شعبنا الفلسطيني، كان كفيلاً بإحباط كل من يفكر بسلوك هذا النهج.
وكانت خاتمة الشيخ أحمد ياسين خاتمة مجاهد بطل عاش الجهاد تربية وتعليما تكوينا، فرحل بعد صلاة فجر الإثنين 1 صفر 1425 الموافق 22 مارس 2004، وهو صائم، بعد قصفه بصاروخي أباتشي على يد طائرات العدو في عهد المجحوم شارون.
أضف تعليقك