• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

أصدرت الدكتور "مديحة الملواني" بيانا حول ملابسات اعتقال زوجها المناضل الدكتور جمال عبد الفتاح، فلم يؤوب معها رفاق النضال، فنحن في زمن أصبح فيه الإنسان شأنا أسريا، تفتك به السلطة فلا يتأذى لذلك سوى أهل بيته!

عندما اعتقل الدكتور جمال قبل الثورة، كتبت عنه، لكني لم أكن أعرف أنه زوج الدكتورة مديحة التي كنت أشاهدها في كل المظاهرات التي مهدت لثورة يناير، ولا زلت أتذكر موقفا لها يوم موقعة الجمل، عندما استدعى نظام مبارك الخيل والبلطجية بهدف فض مظاهرات ميدان التحرير بالقوة، وبموالسة لا تخطئها العين من قادة الجيش.

فلم يعد سرا أن عبد الفتاح السيسي وصل بنفسه للإشراف على عملية الفض، التي فشلت بعد يومين من تصدي الثوار لآخر مواجهة حقيقية مع نظام مبارك!

كان الثوار محاضرين في الميدان، وفيه نساء وأطفال، وسبق ذلك أن تم منع دخول الأغذية والأدوية للميدان، منذ الليلة السابقة، وقد كنا شهودا على ذلك، ولم نكن نعلم أنهم يستعدون لمعركة الغد!

وعليه، ولأن الميدان كان محاصرا من قبل الشبيحة من كل الطرق المؤدية اليه بل وقد تمددوا في منطقة وسط البلد كلها، فقد اتخذت وعدد من الزملاء قرارا، بالخروج لشراء ما تيسر من أغذية ومشروبات، "تبل ريق" من هم رهن الحصار، ومعظمهم ضيوف على القاهرة جاءوا إليها من المحافظات القريبة، لأننا نعرف تفاصيل منطقة وسط البلد جيدا.

ذهبنا إلى نقابة الصحفيين لاصطحاب أكبر عدد من الزملاء الموجودين بها، ولشراء احتياجاتنا من جمعيتها وهناك وجدنا "الجزيرة" تنقل محاولات اقتحام الميدان، في يوم "الهول الأعظم"، وربما كان العيش في "الأهوال" يقلل من حدتها على العكس من رؤيتها من بعيد.

جلسنا أمام شاشة "الجزيرة" ونحن نشاهد نهاية ثورتنا، كنا في وجل مما نسمع، لكن سيدة صرخت في وجوهنا: "أنتم هنا وأولادنا يقتلون"؟! ثم تهتف فينا آمرة: "قوموا".

المفاجأة أننا قمنا جميعا، لم ندافع ولم نبرر لشيء وقد ضبطنا أنفسنا متلبسين بالتراخي. قمنا فعلا واشترينا المطلوب، وعدنا للميدان، ولم تكن مشكلتنا في الشبيحة فقد جاءوا لمهمة مدفوعة الأجر، وسرنا وسط سيوفهم المشهرة، وعرفنا من أحاديثهم مع بعضهم البعض كثيرا من التفاصيل، فكانت أجرة الواحد منهم (250) جنيها.

ودفع بهم رجال أعمال، ذكروا أحدهم بالاسم، وفي اليوم التالي لفشل الفض، أغرق دائرته الانتخابية القريبة من الميدان، بلافتات تحمل صور شهداء الثورة، ويعلن انحيازه لها.

وليس هذا موضوعنا، فقد عرفت فيما بعد، لاسيما بعد نضالها ضد التفريط في "تيران وصنافير"، أن هذه السيدة التي نهرتنا بعنف لأننا نجلس أمام التلفزيون بينما يذبح الناس في الميدان هي الدكتورة "مديحة الملواني"، وعرفت بعد اعتقال "سجين كل العصور" المناضل "جمال عبد الفتاح" أنها زوجته.

وكتبت الزوجة عن معاناة هذا المناضل الكبير، الذي تم اعتقاله بطريقة أقرب إلى الاختطاف، ومنع الدواء عنه، وكأن القرار هو قتله بالبطيء، فلم نجد دفاعا يليق بالرجل من قبل قوى اليسار، وإذا عُرف السبب بطل العجب!

الجريمة الكبرى للدكتور عبد الفتاح، أنه دعا لمقاطعة الانتخابات، في وقت تقلصت فيه كل أحلام أهل الحكم في حضور الناس، ولو لإبطال أصواتهم، أو للتصويت بـ (لا) كما قال عبد الفتاح السيسي وكأنه يخوض استفتاء يكون فيه التصويت بـ (نعم) أو بـ (لا) وليس يخوض انتخابات يترشح فيها هو بجانب منافسه المختار "موسى إلخ إلخ"!

المطلوب هو الحضور، بما يمكن من تزوير أعداد المشاركين، والأصوات التي حصل عليها السيسي، وخطورة دعوة "جمال عبد الفتاح" أنها ستفسد على القوم "الزفة المحتملة"، ولهذا بدا "السيسي" متوترا في اليوم التالي لدعوة الأحزاب المدنية بمقاطعة الانتخابات، فأرغى وأزبد، وهدد وتوعد، وكان غضبه لافتا للنظر، فلماذا يخاف من نتيجة انتخابات هو من يضعها، في ظل تواطؤ دولي مدفوع الأجر والمواقف؟!

انفض السامر، وانتهى المولد، فهل سيتم الافراج عن "جمال عبد الفتاح"، والسماح بإدخال الدواء له؟.. هنا نأتي لمربط الفرس!

"بيت القصيد"، أن التنكيل بالرجل ليس لأنه دعا لمقاطعة الانتخابات، فهذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير، فالحقيقة كما توضحها الدكتورة "الملواني" أن الأصل في الاعتقال والتنكيل يرجع إلى موقفه من رفض التطبيع، والدعوة لتحرير الأرض العربية المغتصبة من البحر إلى النهر، والى كونه لا يزال يؤمن بأن قضية فلسطين هي القضية المحورية!

وهذا هو أيضا "مربط الفرس" من حيث تجاهل زملائه من أهل اليسار له، وانخرط كثير منهم في سكة التطبيع، فلا ينكر أحد ممن كانوا يؤمنون بهذه الأفكار في السابق من أهل اليسار هم من انخرطوا في الدعوة للتطبيع.. لطفي الخولي نموذجا!

وعندما يوجد يساري لا يزال يؤمن بالأفكار القديمة، في زمن صار فيه السيسي يجهر بالمعصية الوطنية، ويعلن أن مهمته الوظيفية هي حماية أمن إسرائيل، فمن الطبيعي أن يُنكل بمن يعادي إسرائيل، ومن الطبيعي كذلك أن يتجاهله الرفاق لتصبح قضيته قضية أسرية تقوم فيها زوجته بالدور الذي كان ينبغي أن تقوم به المؤسسات الحزبية اليسارية والمنظمات الحقوقية، إذا جاء للقوى الأخرى ما يشغلها!

هذا هو بيت القصيد، ومربط الفرس!

أضف تعليقك