• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: د. إبراهيم الديب

ظاهرة نقل مقولات من التراث وعلاقتها بالقدرة على الانتاج المعرفى وتحريك القطار العربي 
قالوا وفعلوا وانجزوا !! … ولكن الاهم هو …حضرتك ماذا قلت !؟ وماذا فعلت !؟ وماذا أنجزت !؟
بتحويل المعنوي الى محسوس يتضح المقال ، في مجال العلوم الكونية ، لو جاء احدهم 
ليبشرنا ويخبرنا بإنتاج المصباح الزيتي ، أو باختراع العربة الخشبية التي تجرها الخيول .
السؤال هو : كيف سيكون رد فعل حضراتكم عليه ؟ هذا هو ملخص الفكرة .
وهذا المثال في عالم انتاج الماديات ، ولكن الأمر اكثر أهمية وأشد خطورة في مجال صناعة العقول وبناء الانسان والمجتمعات الساعية للتحرر والتحضر ، وامتلاك استحقاقات ودفع ثمن دخول الجنة ، التي عرفت بأنها غالية الثمن جدا وتحتاج لفكر وعمل وجهد مستمر حتى لحظة المغادرة واقلاع الروح من الدنيا .
قال : ابن القيم ، قال ابن تيمية ، قال المحاسبي ….الخ ،مع التعليق عليها بأنها كلمات تكتب بماء الذهب على صحاف من فضة …. الخ
لا شك في أنها أفكار ومقولات بنت عصرها ، جاء نتيجة لمعادلة مكونة من ثلاثة عناصر
أفكار ومقولات العلماء =
فهم العالم للدين × مستوى عقله وعلمه × تفاعله مع مشاكل وتطلعات عصره 
لهذا جاءات أفكار العلماء السابقين بنت عصرها بمعنى :
ــ أنها تجيب على أسئلة وتطلعات عصرها ، وليس بالضرورة ان تظل صلاحيتها كلها
أو جزء منها لهذا العصر .
ــ قد تكون جيدة في ذاتها ولكنها ليس مناسبة لواقعنا وظرفنا الحالي الذى نعيشه
ــ كما أنها مرهونة بالبنية المعرفية للعالم نفسه ، والمرتبطة بما بلغه نمو العلوم والمعارف في في هذا العصر ، والتى تتقادم كثيرا جدا جدا عن واقعنا الحالي ، ومستوى تحصيله واستيعابه لها .
ــ مرهونة بالمستوى العقلي للعالم نفسه والتي تساهم بشكل كبيرفي تحديد 
مستوى العمق الفكري ، وشمول وجودة الفهم والتناول ، ومدى صالحيته للنقل والاستخدام 
ــ مرهونة بالميول الثقافية والاجتماعية والسياسية ، والتي تحدد السياق العام 
لكل ما يصدر عنه من أفكار ومقولات ، فهناك العالم الحر ، وهناك عالم السلطان
وهناك العالم المتاجر بالدين …الخ 
ــ أنها خاصة بعلاج أمراض المرحلة ، ولتعليم وتأهيل وتهيئة المجتمع لتحقيق تطلعات المرحلة
في المجمل العام لكل عصر انتاجه الفكري الذى يعبر عن :
1 ــ مستوى العلماء والبشر الموجودين في هذه المرحلة
2 ــ قدرتهم على فهم واستيعاب المعارف السابقة والمحيطة ، وإنتاج أفكار ومعارف جديدة 
للعبور بواقعهم الى المستقبل الأفضل
3 ــ تفاعل النخب العلمية والثقافية مع مشاكل وتطلعات المرحلة ، ومن ثم غزارة ما ينتجون من أفكار ومعارف .
أو ضعفهم وتكلسهم عن مواجهة أسئلة وتحديات وتطلعات المرحلة ومن ثم هروبهم 
الى الأمام بإعادة نقل أفكار وإجابات وعلاجات الأجيال السابقة ، او التنحي جانبا على قارعة الطريق والسكون التام عن التفكير والإنتاج .
