• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم الكاتبة الأردنية: إحسان الفقيه

كان الفاروق عمر محقا حينما قال «اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة»، فآفة كل عصر أن ترى الباطل ينشط له أهله، بينما أصحاب الحق ينامون عن حقهم ملء الجفون.

ما أبشع أن تتفتق عبقريات الأمة عن مسابقات (أكبر كبسة)، وأغلى (تورته) وأوسع (صحن تبولة)، ومسابقة ملكة جمال الإبل، وأكثر رؤوس الأغنام جاذبية، في الوقت الذي لا تكف العقلية الصهيونية عن الدوران في فلك الأطماع الاستعمارية.

لقد نجح الصهاينة إلى حد بعيد في ترجمة مخططاتهم ونقلها من الأوراق إلى الواقع، وكان من أخطر ما نجحت فيه، هو عزل الوقائع التاريخية عن سياقها وإطارها، وتمكنوا من أن يفرضوا عليها بعد هذا البتر أي معنى يتم توظيفه لخدمة أطماعهم ومصالحهم.

هذا الأسلوب الشيطاني الذي يأخذ وصف الظاهرة، سماه العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري بـ«أيقنة الوقائع التاريخية» بمعنى أن تتحول الواقعة التاريخية إلى أيقونة تصبح موضوع الحلول.

وحين بدأ المسيري في دراسة ما يسمى بإسرائيل، لاحظ أن الصهاينة يتحدثون عن المسألة اليهودية كما لو كان أمرا فريدا، ولذا قام باسترجاع البعد التاريخي والإنساني المقارن، وأوضح أن المسألة اليهودية لم تكن مسألة عالمية، وإنما كانت مسألة يهود شرق أوروبا وخاصة في روسيا، بل لم تكن مسألة مقصورة عليهم وإنما كانت جزءا من مشكلة كل الأقليات في روسيا القيصرية التي وصفها زعيم الثورة البلشفية «لينين» بأنها «سجن الأمم».

ومن مفردات المسألة اليهودية التي سلك فيها الصهاينة مسلك الأيقنة، أو عزل الوقائع التاريخية عن سياقها وإطارها، قضية الهولوكوست، ورقة الابتزاز الصهيونية الكبرى في وجه كل من يتخذ مسارا مناقضا لتوجهات ومصالح الدولة الصهيونية، ويتم الضغط به على القوى العالمية للسير طواعية أو كرها في ركب خدم الدولة اللقيطة.

فالصهاينة قد غمروا العالم بتلك الفكرة وكأن الإبادات الجماعية لم تحدث في التاريخ إلا بحقهم وحدهم، وقاموا باقتطاع تلك المحرقة من سياقها الإنساني والزمني الواسع، وهو تعرض أقليات دينية وعرقية عديدة للإبادة على مر التاريخ. 

فماذا عن الإبادة الجماعية التي قامت بها الحضارة الغربية الحديثة بحق السكان الأصليين في الأمريكتين؟ وماذا عن الإبادة في فيتنام والشيشان والجزائر؟ وماذا عن الإبادة التي يتعرض لها أهل الغوطة الشرقية اليوم؟

فكان الأولى بالمجتمع الدولي أن يتعامل مع الهولوكوست النازي بحق اليهود باعتبار مراعاة البعد الإنساني والتاريخي، لكن وقوع العالم في مرمى الابتزاز بورقة الهولوكوست دليل دامغ على تغلغل الصهيونية في دوائر صناعة القرار في الدول والهيئات العالمية.

بورقة الهولوكوست، أبيدت كل أدوات التعبير عن الرأي، فمن ذا الذي يتناولها بالتشكيك ولم يتهم بمعاداة السامية؟

وبسببها تمارس في أروقة السياسة الأمريكية والغربية أشد أنواع الإرهاب تجاه حرية النقد، فلا أحد يجرؤ على الكلام.

