• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: قطب العربي

قمة القهر (قهر الرجال) ذاك الذي شهدته (موقعة) الانتخابات الرئاسية المصرية التي انتهت أول أمس، والتي جُمع الناس فيها قسرا تحت تهديد متعدد الأنواع ليدلوا بأصواتهم، وتهز بعض النسوة أوساطها، تحية للزعيم المفدى الذي تجاوز في ساديته وديكتاتوريته كيم جون أون رئيس كوريا الشمالية والموصوف دوليا بالديكتاتور المجنون.

لم تشهد مصر في تاريخها كله سواء المدني والعسكري (أكثر من ستين عاما) هذه الحالة لإرهاب المواطنين، ودفعهم قسرا لممارسة حق لهم أن يتركوه، في صورة تظهر الشعب المصري مختطفا كرهائن لا يستطيعون رد طلب القراصنة المختطفين، وكيف لهم أن يردوا الطلب وهم يعلمون أن ثمن ذلك سيكون فصلهم من العمل، أي إعدامهم معنويا، هذا إن لم يتم إعدامهم ماديا بحكم هزلي كما الانتخابات الهزلية ذاتها، وكما الحاكم الهزلي الذي اختطف البلاد والعباد.
تهديد الجميع

لم تقتصر تهديدات الفصل والتشريد والملاحقة ضد من يتخلفون عن الانتخابات على موظفي الحكم المحلي الذين افتتح قادتهم هذا المزاد في سوق النخاسة، بل وصلت إلى الجامعات الكبرى مرورا بالمدارس والمعاهد الأزهرية والأوقاف، وحتى الشركات الخاصة، لقد تحولت مصر خلال الأيام الماضية إلى غابة يُفرض فيه القوي أوامره على الغلابة، فلا يستطيعون معارضته، وكيف يعارضون وقد شاهدوا رأس الذئب الطائر، ممثلا في آلاف القتلى وعشرات الآلاف من المعتقلين والمطاردين والمفصولين من أعمالهم، والناس ليسو سواء في قدراتهم على تحمل الأذى، والبلاء، ولسان حالهم يقول"رحم الله امرأ عرف قدر نفسه".

شاهد الكثيرون تلك الفيديوهات التي يُلقي فيها مسؤولون رسميون "تعليمات الدولة" على المعلمين لإجبارهم على التصويت بدلا من أن ينالوا العقاب، وشهدنا  صور الكثير من القرارات والتعليمات المكتوبة التي أصدرتها جهات رسمية موجهة إلى موظفيها تهددهم بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم يشاركوا في الانتخابات، ويعودوا بأصابعهم ملونة كدليل عملي على حضورهم، وكانت الصدمة الكبرى أن تصدر مثل هذه التعليمات من رئيس أعرق جامعة مصرية (جامعة القاهرة) والذي هدد العمداء والأساتذة بأنه سيشرف بنفسه على عملية الحضور، وسيتأكد بنفسه من حالات الغياب. لن أتحدث هنا عن الحشد الطائفي الذي قادته الكنيسة المصرية، والذي بلغ ذروته بظهور كشافة الكنيسة في عرض لافت بالدفوف والطبول وسط مظاهرة كبيرة تقدمها القساوسة أيضا، وهو ما ما ينتج مناخا طائفيا لا تحتمله مصر وأحياءها الشعبية القابلة للإنفجار الطائفي في أي لحظة، ولن أتحدث عن حشد النواب لأبناء دوائرهم فهذا أمر طبيعي طالما كان بعيدا عن الإكراه أيضا.

لكن عمليات الحشد للموظفين في الهيئات والدواوين الحكومية وكذلك في شركات القطاعين العام والخاص عبر تهديدهم بفقد الوظيفة أو الترقية، أو إبلاغ الأجهزة الأمنية عنهم، وتهديد كبار السن من أصحاب المعاشات بفقدان معاشاتهم الشهرية أو بطاقتهم التموينية المدعمة يجعل هذه العملية (الانتخابية) برمتها كزواج بالإكراه، ولك عزيزي القارئ أن تتصور زوجة أكرهت على الزواج ممن تكره، فكيف ستكون حياتهما؟
العقد النفسية

كل ما سبق كان من الطبيعي أن ينتج حشودا ضخمة (وإن كانت مكرهة) أمام كل اللجان (13706 لجنة تضم 60 مليون ناخب) وليس فقط أمام 50 أو حتى مائة لجنة فقط، تم تجهيزها للتصوير بعد حشد بضع عشرات أو حتى مئات أمامها لا يساوون شيئا ذا بال قياسا بإجمالي أعداد المسجلين في تلك اللجان، كان من الطبيعي أيضا والحال كذلك أن تكون نسبة الحضور الحقيقية فوق الـ70% لتكسر العقدة النفسية للسيسي من الحشود الحقيقية في الانتخابات الرئاسية الحقيقية في 2012 والتي تجاوزت 50% من المسجلين، لكن ما يمكن تسجيله بكل فخر هو المقاومة الشديد لهذه التهديدات فيما يمكن وصفه بـ" عصيان ناعم"، حيث لم تفلح في إرهاب الجميع، فغاب الشباب تماما عن اللجان، وغاب الكثير من الموظفين في دواوين الحكومة أو القطاعين العام والخاص، واستعاض الكثيرون منهم عن ذلك برحلات ترفيهية إلى الإسكندرية وغيرها من الشواطئ مستغلين عطلة مجانية قاربت الأسبوع، وفازت هيئة السكك الحديدية بحجز كامل مقاعدها إلى الأسكندرية والصعيد والدلتا لقضاء تلك العطلة مع الأهل والأحباب.

معركة الصورة التي حارب النظام بكل أدواته لصناعتها كانت تستهدف إقناع الخارج تحديدا بأن السيسي يتمتع بشعبية، وأنه قد حاز شرعية انتخابية، لكن هذا الخارج الذي أراد السيسي مخاطبته بحشود (قسرية) يدرك جيدا حقيقة الأوضاع، وقد أفاض مراسلو الصحف ووكالات الأنباء والقنوات الأجنبية في نقل الصورة الحقيقية للضغوط والإغراءات التي تعرض لها الناخبون، وكذا نقلوا الحضور الحقيقي في اللجان البعيدة عن ترتيبات الحشد الصناعي، وبالتالي فإن رسالة السيسي للخارج فقدت مفعولها سريعا.

من الطبيعي أن هناك من شاركوا في الانتخابات عن قناعة بالسيسي سواء ناتجة عن موقف سياسي أو موقف طائفي، ولكن الصحيح أيضا أن المصريين يعرفون الصورة الحقيقية التي هم جزء منها، وليست الصورة الصناعية التي شاهدوها فقط في الفضائيات، ومن المؤكد أن هذه الانتخابات كسابقتها في 2014 لم ولن تغير شيئا من الواقع، فسيظل الانقلاب انقلابا وسيظل السيسي مغتصبا للسلطة، وستظل حالة الانسداد السياسي وغياب الاستقرار، والاستثمار قائمة، ولن تنصلح الأحوال إلا باستعادة المسار الديمقراطي الحقيقي.

أضف تعليقك