• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: عمرو فاروق

قصر سبب زيادة أعداد المسلمين على التكاثر هو أحد الادعاءات المخادعة التي يستخدمها رموز الإلحاد ليشوشوا على تفكير تابعيهم وليمنعوهم من التساؤل عن معنى الانتشار السريع للإسلام، فالإسلام هو الدين الذي يختار أكبر عدد من البالغين اعتناقه (حوالي 2.15 مليون في الولايات المتحدة وحدها)[1]، وليس فقط بسبب الزيادة السكانية للأسر المسلمة، فبنظرة واحدة على خريطة نمو الأديان[2] ستجد أن الإسلام غالبا ينمو أسرع من غيره داخل الدولة الواحدة، حتى في تلك الدول المتجانسة إثنيا واجتماعيا -كأن لا يكون فيها نسبة ذات وزن من المهاجرين ذوي معدلات التكاثر المختلفة عن سكان الدولة الأصليين- مثل مصر، فيها يتكاثر المسلمون والمسيحيون وغيرهم بنفس النسبة تقريبا، إلا أن الإسلام ينمو الأسرع، وهذا يعني أن ذلك النمو المتسارع نتيجة الاعتناق لا التكاثر، وهو ما تؤكده الإحصائيات في معظم الدول التي لا يمثل المهاجرون فيها نسبة معتبرة، لدرجة أنه ُيُتَوقَع بحلول عام ٢٠٥٠م أن يكون الإسلام هو الدين الأكثر عددا في العالم (2.8 مليار مسلم).[3]

أما حين نتناول الإلحاد، فإننا نجد أنه انتشر فعليا بحد السيف! ثم زاد عدده بالتكاثر، فالملحدون في الأساس كتلتين سكانيتين، شرقية (وتتمثل في الدول الشيوعية أو التي كانت كذلك) وغربية (وتتمثل في أوروبا)، أقحموا على المجتمعات بشكل مفتعل وعنيف وفي أوقات محددة في التاريخ -مثل فرض انتشار الشيوعية بالقوة الغاشمة، وما يصاحبها من نبذ للأديان- ثم نموا بشكل ديموجرافي بالتكاثر وليس أيدولوجي بالاعتناق[4].

فنلاحظ أن الجزء الأكبر عددا من الملحدين عالميا اليوم هو الكتلة الشرقية والتي تضم المجتمعات التي أجبرت على الإلحاد في عمليات إبادة المتدينين في روسيا والصين، وكذلك بعض الدول الشيوعية في أمريكا اللاتينية[5]، والكتلة الشرقية قَتَلت عشرات الملايين من أبناء وطنها الذين ينتمون للأديان من (50 إلى 70 مليون في الصين، ومن 40 إلى 55 مليون في روسيا)[6] وهجّرت أضعافهم، ثم فرضت الإلحاد دينا جبريا على المتبقين، فإما أن تعتنقه أو تطارد أمنيا أو على الأقل لن تحصل علي وظيفة أو دعم مادي، وهو أمر جَلَلْ، بخاصة أنها بلاد شيوعية تحتكر فيها الحكومة الدواء والغذاء والسلطة، وهذه الكتلة تمثل أكثر من نصف الملحدين إلى يومنا هذا (أكثر من 100 مليون)[7].

 

  أما الموجة الأولى للإلحاد في الجناح الغربي فكانت موجة الثورة الصناعية، والتي ثار فيها الغربيين على ممارسات رجال الدين المسيحي في العصور الوسطى من بيع جنة وإدخال نار وتعذيب واعتداءات وحشية في محاكم التفتيش[8]، وصلت إلى استحلال قرى الكفار -مثل الفايكينج- بالكامل والاستيلاء على الأراضي بمن عليها من أهالي، ومن ثم توزيعهم مثل أراضيهم علي السادة الفرسان لاستخدامهم كعبيد في الأرض، وتصبح بناتهم سبايا وبغايا للسادة الفرسان الصليبيين، وبالتالي كانت الثورة علي النسخة الداعشية من الدين المسيحي لا على المسيحية كما نعرفها اليوم ولا على الإسلام. فعندما انتشر الإلحاد في أوروبا كان إلحادا بالقيم المسيحية في العصور الوسطى وليس بالقيم الإسلامية، فحتى بداية القرن الماضي كانت تقدر أعداد المسلمين في أوروبا كلها بخمسة آلاف فقط!![9] خصوصا بعد التطهير العرقي والتهجير في المناطق المسلمة، ولهذا فلم يكن النموذج الإسلامي حاضرا في الذهن الغربي آن ذاك.

وبالتالي فالكتلة البشرية للملحدين انتشرت بحد السيف؛ إما بسيف الانظمة القمعية التي فرضت الالحاد قهرا، أو تحت تأثير ثورات دموية جاءت لتنتقم من تسلط الكنيسة ومن الفساد الديني، ثم بعد أن هدأت هذه الحالات المتشنجة لم تكتسب كتلة الملحدين زخما ايدولوجيا مماثلا، بل أنها لا تنمو بالأساس إلا بالتكاثر.

