محمد حامد عليوة
الحمد لله رب العالمين ، القائل فى كتابه الحكيم (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المجاهدين ، محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد
لقد قدم الإخوان المسلمون – ولازالوا يقدمون – نماذج طيبة وأمثلة حية من الثبات على المبادئ والصبر فى الشدائد ، وذلك رغم كثرة الخطوب ووحشة الدروب ، وكثرة المحن وتعدد صور الأذى والفتن ، فما لانت لهم قناة وما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله ، وما ضعفوا وما استكانوا ، وما توقفوا عن مسيرة الدعوة أو تخلفوا عن ركب الإصلاح ، وما زادتهم هذه الصعاب إلا إيمانا وتسليما وتثبيتا .
وبعد توفيق الله لهم ، وتثبيته إياهم على طريق الحق ، كان للتكوين الدقيق والتربية العميقة لهذا الصف الإخواني أثرا كبيرا فى ثباتهم ، ولاسيما التكوين الإيماني والعبادي الذي هو سببا مباشرا لهذا الثبات . وقد تكلم الإمام البنا فى رسالة التعاليم عن أحد أركان هذه الدعوة ، وهو ركن الثبات ، فقال رضي الله عنه فى رسالة التعاليم :
” وأريد بالثبات : أن يظل الأخ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام ، حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين ، فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية ، ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23)، والوقت عندنا جزء من العلاج ، والطريق طويلة المدى بعيدة المراحل كثيرة العقبات ، ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة “.
والإمام البنا بهذا التوجيه الواضح للإخوان المسلمين ، يريد منهم أن يعاهدوا الله على العمل وبذل الجهد والاستمرار والدوام على الحركة والعمل وبذل الجهد والسعي الدءوب والمجاهدة من أجل التمكين لدين الله في الأرض ، مهما طال العمر وبعدت الشقة ، وتتابعت المشاق والعقبات .4
وقد استشرف الإمام البنا – من واقع فهمه العميق لسنن الله فى الدعوات – ، العقبات التى ستواجه الإخوان وقد تحول بينهم وبين الثبات والاستمرار على طريق الدعوة ، فكتب فى رسالة بين الأمس واليوم ، معددا مظاهر هذه العقبات :
• سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم.
• وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله.
• وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان.
• وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء.
• وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم.
• وسيتذرع الغاصبون بكل طريق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم.
• وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأخلاق الضعيفة والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان.
• وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات.
• وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة ، وأن يظهروها للناس في أبشع صورة ، معتمدين على قوتهم وسلطانهم ومعتدين بأموالهم ونفوذهم ، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) الصف – 8.
• وستدخلون بذلك ولا شك في دور التجربة والامتحان ، فتسجنون وتعتقلون ، وتنقلون وتشردون ، وتصادر مصالحكم ، وتعطل أعمالكم ، وتفتش بيوتكم ، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان ، (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) العنكبوت 2.
ويستكمل الإمام البنا حديثه ، موضحا نتائج الصبر والثبات فيقول :
ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) ) سورة الصف . فهل أنتم مصرون على أن تكونوا أنصار الله ؟ .
والمتأمل فيما يجرى للدعوة والدعاة الآن – ولاسيما فى مصر الكنانة – ، يلاحظ أمرين اثنين :
أولا : أن مظاهر العقبات والمحنة التى ذكرها الإمام البنا ، متحققة فى واقع الدعوة الآن .
ثانيا : حالة الثبات والصمود البطولي للإخوان المسلمين أمام هذه المحن والفتن المتنوعة .
ونخرج من هذه الحالة الواقعية إلى بشرى عاجلة وقريبة إن شاء الله ، وهي تأييد الله ونصره لعباده الصابرين المحتسبين كما وعد سبحانه (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) . هذا وعد الله ، ووعد الله حق ، وقوله الصدق سبحانه ، وهذه سنة الله فى الدعوات وأهلها ، أن يمتحنوا ويفتنوا ، وعليهم أن يصبروا ويثبتوا ، ولا يحيدوا عن منهجهم الرباني ، ومبدأهم القرآني ، عندها سيتنزل أمر الله بهلاك الظالمين المجرمين ، ونصره وتأييده لعباده الصالحين الصابرين المحتسبين ، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج 40 .
فاثبتوا أيها الأحبة ، واصبروا على هذا المصاب ، فلو شاء ربكم ما فعلوه ، ولكنها حكمة الله البالغة التى لا يعلمها إلا هو ، وسنته الواقعة في عباده وأولياءه ، وبثباتكم على الحق والمبدأ سيأتي النصر والفرج القريب ، وما ذلك على الله بعزيز ، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) . الروم 4-6
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أضف تعليقك