ــ لاشك ان لهذ الامر السهل البسيط من قص ولزق من كتب التراث ، وتكرار النشر
لاشك أن له بعدين نفسيين :
الأول : هو الارتباط العاطفي فقط بتراثنا ومجدنا السابق ، المنزوع من الفعل الإيجابي
بالاستفزاز المعرفي وبذل الجهد في البحث العلمي والإنتاج المعرفي المتجدد .
الثانى : اعلان الإفلاس الفكري والاستسلام للهزيمة الفكرية في الواقع
وكلا الاحساسين سلبيين جدا لأمة منهزمة فكريا وتريد ان تقوم وتنهض .
أتمنى على الله تعالى ، واطالب إخواني خاصة الباحثين والمثقفين منهم والمعنيين بإعادة تشكيل عقل الأمة :
1 ــ الإجتهاد في دراسة وفهم التراث ، وإستدعاء ما نحتاج منه في موضعه 
ولكن في سياق عملية ومعادلة الإنتاج المعرفي المعاصر
2 ــ الإنطلاق من الواقع ، أي من امراضنا ومشاكلنا وتحدياتنا ، وتطلعاتنا لمستقبل افضل
وإعمال العقل بشكل جيد ، وبذل الجهد الفكرى ، والشجاعة العلمية وإنتاج أفكار جديدة 
تقدمونها للمجتمع كعلاج فكرى طازج ومعاصر وموائم لواقعنا .
والكف عن منهج القص من التراث واللصق على صفحات الكتب والسوشيال ميديا 
وما أسهلها من وسيلة .
3 ــ المشاركة بقوة ، وتقديم النموذج القدوة العملية في نشر ثقافة الإنتاج المعرفي 
وتعليم الباحثين أسس ومهارات الإنتاج المعرفي المتجدد ، من اهم واجبات المرحلة الحالية .
أضرار القص واللصق من أفكار وإجابات وتوصيات العلماء السابقين 
1 ــ أغلب المقولات ربما لا تأتى موائمة لواقع أمراضنا الحالية ، وربما جاءات
مخدرة عن العلاج ، حتى يتفاقم المرض ويدمر أصحابه 
مثال : الدعوة للصبر والاحتساب وانتظار الفرج ، في وقت تحتاج الامة فيه كل عقل وفكر وطاقة .
مثال : مقولات التسامح في وقت الحسم ، او مقولات الحسم في وقت التسامح
….الخ من الأمثلة الكثيرة
2 ــ تضيع تكلفة الفرصة البديلة لشغل العقل والفكر والجهد بإنتاج العلاج والجواب المعاصر الشافي أن شاء الله 
3 ــ الجمود على حد النقل المعرفي ، وحرمان العقل من التدريب وتعزيز القدرة على الإنتاج المعرفي
4 ــ استنزاف الجهد والوقت في مسح رسائل الواتس ورسائل المازنجر والفيس والايميلات من هذا النوع من المقولات 
تجربة ومعاناة عملية خاصة بى شخصيا مع النقل والإنتاج المعرفى :
اولا : في مركز هويتى لبحوث ودراسات القيم والهوية تعاملت مع ما يقارب الخمسين باحثا من المنطقة العربية من حملة الدكتوراه والماجستير ، لم اجد من يصلح منهم الا أربعة فقط يجيدون الإنتاج المعرفى ، وبقيتهم لا يجيد ولا يفكر ولا يتجرأ على انتاج معرفة جديدة من صناعته وانتاجه الفكرى الخاص .
ثانيا : عزفت واخذت قرارا بعدم الاشراف العلمى على ما يطلق عليه خداعا في عالمنا العربى من رسائل الماجستير والدكتوراه ، الا من رحم ربك لأنى مع الحالات التي شاركت فيها
اجد الطالب قد جد واجتهد في النقل من فلان وفلان ، ويبرع في تعداد المراجع
بيد انى أساله عن نفسه ، وماذا قلت أنت ؟ وماذا انتجت أنت ؟ فيجيب قال العلماء 
فاقول له انتهى الامر ، شكرا لك ، أبلغك اعتذاري .
هناك باحثون يعوقون الامة عن مجرد السير ، وهناك باحثون قاطرة لتحريك وتسيير 
وتقدم الأمة ، لا نريد الا النوع الثاني فقط .
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية(*)

أضف تعليقك