و هذا على عكس الإسلام والذي انتشر بالاعتناق لدرجة أن ٦٢٪ من المسلمين[10] في دول آسيوية لم يدخلها جندي مسلم واحد، بل انتشر بالدعوة من التجار، وبالرغم من كثرة شكوى الغربيين وادعائهم أن المسلمين لا يزيدون إلا بالهجرة، فإن الإحصائيات تكشف أن الكثافة الإسلامية الناتجة عن الهجرة في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية لا تزيد عن ٣٪ من إجمالي المسلمين فيها[11][12]، ومن ثم فإن السواد الأعظم من المجتمعات الإسلامية اكتسبت الإسلام نتيجة اعتناق واعي بمحض الإرادة والرغبة.

وبالرغم من النشاط الدعوي الإسلامي، فيندر أن يتم إنفاق الثروات على الدعوة في المجتمعات الفقيرة، وحتى في تلك الحالات النادرة و التي بدأنا مؤخرا رؤيتها خصوصا من بعض ميسوري الحال في الدول العربية، فإنه لا يتم اشتراط الدخول في الإسلام لتقديم الخدمات الإغاثية، ود. عبد الرحمن السميط من الأمثلة على ذلك[13]، كما أن الكتلة الرئيسية للدعوة تأتي من الجهود الفردية و الرحلات الدعوية (مثل رحلات الدعوة والتبليغ) التي تخرج من أماكن عادة ما تكون فقيرة، يخرج فيها الدعاة فقط بما يكفي إنفاقهم على طعامهم و تنقلاتهم.  كما أن زخم الإسلام لم ينتج فقط عن الاعتناق، بل أن الإسلام له خاصية مهمة فهو يحتفظ بكتلته، فيندر الخروج منه مع تعاقب الأجيال، ولذا فالمسلمين ينمون سكانيا بشكل تراكمي.

وبالمقارنة بالأديان الأخرى، فإن أكبرها المسيحية مثلا، نجد أنها تتآكل بالرغم من نموها السكاني، وبرغم محاولتهم تعويض هذا التآكل بالاستثمار في التبشير بشكل مؤسسي ضخم والحشد لحملات تمويل دولية، والتي لم تنقطع يوماً منذ الحروب الصليبية حتى الآن، وعادة ما تستهدف هذه الجهود التبشيرية المجتمعات البدائية والتي ليس فيها ممانعة فكرية موضوعية، فتجد حملات التبشير تحاول تعويض المفقود من كتلتها البشرية من خلال التبشير الموجه لقبائل أفريقيا، وفي العصر الاستعماري لأوروبا كانت موجهة للهند وآسيا، ومن قبلهم أمريكا اللاتينية، مستغلة الفقر[14] والجهل، وبالرغم من كل هذا الإنفاق الضخم وبالرغم من التكاثر السكاني، إلا أن الخارج من الكتلة المسيحية كبير بشكل لا يحفظها من التآكل إلا بإضافة معتنقين جدد بشكل متواصل، وهؤلاء المعتنقين الجدد لا يلبثوا أن يتفلتوا بعد عدة أجيال كمن سبقهم، وبالتالي سيحتاج الجهد التبشيري أن يزيد بشكل أسي ليقابل نسبة التآكل المضطردة.

وبالعودة إلى الإلحاد فإننا نجد أن نموه هو نمو إعلامي فقط، فهم يروجون لمعتقدهم باستخدام السينما[15] لنشر صورة رخيصة بأن الملحد هو الذكي والطيب دوما، أما المؤمن فهو الشرير والغبي، وهذه الصورة لا تنتج بشكل عفوي كانعكاس للواقع، بل يتم فرضها بشكل منهجي بواسطة لوبي منظم، فالإعلام لا يعبر عن الشعب ولكن عن أجندة شركات الإعلام، وأمثلة ذلك عديدة، فمثلا يندر في السبعينات أن تجد شركة إنتاج تقبل بنشر صورة إيجابية عن اليابانيين -عدو الحرب القديم- وها نحن نرى سينما اليوم موجهة لترويج الشذوذ الجنسي بأكثر كثيراً من تمثيله الحقيقي حتي في المجتمعات الغربية، وكذا الأمر مع الإلحاد، هي ذات الخدعة التسويقية تمارس على كل المفاهيم المستقبحة مجتمعيا بأن تراها مرارا وتكرارا حتى تألفها نفسك ولا تجد غضاضة في تقبلها كواقع مفروض.

