• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

ثمة مبادرات واتفاقيات وقعت بين مصر والسودان في المجال الاقتصادي، ولكن الواقع لم يسفر عن وجود تأثير حقيقي لأي من البلدين في اقتصاد الآخر، فالصين هي الشريك التجاري والاقتصادي الأول للسودان منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، وحسب بيانات التقرير السنوي للبنك المركزي السوداني، بلغ حجم التجارة بين السودان والصين 2.8 مليار دولار في 2016، وأسفر الميزان التجاري عن فائض لصالح الصين بنحو 1.14 مليار دولار.

 وكذلك بالنسبة لمصر فالشريك التجاري والاقتصادي الأول هو الاتحاد الأوربي، فحسب بيانات التقرير السنوي للبنك المركزي المصري، بلغ حجم التجارة بين مصر والاتحاد الأوربي في 2015-2016 ، نحو 23 مليار دولار، إذ يستحوذ الاتحاد الأوربي على نسبة 32.3% من الصادرات المصرية البالغة 18.7 مليار دولار في نفس العام، ويستحوذ كذلك على نسبة 30.3% من حجم الواردات الإجمالية لمصر البالغة 57.4 مليار دولار، وأسفر الميزان التجاري بينهما عن فائض لصالح الاتحاد الأوربي بنحو 11.6 مليار دولار.

أما عن العلاقات التجارية بين مصر والسودان في عام 2016، فكانت بحدود 873 مليون دولار، وذلك وفق بيانات البنك المركزي السوداني، فالصادرات السودانية لمصر بحدود 304.4 مليون دولار، بينما تبلغ واردتها من مصر 569 مليون دولار، أي أن حجم التجارة بين البلدين بحدود 873.4 مليون دولار. فحجم التجارة بين مصر والسودان بحدود 40% من واردات السودان من الصين في عام 2016.

حديث مكرر

وثمة حديث قديم ومكرر عن أهمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتوفر مقومات وعوامل التعاون الاقتصادي بحكم التاريخ والجغرافيا، ولكن متطلبات العصر أكبر من أن تحكم العواطف والأمنيات العلاقات الاقتصادية والتجارية للبلدين في ظل تخلفهما الاقتصادي، فضلاً عن التوتر السياسي الذي ينتاب العلاقة بين البلدين في كثير من الأحيان.

ومع زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لمصر، والتي بدأت الاثنين 19 مارس/آذار الحالي، خرجت وسائل الإعلام لتتحدث عن اتفاقيات اقتصادية بين البلدين تتناول تطور حجم التجارة وتبادل الاستثمارات، ومواجهة مشكلة المياه عبر أزمة سد النهضة مع اثيوبيا.

ولكن هناك مشكلات حقيقية تتعلق ببنية اقتصاد البلدين تحول دون تطور علاقتهما التجارية والاقتصادية، وإن كان الأداء والامكانات لمصر في هذا المجال أفضل من السودان، ولكنها دون المستوى لإحداث طفرة أو تطور ملحوظ يمكن أن يؤثر على القرار السياسي بينهما. وفيما يلي نسوق بعض الأمثلة على المعوقات التي تؤدي إلى محدودية الثمار المرجوة من العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.

تنافسية الصادرات، كلا البلدين لديه صادرات متنافسة وليست متكاملة، بمعنى أن كلا البلدين يصدر المواد الخام، باستثناء تميز مصر في بعض الصناعات التقليدية في صادراتها، ولكنها في موقف تنافسي ضعيف في السوق السوداني أمام المنتجات الصينية على سبيل المثال. ويستطيع كل من البلدين الاستغناء عن وارداته من الدولة الأخرى بسهولة، وقد يكون بتكلفة مماثلة، كما أنهما لا ينتجان الآلات أو وسائل المواصلات، أو مستلزمات الإنتاج، فمصر والسودان يعتمدان على توفير هذه الأشياء عبر الاستيراد من خارج الدائرة العربية، على الرغم من وجود حركة بشرية من السودان لمصر، تتمثل في بعض أعمال التجارة أو التعليم أو العلاج، إلا أن كلا البلدين لا يرقى اقتصاده ليكون مستوعبًا للأيدى العاملة، التي يمكنها أن تفتح فرص عمل أو حركة هجرة متدفقة، كما هو الحال في دول الخليج التي تستقبل اليد العاملة من مصر والسودان؛ فتدني الدخول والرواتب في مصر والسودان، لا يغري العمالة فيهما للبحث عن امكانية الوجود في سوق العمل بهما.

الحديث عن تبادل الاستثمارات بين البلدين، يفتقد للمصداقية، فهناك مساهمات محدودة من قبل مستثمرين مصريين في السودان، وكلًا من مصر والسودان يناشدان دول الفائض -سواء على الصعيد العربي أو الأجنبي- للاستثمار، وفي ظل الأزمة التمويلية للبلدين، وارتفاع مديونياتهما الخارجية، لا تمتلك أي حكومة من الدولتين ترف الاستثمار في الأخرى.

ولم تكن إمكانات البنوك في البلدين ببعيدة عن إمكانات الحكومتين، فالبنوك المصرية منذ الانقلاب العسكري، اتجهت للاقتراض من الخارج، سواء لتوفير النقد الأجنبي لعملائها، أو لصالح بعض الهيئات الحكومية، كما أن البنوك السودانية بحكم ضعف ملائتها المالية، والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على السودان الفترة الماضية، لا تملك ما تقوم به من استثمارات أو أنشطة مصرفية في مصر.

كما تأمل كل من مصر والسودان في وجود حركة للسياحة تساعد على تدفقات النقد الأجنبي، ولكن على صعيد السياحة البينية بينهما، فلا تسمح الدخول المحدودة لمواطني الدولتين من ممارسة نشاط السياحة في الدولة الأخرى، فضلًا عن ضعف شديد لدى المجتمع المصري عن المقومات السياحية في السودان.

والملاحظ في إطار العلاقات الاقتصادية لكل من مصر والسودان، أنهما في موقف المتغير التابع على مدار السنوات الماضية، وبخاصة بعد الانقلاب العسكري بمصر في 2013، إذ سعت كل من مصر والسودان نحو دول الخليج، للحصول على الدعم المادي، أو العمل على جذب دول الخليج للتجارة والاستثمار والسياحة، وهي مزايا غير مشجعة مقارنة بالفرص الأخرى المتاحة أمام الدول الخليجية. مما أثر على الأداء السياسي لمصر والسودان، وأضعف من إمكانية وجود تأثير ملموس لهما على الصعيد الإقليمي.

 

أضف تعليقك