• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: باسم ناصر

انطلقت الجمعة الماضية فعاليات «مسيرة العودة الكبرى»، وهي – بحسب المنظمين لها – مسيرة سلمية شعبية مليونية فلسطينية، تنطلق من غزة والضفة الغربية والقدس والأردن ولبنان وسوريا ومصر باتجاه الأراضي التي تم تهجير الفلسطينيين منها عام 1948. 

وأظهرت المسيرة التي انطلقت من غزة الجمعة الماضية مدى تعلق الفلسطينيين بأرضهم، إذ سرعان ما لبى عشرات الألوف منهم دعوة المنظمين للاحتشاد والاعتصام في عدة مواقع من المناطق الحدودية التي تفصل القطاع عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، يحدوهم الأمل بأن تكون عودتهم لمدنهم وقراهم التي أخرجتهم منها عصابات الاحتلال الصهيوني قريبا. 

ووفقا للجنة التنسيقية الدولية لمسيرة العودة الكبرى فقد تم «استكمال إنجاز وثيقة المبادئ العامة الكبرى بالتشاور مع العديد من القوى السياسية الفلسطينية الفاعلة، ومع المنظمات الأهلية والقانونية في فلسطين والشتات»، مشيرة إلى أن الإعلان عن المبادئ العامة للمسيرة وتبنيها من كافة أطياف الشعب الفلسطيني باعتبارها نوعا جديدا في المقاومة التي تتبنى سياسة اللاعنف، يشكل تحديا للمجتمع الدولي واختبارا حقيقيا لنوايا الجميع تجاه القضية.

تأتي الدعوة لهذه المسيرة والقضية الفلسطينية تمر بمنعطف تاريخي خطير، وتحديدا ما يقال عن «صفقة القرن» التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وإلغاء حق العودة لملايين الفلسطينيين، بتوطينهم في أماكن لجوئهم أو بإقامة دولة لهم في سيناء، عبر المشروع الذي يتبناه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ودولة الكيان الصهيوني بالتعاون مع دول عربية عديدة. 

اللافت في توجهات المنظمين لهذه المسيرة، اختيارهم طريقا جديدا في المقاومة، يتبنى سياسة اللاعنف، ويلح كثيرا على تجنب الصدام مع جنود الاحتلال على الحدود الفاصلة، حرصا منهم على عدم إراقة الدماء الفلسطينية، كما يتنبه كثيرا إلى أهمية تقديم الرواية للرأي العام الدولي باعتبارها قضية شعب اغتصب الاحتلال الصهيوني أرضه، وهجّر أبناءه خارج وطنه، ويمارس بحق من بقي منهم أبشع الممارسات القمعية. 

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن صاحب فكرة الحراك السلمي في غزة هو المثقف الفلسطيني أحمد أبو ارتيمة، إيمانا منه بأهمية حشد الجماهير في حراك سلمي يتم الزحف فيه من قطاع غزة والخارج باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، لإحراج الاحتلال الصهيوني وجره إلى الملعب الذي لا يجيد اللعب فيه، وتجريده من آلته العسكرية الضخمة، وقد بدأ بالترويج لفكرته قبل أربعة أشهر تقريبا، التي وجدت فيما بعد قبولا واسعا من مختلف أبناء الشعب الفلسطيني. 

وبحسب مراقبين ومحللين فإن نجاح المنظمين للمسيرة في المحافظة على سلمية نشاطاتهم، وعدم الانجرار إلى أي عمل استفزازي من قبل الاحتلال لحرف المسيرة عن أهدافها ومسارها المعد لها، قد يساهم بشكل كبير في تعرية وجه الاحتلال القبيح الذي لا يجد سبيلا لمواجهة هذه المسيرة السلمية إلا بالقتل واستخدام القوة العسكرية، وقد كانت حصيلة الجمعة الماضية 15 شهيدا، وآلاف الجرحى، وهو ما يسعى الاحتلال لتقديمه في صورة مختلفة، باعتباره نشاطا إرهابيا وليس مسيرة سلمية. 

كما تتطلب عملية إنجاح هذه المسيرة حسن استجابة جميع القوى والأحزاب السياسية الفلسطينية وسائر أبناء الشعب الفلسطيني لتوجهات منظمي المسيرة الداعية لهم جميعا للنأي بأنفسهم عن النزعة الفصائلية المدمرة التي أحدثت شروخا عميقة في الجسم الفلسطيني الواحد، والارتفاع إلى مستوى التحدي الأكبر المفروض عليهم جميعا، والمتمثل في صفقة القرن، وحشد الصفوف واستنهاض الجميع لإفشاله وعدم السماح بتمريره وفرضه كأمر واقع على الجميع.  

يفترض أمام ذلك التحدي أن تتعالى جميع الحركات والأحزاب والفصائل الفلسطينية على حساباتها الفصائلية الضيقة، وفي مقدمتها حركة فتح وحركة حماس، وتلتقي على صعيد واحد، فالخطر يداهمهم جميعا، وليس ثمة سبيل لمواجهته إلا بتوحيد الجهود، وحشد الجماهير للدفاع عن حقها في العودة إلى أراضيها، وليكن العنوان الجامع هو الدفاع عن حق العودة، لإسقاط كل المخططات التي تهدف لإلغائه، والتشبث به باعتباره حقا مقدسا لا يملك أحد من الساسة الفلسطينيين أو العرب صلاحية التنازل عنه.

أضف تعليقك