وبالرغم من المجهودات الجبارة لنشر الإلحاد اليوم في السينما والإعلام -والتي تتنوع ما بين الرسائل المباشرة وغير المباشرة- إلا أنه يتآكل أيضا، والأرض الوحيدة الجديدة التي يكتسبها الإلحاد لتعويض تآكله هو من بعض الشباب المستاء من مجتمعه أو تطبيق الناس الخاطئ للدين، وعادة ما يكون متعصباً لأفضلية الغرب وثقافته، ومن الرسائل المباشرة أن أغلب أبطال الأفلام ملحدين، وكثير من المفكرين الذين ينتقيهم التليفزيون الغربي ملحدين، فيظن المشاهد أن نسبة وجودهم في الإعلام تعبر عن نسبتهم في الحقيقة،  فيشيع الإيمان بالعديد من الانطباعات المختلقة، مثل  أكذوبة أن أغلب المتخصصين في العلوم الطبيعية ملحدون، في حين تؤكد أكثر الدراسات الإحصائية على مدار أكثر من قرن مضى أن نسبة الملحدين منهم لم تتجاوز 40٪[16].

وبالنظر لمقياس مثل عدد الحاصلين على جائزة نوبل فإن 90%[17] منهم مؤمنين بالإله، في حين أن أغلب القلة الباقية من غير المؤمنين حصلوا عليها في الآداب. ومن الرسائل غير المباشرة الترويج للشذوذ، فنجد أن أكبر ٧ شركات إنتاج سينمائي في هوليوود عام ٢٠١٥ قد تعرضت لقضايا الشواذ في 17.5% من أفلامها في حين أن نسبة الشواذ في المجتمع الأمريكي لا تتعدى 3.8% أي بنسبة 460% زيادة عما تستحق هذه الفئة[18]. كل هذا التشويش والكذب قد يجعل المرء يعتقد أن الإلحاد أصبح أمر مسلم به لا يحاول أن يبحث كيف انتشر الإلحاد بحد السيف ولا كيف يتآكل يوميا، ولا أنه بعد كل هذا المجهود الجبار لا يزيد عن ٢٪ ويتآكل، فطبقا لمركز الدراسات المسيحية بجامعة جوردن كونويل الأمريكية، فإن نسبة الملحدين قد تآكلت منذ عام ١٩٧٠ من 4.5% إلى 1.8% في حين ارتفعت نسبة المسلمين من 15.6% إلى 23.9%[19] كما يتوقع بحلول عام ٢٠٢٠م.

 

________________________________________________________________________________________________________________________________

 

المصادر:

 

[1] http://www.pewresearch.org/fact-tank/2017/08/09/muslims-and-islam-key-findings-in-the-u-s-and-around-the-world/

 

[2] http://brilliantmaps.com/fastest-religion/

 

[3] https://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/11518702/Mapped-What-the-worlds-religious-landscape-will-look-like-in-2050.html

 

[4] وتجدر الإشارة هنا لعدم وجود مقارنة مع مفهوم الفتح الإسلامي، لأن فيه لا يتم إجبار أحد على اعتناق الإسلام، وإنما يهدف فقط إلى فتح الباب لتعريف الشعوب برسالة الإسلام مع ترك حرية اعتناقه لمن يشاء، وهذا هو مفهوم جهاد الطلب في الإسلام، لنصرة المستضعفين الذين يُحرمون من حرية الاعتقاد وممارسة شعائر معتقداتهم في بلادهم.

 

[5] http://www.museumoncommunism.org/features/war_on_religion

 

[6] https://www.dropbox.com/s/o2du1rcfq4hykdy/body%20count%20a%20quantitative%20review%20of%20political%20violence%20across%20world%20civilizations%20by%20naveed%20s.%20sheikh%20University%20of%20Louisville.pdf?dl=0

 

[7] https://en.m.wikipedia.org/wiki/List_of_countries_by_irreligion

 

[8] https://www.britannica.com/topic/inquisition

 

[9] https://link.springer.com/article/10.1007%2Fs10943-016-0253-4

 

[10] https://en.wikipedia.org/wiki/Islam_by_country

 

[11] https://cis.org/Muslim-Immigrants-United-States

 

[12] http://www.pewresearch.org/fact-tank/2018/01/03/new-estimates-show-u-s-muslim-population-continues-to-grow/

 

[13] https://ar.wikipedia.org/wiki/عبد_الرحمن_السميط

 

[14] https://www.catholicnewsagency.com/news/new-evangelization-must-zero-in-on-poverty-lawyer-says-96229

 

[15] https://www.braheen.com/download/Cinema-and-subconscious.pdf

 

[16] https://www.nytimes.com/1997/04/03/us/survey-of-scientists-finds-a-stability-of-faith-in-god.html

 

[17] https://en.m.wikipedia.org/wiki/List_of_nonreligious_Nobel_laureates

 

[18] http://dailycaller.com/2016/05/03/gay-lobby-demands-more-gay-movie-characters-even-though-they-are-already-overrepresented-by-460/

 

[19] http://www.gordonconwell.edu/ockenga/research/documents/ChristianityinitsGlobalContext.pdf

* نقلا عن مدونات الجزيرة

أضف تعليقك