الربانية ليست شعار يرفع وترانيم تردد لكن الربانية وصال قلبي ورباط روحي بين الإنسان وخالقه فتجعله يسمو فوق الشبهات ويتنزه عن الترهات فتصفو الروح وينشرح الصدر ويطمئن الوجدان فيسير الإنسان إلى ربه متحسساً خطاه خشية أن يعصي ربه عز وجل .
فتلك صناعة رب العالمين لعباده المصطفين الأخيار الذين يجاهدون ليل نهار تعلموا من رسولهم أن الربانية أن تكن لله كما يحب يقيمك فيما يحب .
وهي حسن العلاقة بالله تبارك وتعالي فتكون السعادة والريادة (لقد كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) 21 الأحزاب.
الرسول القدوة : فهو صلي الله عليه وسلم خير قدوة لأمته فلقد ضرب لنا صلى الله عليه وسلم المثل العظيم في الربانية قولاً وعملاً وفعلاً وجهاداً.
فتراه صلي الله عليه وسلم متعبدا لربه شغوفا بدعوته متمسكا بثوابتها مضحيا في سبيلها لا تغريه متطلبات ولا تثنيه افتراءات ولا تخيفه تهديدات، فهو زوج وقائد وتاجر ومعلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم وقوله صلي الله عليه وسلم لعمه يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني . والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
فالربانية تصنع المعجزات فتنكشف الحُجب ويتوارى الزمن وتنطوي المسافات فتقترب وتتباعد بإرادة ربها.
ولقد تخلق أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم بها وها هو الفاروق عمر بن الخطاب ينادي وهو على منبر رسول الله على سارية. وكان سارية أحد قادة جيوش المسلمين في فتوحات بلاد الفرس سنة 645 م/23هـ وبينما كان يقاتل المشركين على أبواب نهاوند في بلاد الفرس تكاثر عليه الأعداء من الفرس و الأكراد.
وفي نفس اليوم كان الخليفة عمر بن الخطاب يخطب يوم الجمعة على منبر الرسول في المدينة، فإذا بعمر ينادي بأعلى صوته أثناء خطبته: “يا سارية الجبل، الجبل يا سارية الجبل، الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم.. ثم بعد شهر من هذا قدم سارية على عمر في المدينة فقال: : يا أمير المؤمنين، تكاثر العدو على جنود المسلمين وأصبحنا في خطر عظيم، فسمعت صوتاً ينادي: “يا سارية الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم”, فعلوت بأصحابي الجبل ونحن قبل ذلك في بطن واد منخفض و مُحَاصِرُو من العدو فما كان إلا ساعة حتى فتح الله علينا” بعد أن اعتلينا رأس الجبل . فتلك هي الربانية التي ظهرت في حياة الصحابة .
فالصف الرباني دائماً متفائل بقدر الله له مهما تصارعت الأحداث وازدادت الآلام والجراح للنيل من عزيمته . لكن ثقته بربة كبيرة وإيمانه بفكرته ودعوته تجعله يبصر الحقائق ويستقرئ التاريخ فيزداد ثقة وثباتا علي دعوته مستشعرا لمعية ربه له وقربه منه فتلك صناعة الله عز وجل لمن اختارهم لدعوته فيرجعُوا الأمر كله لله . (ولَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا).
ولقد عمد أعداء الإسلام إلي تشويه هذا الصف الرباني واصفا إياه تارة بالإرهاب والتطرف وأخرى بإلصاق التهم به كي تنال منه .
لكن علي مر العصور والأزمان تبوء تلك المحاولات بالفشل الذريع وإن كان لها بعض التأثير الوقتي لكن سرعان ما تزول وتنكشف الغمة فيزداد الصف الرباني قرباً من ربه وتمسكا بدعوته لأنها صناعة ربانية.
قال تعالي مخاطبا سيدنا موسي عليه الصلاة والسلام (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) طه . وعندما عزل سيدنا عمر سيدنا خالدة من إمارة الجيش تقبل سيدنا خالد الأمر دون أي غضاضة وظل يقاتل ويقدم الخطط الحربية والنصائح إلى سيدنا أبي عبيدة بن الجراح عندما علم بعزله ذهب مسرعاً إلى أبي عبيدة ليلومه لماذا لم يخبره لما جاءته رسالة العزل من الخليفة ؟ فقال أبو عبيدة لـخالد بن الوليد : وما سلطان الدنيا أريد، وما للدنيا أعمل، وما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع وإنما نحن إخوان وقوام بأمر الله تعالى …………
فصناعة الله لعبادة المؤمنين والدعاة المخلصين هي اصطفاء من رب العالمين لتلك الثلة فتحمل الدعوة وتبلغها إلي أرجاء الدنيا رافعة لواء ربها وحاملة لسنة نبيها فتكون نبراساً للعالمين ومشعل هداية للناس أجمعين . فتنشر الخير وتحارب الفساد والاستبداد وتقول للظالم يا ظالم عندها ينعم الحجر والشجر بهذا الصف الرباني فما بالك بالبشر . فلا عجب في ذلك .فتلك صناعة الله.
أضف تعليقك