«لا أحد يجرؤ على الكلام» هو عنواني مقالتي، والذي اقتبسته من كتاب السيناتور الأمريكي السابق بول فندلي، الذي تناول في بعض صفحاته الإرهاب الأمريكي ضد حرية الرأي تجاه الهولوكوست وقضايا الصهاينة بصفة عامة.

في كتابه، يصف فندلي مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكيين، بأنهما مجرد لجان في الكنيست الإسرائيلي، وكانت مناسبة هذا الوصف، أن استطلاعا للرأي أجرته مجلة «تايم» وشبكة «سي إن إن» قد أظهر أن 60% من الأمريكيين يحبذون خفض المعونات المقدمة للكيان الإسرائيلي أو إلغاءها نهائيا، إذا رفض شارون سحب قواته من الأراضي الفلسطينية. 

من يجرؤ على التشكيك في الهولوكوست أو مهاجمته؟

المفكر الفرنسي روجيه غارودي لاحقته فرنسا حاملة لواء الحريات واتهمته بمعاداة السامية، وسجنته وصادرت كتبه، فقط لأنه شكك في عدد ضحايا المحرقة، حيث كشف أن القتلى يتراوح عددهم بين 900 ألف إلى مليون ومئتي ألف وليس كما يدعي الصهاينة بأنهم ستة ملايين.

الكاتب السويدي رينيه لويس سجن 17 عاما عندما وقع تحت وطأة القانون السويدي الذي يجرم معاداة السامية لأنه شكك كذلك في عدد ضحايا المحرقة.

الكاتب البلجيكي فيريبكيه، اعتقل في هولندا لتشكيكه فيما تدرسه المدارس الأوروبية من مذكرات عن المحرقة.

في احتفالات أوروبا السنوية بعيد المحرقة عام 2000 كان أول موضوع يطرح للنقاش هو الضجة التي أحدثها كتاب صناعة الهولوكوست للأمريكي فينكلشتاين، والذي كشف المتاجرة الصهيونية بالمآسي البشرية لإشباع أطماع مادية.

عندما نفى الكاتب الألماني أرنست ذوندل وقوع حوادث أفران الغاز، حوكم عام 2005 بتهمة التشكيك في الهولوكوست. عام 2005 كذلك قامت أمريكا بترحيل الكيميائي الألماني جيرمان رودلف لقيامه بإعداد بحث يثبت فيه أن نوعية الغاز الذي تحدث الصهاينة أنه قد استخدمه هتلر ضدهم في أفران الغاز، ليس موجودا على الحقيقة بالخواص التي ذكروها، فسجن لما يزيد عن عام.

القائمة طويلة، وورقة الابتزاز (الهولوكوست) جاهزة لمن يشكك أو يهاجم، مع أن هتلر قتل من الغجر والشيوعيين أكثر مما قتل من اليهود، لكنه كما ذكرنا آنفا، العقلية الصهيونية بارعة في نزع الوقائع التاريخية من سياقها الزمني والإنساني، لتصبح المسألة وكأنها خاصة باليهود.

وبهذا الاقتطاع قاموا بابتزاز العالم عن طريق طلبات التعويضات الضخمة، وادعوا المظلومية وأن العالم بأسره يكرههم ويتآمر عليهم، فصار لزاما على كل من ينفي عن نفسه تلك التهمة أن يثبت براءته عن طريق التعويضات والتجاوز عن محاسبة اليهود بأي قوانين دولية أو محلية.

حتى الأمم المتحدة كهيئة دولية، كان عليها أن تنفي عن نفسها التهمة، فعندما أقيم في تل أبيب معرض عن الهولوكوست عام 2005، دعت الحكومة الإسرائيلية الآلاف من الشخصيات الفكرية والسياسية والفنية، فكان ممن لبوا هذه الدعوة كوفي أنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة.

وبهذا المسلك الغالب على العقلية الصهيونية بشأن اقتطاع الوقائع التاريخية من سياقها، كانت ادعاءات الحق في أرض فلسطين، فوصل الأمر إلى أن بعضا من رموز السياسة والثقافة العرب يقولون بحق الصهاينة في الأراضي الفلسطينية!  

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أضف تعليقك