عقدت في مدينة فارنا البلغارية يوم الاثنين؛ قمة جمعت رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، ورئيس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، رئيس وزراء بلغاريا بويكو بوريسوف.
العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي تشهد توترا منذ فترة طويلة، بسبب دعم بعض دول الاتحاد للمنظمات الإرهابية التي تستهدف أمن تركيا واستقرارها. ويبدو أن هناك رغبة لدى كلا الطرفين في تجاوز الخلافات وترميم العلاقات، إلا أن مجرد الرغبة غير كافية دون ترجمتها على أرض الواقع، كما أن هذه مهمة ليست سهلة؛ في ظل مكابرة الدول الأوروبية وعدم استيعابها أن تركيا اليوم ليست تركيا التي كانت تتعامل معها كيفما تشاء.
وفي أول تعليقه على القمة، قال أردوغان إنه يأمل أن تكون القمة أول خطوة نحو إعادة الثقة إلى علاقات الطرفين، ودعا دول الاتحاد الأوروبي إلى العمل معا من أجل تحقيق الاستقرار والرفاهية في البلقان، وتعزيز التعاون بين تركيا والدول الأوروبية لحل الأزمات في سوريا والعراق وفلسطين واليمن وأراكان وأفريقيا. وإن كانت القمة خطوة بالاتجاه الصحيح، فهناك خطوات أخرى يجب أن تقدمها دول الاتحاد لإعادة تلك الثقة المفقودة، كما أنه من غير المتوقع في الوقت الراهن أن تلقى دعوة الرئيس التركي الصادقة بشأن التعاون لحل الأزمات؛ آذانا صاغية في القارة العجوز.
المشكلة في العلاقات التركية الأوروبية هي سياسة التعالي والنفاق والازدواجية التي تمارسها دول الاتحاد في تعاملها مع أنقرة. ومن المعلوم أن تعزيز الديمقراطية من أبرز المعايير للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كما أن دول الاتحاد تتغنى دائما باحترام الديمقراطية والإرادة الشعبية، إلا أنها أصبحت اليوم ملاجئ آمنة للانقلابيين الهاربين من العدالة، ولم تقف إلى جانب تركيا في معركة الدفاع عن الديمقراطية.
وفي مثال صارخ لتلك الازدواجية، اعتقلت ألمانيا قبل أيام زعيم إقليم كتالونيا الإسباني السابق، كارلس بوجديمون، أثناء عبوره من الدنمارك إلى بلجيكا، بحجة وجود مذكرة اعتقال أوروبية في حقه، ولكنها تسمح للقيادي في منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، صالح مسلم، بأن يصول ويجول في أراضيها، على الرغم من وجود اسمه في لائحة الإرهابيين المطلوبين بالنشرة الحمراء لدى الشرطة الدولية "الإنتربول".
رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، في المؤتمر الصحفي الذي عقده المسؤولون الأربعة بعد قمة فارنا، ادعى بأنهم لم يكونوا يعلمون أن الانقلابيين قاموا بمحاولة اغتيال رئيس الجمهورية التركي في 15 تموز / يوليو 2016، وأنهم علموا ذلك فيما بعد، مضيفا أن المؤسسات التركية أثبتت قدرتها على الصمود والتحرك بشكل صحيح أمام مثل هذه المحاولات. ومما لا شك فيه أن هذه التصريحات مضحكة وتفتقر إلى المصداقية، إذ لا يمكن أن تجهل الدول الأوروبية لأيام وأسابيع سعي الانقلابيين إلى اغتيال أردوغان ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة.
العديد من الدول الأوروبية أقدمت، بعد الولايات المتحدة وكندا، على طرد دبلوماسيين روس، على خلفية تسميم الجاسوس المزدوج، سيرغي سكريبال، وابنته في بريطانيا. وأعلن المتحدث باسم الحكومة التركية، بكر بوزداغ، أن أنقرة لن تتخذ أي قرار ضد روسيا على خلفية هذه الأزمة، مشيرا إلى أنها شأن يخص روسيا وبريطانيا. ومن غير الوارد اصطفاف تركيا مع الدول الأوروبية ضد روسيا، بعد أن خذلت تلك الدول تركيا في أحلك ظروفها وأهم معاركها.
الكرة اليوم في ملعب الدول الأوروبية؛ لأن تركيا ليست في وضع ضعيف أو "رجل مريض"، ولا مضطرة لقبول كل ما يملي عليها الاتحاد الأوروبي كشروط الانضمام. وإن كان الاتحاد الأوروبي جادا في حل الخلافات العالقة وترميم علاقاته مع تركيا، فعليه أن يدرك أولا أنه بحاجة ماسة إلى تركيا للحفاظ على أمن أوروبا واستقرارها، وأن يترك، ثانيا، سياسة التعالي والنفاق والازدواجية في تعامله مع أنقرة.
أضف تعليقك