بقلم: حسناء حمدي
عندما أدخلني أحد إخوتي في نقاشٍ صغير، نتحدث فيه عن "كيفية إقناع غير المسلمين بالقرآن"، كان هناك نقاشٌ آخر يدور أمامي بالفعل، بين طلابٍ في الجامعة، شابين مسلمين، أو ثلاثة!
جعلني أتساءَل: لماذا لا نقنع المسلمين بالقرآن؟ لطالما كانت قضية إدخال غير المسلمين في الإسلام قضية في غاية الأهمية بالنسبة لنا، لكننا لم ننتبه إلى الحال التي بتنا عليها في مجتمعاتنا المسلمة، لقد بات المسلمون بعيدون كل البعد عن القرآن، كتابهم المقدس، منهجهم، ودستورهم الأول! لا يعرفونه، وإن عرفوه لا يفقهونه، وإذا حدثتهم به لم يذعنوا، بل قد وصلوا إلى مرحلة السخرية منه، ومنك!
أعتقد أن الأمر لم يكن كذلك منذ زمن، كان لكتابنا المقدس وقعٌ على القلوب لا مثيل له، كان مصدر التشريع، الحُكم، ومنهج للحياة. كنت أظن أنني إذا ما واجهت أحدهم بكلام الله، ستسري الرهبة في أنحاء جسده، والخشية والطاعة والتدبر! لكنني صُدمتُ بواقعٍ مؤلم، واقع أن القرآن لم يعد يسكن قلوب المسلمين، أو عقولهم!، وأنك إذا ما أجبت على شابٍ من أغلب شباب اليوم التائه بآيةٍ، سيسخر منك! لن يفكر فيها، لن يتدبرها، لن يتأثر قلبه بها، وربما لن يقرأها أصلًا!
لهذا فقط؛ علينا أن نقنع المسلمين بالقرآن، علينا أن نعيد للقرآن مكانته في قلوب المسلمين، القرآن يا سادة لا يموت مع الزمن، بل قلوبنا تفعل! أغلقنا صدورنا على الظلمات، وأغلقنا طرق تطهيرها بآيات الله. فلنفتحها مجددًا إذًا! ألم يحن الوقتُ بعد لفتح المصاحف؟ ألم يحن الوقت لتذوق كلمات الله بحواسنا جميعها؟ سمعًا، وإبصارًا، وترديدًا باللسان.. بلى، قد حان، لقد حانت هذه اللحظة منذ زمن، لكننا مضينا في طريقنا متجاهلين، نزداد همومًا وتزداد صدورنا ظلمات فوق ظلماتها.. وكأننا لا نعرف أين يكمن الحل أو أين المصباح! وكأننا لم نقرأ من قبل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ النساء:174
ورغم ذلك، لا يفوت الأوان أبدًا، فالتغيير ليس له وقتٌ محدد، وليس للإصلاح موعد! لذلك؛ اليوم علينا إدخال القرآن إلى بيوت المسلمين، وإلى قلوبهم.. اليوم علينا إعادة القرآن إلى الحُكم والإيمان به كدستورٍ مثالي لا نقص فيه أو عيب. اليوم علينا أن نسلك سبيل الهُدى، الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في قوله: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ الأعراف:52 وذلك الهدى لا يُدرك بالقراءة فقط، بل بقراءةٍ وتدبر ويقين، ولا يتم بذلك فقط، بل يتم الهدى بالعمل بعد الإيمان.عندها فقط يمكننا القول بأننا أنرنا طرقنا، وفتحنا صدورنا للنور، وسمحنا له بالتسلل إلى أيامنا وأعمالنا ليزينها بخشيةٍ من الله تقومها..
وعندها فقط، علينا أن نحمل المصابيح.. إن حمل المصابيح هو مهمتنا الأعظم، تعليم من غفلت قلوبهم عن غير قصد، وإقناعهم بأن يسلكوا الطريق التي هي فيها النور والهدى طريق القرآن. فقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ". الأمر لا يقتصر إذًا على النجاة بنفسك فقط، بل يتطلب منك الأمر أن تدفع بالآخرين في هذا الاتجاه.
قد يبدو هذا صعبًا جدًا جدًا، أو مستحيلًا! لكنه ليس كذلك.. حسنًا، إنه صعبٌ بالطبع، في ظل هذه الظروف، وبين كل هذه القيود المحيطة، ومع هذا الجيل وهذه الشخصيات.. نعم، صعبٌ جدًا بالنسبة لأناسٍ قد سلبت منهم فطرتهم التي ولدوا بها، فطرة الخير، لكنه لم يكن يومًا مستحيلًا، لذلك؛ نحن بحاجة إلى القليل من الاستصلاح لتلك الأرض التي ذبلت وفسدت وما عادت تعرف من كتاب الله شيء، بحاجة إلى أعادة ذلك الزمن، الذي كانت كلمة الله فيه تزلزل القلوب، وتحكم بالعدل!
علينا فقط إحياء تلك الفطرة المسلوبة قديمًا، ومحاولة فتح الأبواب الموصدة.. سواءً في المدارس، الجامعات، أو على مواقع الإنترنت وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، في الكتب، أو مكتوبٌ على لافتاتٍ في الطريق، أو محاضراتٍ سمعية.. بأي طريقةٍ كانت، علينا إسكان القرآن في قلوب المسلمين من جديد.
------
- نقلا عن مدونات الجزيرة
أضف تعليقك